الكويت (رويترز) - تشكل المطالب المتزايدة من قبل موظفي القطاع الحكومي في الكويت برفع الرواتب والاجور احدى المعضلات الرئيسية التي تقض مضاجع الحكومة الكويتية التي تشكلت في فبراير شباط الماضي. ورفض الموظفون الحكوميون الزيادة التي قررتها الحكومة خلال هذا الشهر لرواتب الموظفين بمقدار 25 في المئة و12.5 في المئة للمتقاعدين وردوا بتنظيم اضرابات بدأها موظفو الجمارك ثم لحق بهم موظفو الخطوط الجوية الكويتية قبل أن يتدخل نواب في البرلمان لمطالبة المضربين عن العمل بفض الاضراب مؤقتا لافساح المجال للتفاوض مع الحكومة. وتسببت الاضرابات في احراج بالغ للحكومة التي يرأسها الشيخ جابر المبارك الصباح لاسيما أن هذه الاضرابات تسببت في ارتفاع أسعار كثير من السلع الحيوية التي يتم استيرادها من خارج الكويت. ويقول محللون إن الكويت التي نجت من موجات الربيع العربي بفضل ما لديها من ثروات نفطية تدفع حاليا الثمن في شكل مطالبات غير منتهية من الموظفين الكويتين في ظل حكومة لا تحظى بتأييد نيابي كبير بعد أن فشلت المفاوضات الهادفة لتمثيل الكتل النيابية في الحكومة عند تشكيلها الشهر الماضي. وانتقد أحمد السعدون رئيس مجلس الامة خلال مارس الجاري على حسابه على موقع تويتر ما وصفه "بالتفاوت الكبير في الرواتب بين جهة وأخرى واحيانا داخل الجهة الواحدة بين مجموعة وظيفية واخرى بعد أن اصبح بعض الموظفين يحصل على مرتب أدنى بكثير مما يحصل عليه نظراؤهم." وقال أحمد السعدون إن هذا التفاوت أدى الى عدم المساواة مع تماثل الظروف وبالتالي الى عدم العدالة الامر الذي نهى عنه الدستور الذي يؤكد على ان العدل والمساواة من دعامات المجتمع وان الدولة تصون تكافؤ الفرص للمواطنين. وينحاز بعض النواب في البرلمان الى مطالب الموظفين لاسيما في ظل عدم مضي الحكومة قدما في تنفيذ خطة التنمية التي أقرت في 2010 بمشاريع تقدر كلفتها بثلاثين مليار دينار حتى 2014. ويتهم معارضون للحكومة ومراقبون اقتصاديون محايدون الحكومة بعدم المضي قدما في تنفيذ مشاريع خطة التنمية بينما تؤكد الحكومة أنها أنجزت كثيرا من الخطط الموضوعة وان كانت تقر بأن المعدل لا يتطابق مع ما كان مخططا له. وشهدت الكويت خلال الاشهر القليلة الماضية العديد من المطالبات المالية لفئات واسعة من الموظفين وغالبا ما كانت هذه المطالبات مصحوبة بتهديدات بالاضراب عن العمل أو تنظيم اعتصامات. وفي أواخر العام الماضي استجاب أمير الكويت وقبل استقالة ابن أخيه الشيخ ناصر المحمد الصباح من رئاسة الوزراء وحل مجلس الامة (البرلمان) بعد اندلاع احتجاجات شعبية في مواجهة الحكومة بسبب مزاعم بالفساد وتقديم رشى من قبل الحكومة لنواب موالين لها في البرلمان. وأسفرت الانتخابات التي أجريت في الثاني من فبراير شباط الماضي عن فوز غالبية من المعارضة وعدد كبير من الاسلاميين في مجلس الامة. ويقول محللون إن أسعار النفط المرتفعة حاليا تتيح لحكومة الكويت عضو أوبك الاستجابة المؤقتة لهذه الزيادات لكنها ستكون بكل تأكيد عاجزة في المستقبل عن التجاوب معها بنفس القدر من المرونة مع عدم ضمان استمرار هذا الارتفاع الكبير في أسعار النفط. ويشير هؤلاء الى أن على الدولة أن تستثمر هذه السيولة الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط لتنويع الاقتصاد ومصادر الدخل في بلد يعتمد اعتمادا مطلقا على صادراته من النفط. وقال ناصر النفيسي مدير مركز الجمان للاستشارات ان الامر "يشبه التعامل مع طفل مستمر في البكاء وتعطيه الشيكولاته لكي يتوقف عن بكائه.. انها كارثة.. هذه ليست طريقة صحيحة لادارة دولة." وأضاف النفيسي أن زيادة الرواتب يجب أن تتم بطريقة منطقية وليس من خلال الاستجابة لمطالب فئة من الموظفين دون الفئات الاخرى مشيرا الى أنه يمكن أن يكون هناك زيادة تتم كل سنة أو