يرى الاكاديمي والخبير الاقتصادي عباس المقرن إنه ينبغي للكويت التحرك نحو بناء "اقتصاد المعرفة" واستثمار الفوائض النفطية في تعزيز مراكز البحث والتطوير وذلك في ظل ازدحام النظام الاقليمي بالتخصصات الاقتصادية المختلفة. واعتبر المقرن في مقابلة مع رويترز إن الثروة التي حققتها الوفرة النفطية للكويت عطلت فرص الإصلاح الاقتصادي على مدى عقود وأضعفت الحافز لإجراء التغييرات الضرورية للاقتصاد وهو ما تسعى الحكومة الآن للتصدي له. والتقى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الاسبوع الماضي بالفريق الاقتصادي للحكومة لبحث تطبيق اجراءات سريعة لدعم الاقتصاد وتطبيق اصلاحات اقتصادية طال انتظارها. وقال المقرن إن الكويت "يجب أن تبحث عن الثغرات" في النظام الاقتصادي الإقليمي وتقوم بسدها. وأشار إلى أن النظام الإقليمي مزدحم بالتخصصات الاقتصادية فالسعودية تخصصت في الصناعة لتمتعها بمزايا الاقتصاد الكبير ودبي والبحرين تخصصتا في النظام المالي. وعقب سقوط نظام صدام حسين في عام 2003 دعا أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد وكان في حينها رئيسا للوزراء إلى تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري إقليمي بعد أن زال التهديد الأكبر الذي كانت تواجهه في المنطقة لكن هذه الدعوة لم تلق تنفيذا يذكر على أرض الواقع رغم الحفاوة الحكومية والشعبية التي قوبلت بها. وذكر المقرن استاذ الاقتصاد في جامعة الكويت أن تحول البلاد إلى مركز مالي وتجاري تقف أمامه عقبات من أهمها "الضغوط" التي تتعرض لها الكويت من محيطها الإقليمي الذي قد يرى في بعض المشاريع الكويتية تهديدا لمصالحه. وهناك خلاف قائم بين الكويت التي ترغب في إنشاء ميناء ضخم في منطقة مبارك الكبير بينما يرى العراق أن هذا الميناء سيهدد مشروعه لبناء ميناء يطل على الخليج. وقال المقرن إن الاتجاه الأنسب للكويت هو التوجه نحو اقتصاد المعرفة واستثمار الفوائض النفطية في تعزيز مراكز البحث والتطوير مؤكدا أن اصلاح النظام التعليمي هو شرط ضروري ومبدئي للسير في هذا الاتجاه. وقال إن الكويت يجب أن تتعاون مع مراكز البحث العالمية والمختبرات الدولية وأن تستثمر فيها جزءا كبيرا من أموالها. وأكد أن السير في هذا الاتجاه يحتاج إلى حزمة متكاملة من السياسات التي لا تقتصر على قطاع بعينه مثل القطاع المالي أو الصناعي أو الزراعي أو الخدمي أو التعليمي وإنما يجب أن تشمل كل هذه القطاعات "وتسير في شكل حزمة متكاملة." وأشار إلى دراسات البنك الدولي التي تقول إن هناك 19 جهة حكومية يجب أن يمر عليها المستثمر حتى يؤسس مشروعه الخاص بينما في الولاياتالمتحدة يمكن إنجاز هذه المهمة "خلال نصف ساعة فقط." وقال المقرن إن ارتفاع أسعار النفط "خلق نوعا من الاسترخاء وجعل آلية التخطيط غير جادة." وتمتلك الكويت عضو منظمة أوبك ثروة نفطية هائلة وتنتج يوميا ما يقرب من ثلاثة ملايين برميل من النفط الخام يتم تصدير أغلبها للاسواق الخارجية. وأضاف أن اعتماد الكويت على الموارد النفطية خلال ستة عقود أدى إلى "تهميش الانتاج وتهميش التعليم.. حتى القطاعات البسيطة التي تعمل.. تعتمد على العمالة الوافدة بشكل أساسي." وقال إن الاختلال الأساسي الذي يعاني منه الاقتصاد الكويتي يكمن في أن "النفط لا زال يشكل العماد الرئيسي للانتاج الاقتصادي.. لاسيما عمليات الانتاج والتصدير وليس التصنيع." أظهر استطلاع أجرته رويترز أن من المتوقع أن تحقق الكويت أكبر فائض بين دول الخليج العربية المصدرة للنفط عند 23.