أنا قلقة على شعب مصر هذه الأيام. أتلفت حولى فأرى أعراضا غريبة ومواقف مريبة. يعنى مثلا دخلت إلى البنك منذ بضعة أيام وكان أول ما طالعنى هو يافطة بيضاء ملصوقة فوق نوافذ الصرف. ''إعلان هام: تم فتح حساب دعم الاقتصاد القومى برقم...''، قرأت اليافطة وقد انتابتنى حالة من الهطل غير المفهوم ثم سألت الموظف: ''بالذمة فيه حد تبرع فى الحساب ده؟''. رد علىّ الموظف بدون تفكير ''لأ طبعا''. وانفجرنا فى الضحك معا. على إيه؟ مش فاهمة. وأتذكر أيضا أنه فى اليوم نفسه شاهدت فيديو للدكتور سليم العوا فى ندوة فى لندن. امرأة مصرية تتحدث إليه بغضب: ''واحد بيؤيد المجلس العسكرى اللى قتل ناسنا وهتك أعراض بناتنا، 12 ألف فى السجون، عار على الدين، عار على مصر''، ثم لا يلبث بعض حضور الندوة فى الهتاف ''عسكر.. إخوان.. العوا مالوش مكان''. ترتج القاعة بهتافات متتالية وغاضبة. الأغلبية الصامتة داخل القاعة تتفرج على المشهد من داخله وقد وجدوا أنفسهم فى معمعته بالصدفة. فى غضون دقائق كانت ''القلة المندسة'' قد قالت ما عندها وسجلت موقفا للمصريين القاطنين فى بلاد الإنجليز. طيب هل هذا كلام يا شعب؟ هل هذه أخلاق القرية؟ لماذا أصبحتم هكذا أقوياء ولسانكم فالت! ومن الأعراض المقلقة جدا أيضا أنه فى الوقت الذى تصر فيه وسائل الإعلام على متابعتنا بكل تفاصيل محاكمة المخلوع، ومصير قرار نقله إلى سجن طرة وماذا قال الدفاع فى مسألة أن السيد مبارك تنحى أو لم يتنح، كل هذه ''الزيطة والزمبليطة فى الصالون'' وسائق التاكسى الذى قابلته بالأمس يقول فى هذا الشأن: ''تعرفى يا أستاذة، بالصلاة ع النبى كده، أنا ح أجيب لك من الآخر، الشعب يريد براءة الرئيس''. ثم قهقه بصوت عال وهو يشرح نظريته ''أيوه طبعا علشان اللى منزلش ينزل بقى المرة دى وح نحاكم اللى محاكموش مبارك. أمال إيه.. هو احنا بنهزر''. نزلت من التاكسى وأنا مندهشة من أن الشعب قد أصبح إلى هذه الدرجة مصمماً على تطهير البلاد. قلة أصل صحيح! وبالتوازى مع كل هذا انتفض مجلس الشعب عن بكرة أبيه مؤدبا النائب المارق زياد العليمى. وخرجت المانشيتات أكثر حرارة من أيام مذبحة الأطفال فى بورسعيد. ''العسكرى: لن نتخذ إجراءات ضد العليمى وننتظر قرار البرلمان''. ''نواب: تطبيق اللائحة البرلمانية على النائب أفضل من الإحالة للقضاء العسكرى''. ''لا بديل عن اعتذار العليمى''. ''حسان فى رسالة مقتضبة للكتاتنى: العليمى زارنى وقدم اعتذاره وعفوت عنه''. الحمد والشكر لله. مبروك يا زياد ''العفو''. فى نفس توقيت هذا الجدل المحتدم فى أمر يخص مستقبل مصر يخرج شوية العيال طلبة الجامعة فى مسيرات حاشدة فى يوم الطالب العالمى، يهتفون ''إحنا الطلبة مع التحرير.. ضد حكمك يا مشير''. وإن دل هذا على شىء فهو يدل على منتهى قلة الأدب، كما يدل أيضا على غياب الأولويات نتيجة صغر السن والطيش. يعنى سايبين خناقة العليمى وخارجين تطالبوا بالحرية! ومن منطلق هذه الأمثلة أنا أعلن قلقى عليك يا شعب مصر العظيم. مش انت الشعب اللى عرفته وحبيته. لم تعد تساق يمينا ويسارا كالإبل، لم تعد تسكت، لم تعد تنسى. إيه ده يا شعب؟