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية التي بدأت ابريل نيسان. وعزا الاستطلاع ذلك في جزء منه إلى أزمة سياسية أرجأت الموافقة على الإنفاق على مشروعات ضخمة للبنية التحتية. وأكد المقرن أن الموارد النفطية تشكل 95 في المئة من الموارد الحكومية و90 في المئة من إيرادات الميزانية العامة وما بين 50 و60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وذكر أن النسبة الباقية من الناتج المحلي هي عبارة عن خدمات تعتمد بالأساس على الموارد النفطية بينما لا تحتل الصناعة التحويلية سوى ثلاثة في المئة والزراعة أقل من واحد في المئة. وذكر أن جزءا كبيرا من هذه الفوائض يستخدم في تغذية المصروفات الجارية مثل الرواتب والأجور والإعانات وهو ما يعني تغذية الجانب الاستهلاكي على حساب الجانب الاستثماري مشيرا إلى أن مخصصات الاستثمار لا تزيد في الموازنة العامة عن 10 في المئة من النفقات مقابل 90 في المئة للانفاق الاستهلاكي. وقال "ليس هناك دولة في العالم تخطط للنمو وعندها هذه النسب." وحول الاستخدام الأمثل للفوائض المالية قال المقرن إنه يجب توجيه هذه الأموال للمشاريع الكبرى التي لا تقتصر فقط على مشاريع البنية التحتية التي هي بالفعل بحاجة للإصلاح "لكن هذا لا يكفي. لابد من مشاريع انتاجية كبرى بما فيها (المشاريع) النفطية مثل البتروكيماويات والصناعات اللاحقة." وأقرت الكويت العديد من خطط التنمية آخرها الخطة التي تم اقرارها في سنة 2010 والتي تتضمن مشاريع تنموية تقدر قيمتها بثلاثين مليار دينار لكن حجم الإنجاز فيها لا يزال ضعيفا. وقال المقرن الذي شارك في إعداد العديد من الخطط الحكومية "الخطط جميلة.. وفيها أهداف طموحة وفيها مشاريع.. لكن آلية التنفيذ والمتابعة فيها قصور شديد.. أدوات القياس مفقودة في الخطة." ووصف القطاع الخاص "بالمهمش والضعيف" مؤكدا أن جزءا أساسيا من ضعفه يعود للبيروقراطية الحكومية وتعقيد الإجراءات في أجهزة الدولة. وقال إن "القطاع الخاص لا يستطيع أن يعمل بدون الإنفاق الحكومي." وقررت الحكومة هذا الشهر رفع نسبة المستقطع من الإيرادات العامة لاحتياطي الأجيال القادمة إلى 25 بالمئة بدلا من عشرة بالمئة في موازنة 2012-2013. وتدير الهيئة العامة للاستثمار وهي الصندوق السيادي للكويت صندوقي الاحتياطي العام واحتياطي الأجيال القادمة وتقوم باستثمار هذه الأموال في السوق الكويتية والأسواق العربية والعالمية. واعتبر المقرن أن قرار الحكومة بتوجيه 25 في المئة من إيرادات الميزانية لصندوق الأجيال القادمة "هو الحل الأمثل في الوقت الحالي في ظل عدم وجود مسارات أخرى (لاستثمار الأموال).. لكن إذا أصبح هناك مشاريع فلابد عندئذ من تخفيض النسبة." من أحمد حجاجي (تغطية صحفية أحمد حجاجي في الكويت - تحرير نادية الجويلي)