ثلاث سنوات بشكل دوري مدروس تجاوبا مع ارتفاع معدلات التضخم لا أن يتم الرفع بنسبة 25 أو 50 أو 100 في المئة دون أدنى اهتمام بالاعتبارات الاقتصادية. وتتعامل كثير من حكومات دول الخليج الغنية بالنفط مع زيادة الرواتب بشكل يغلب عليه شراء الولاء السياسي للجماهير حيث حصل كل مواطن كويتي العام الماضي على منحة أميرية قدرها ألف دينار (3600 دولار) ومواد غذائية بالمجان بمناسبة الذكرى الخمسين لاستقلال دولة الكويت. ويزيد عدد المواطنين الكويتيين قليلا عن مليون نسمة بينما يقترب تعداد الوافدين من غير الكويتيين من مليونين. كما رفعت الحكومة في مارس اذار الجاري الحد الاقصى للقرض الاجتماعي لحالات الزواج الاول الى ستة الاف دينار بدلا من أربعة الاف على ان تسدد وزارة المالية الفي دينار كهبة ويسدد المقترض أربعة الاف دينار على اقساط شهرية متساوية بدون فائدة. كما استجابت الحكومة بنهاية عام 2011 لتهديد موظفين في قطاعات مهمة منها القطاع النفطي وبورصة الكويت بالاضراب عن العمل ووافقت على مطالبهم المالية والوظيفية وهو ما أثار موجة من التطلعات المتزايدة لدى العديد من موظفي القطاعات الحكومية الاخرى التي تطالب "بالمساواة." ودفعت النفقات المرتفعة المترتبة على هذه الزيادات والمنح محافظ بنك الكويت المركزي السابق الشيخ سالم عبد العزيز الصباح للاستقالة في فبراير الماضي من منصبه بعد 25 عاما قضاها فيه مؤكدا عدم قدرة البنك المركزي على القيام بوظيفته بالشكل الملائم في ظل استمرار هذه السياسة. كما حذر وزير المالية مصطفى الشمالي العام الماضي من أن ارتفاع الاجور في القطاع العام يشكل "خطرا حقيقيا" على ميزانية الدولة. وأكدت الاضرابات التي نظمها موظفو الجمارك والخطوط الجوية الكويتية هذا الشهر فشل هذه السياسة السخية في ارضاء الجماهير. وقالت ليز مارتينز كبيرة الاقتصاديين لمنطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا في بنك اتش.اس.بي.سي في دبي لرويتر ان زيادة رواتب موظفي القطاع العام في الكويت تجعل البيئة التي تعمل فيها شركات القطاع الخاص أكثر صعوبة مما هي عليه "ويمكن أن ترفع التضخم." وحمل جاسم السعدون المحلل الاقتصادي المستقل مدير مركز الشال للاستشارات الحكومية السابقة مسؤولية ما يحدث الان لانها زادت الرواتب والاجور بشكل كبير وحولتها الى ما يشبه "الهبات" وهو ما أخل بميزان العدالة بين الموظفين. ويعتبر الموظفون الكويتيون الحكوميون بمعايير الدول الاخرى أكثر حظا حيث من المقرر أن تجعل الزيادة الاخيرة التي اقرتها الحكومة على سبيل المثال الموظفين الحاصلين على مؤهلات أقل من الجامعية تزيد عن ألف دينار أو عل الاقل تقترب منه. وطبقا لبيانات وزارة المالية فان هذه الزيادة سترفع الموظفين الكويتيين العاملين في الطوارئ الطبية من 885 دينارا الى 1040 دينارا وموظفي التفتيش الجمركي من 850 دينارا الى 1200 دينار وموظفي المختبرات الطبية والاشعة من 934 دينارا الى 1119 دينارا وكتبة الحسابات وكتبة القانون من 770 دينارا الى 840 دينارا. لكن ممثلي النقاباب يقولون ان هذه الزيادات لا تتواكب مع الارتفاعات المتزايدة لتكاليف المعيشة في هذا البلد النفطي. وبلغ معدل التضخم في الكويت في فبراير الماضي على أساس سنوي 4.8 في المئة وهو على أي حال أقل من مستوى 10 في المئة الذي بلغه التضخم في عام 2008. وقال السعدون من مركز الشال "لا توجد حكومة في العالم توظف ثلاثة أرباع شعبها الا الحكومة الكويتية." وأضاف أن تقديرات الرواتب والاجور تصل حاليا الى 10.5 مليار دينار كويتي سنويا بينما كانت كل ميزانية الكويت 4 مليارات دينار قبل 12 سنة. وقال "انت في النهاية تشتري الود السياسي ... وهذا ليس بعلاج. العلاج هو محاربة الفساد والضرب على يد من يحصل على ما لا يستحق." واقترح بعض المعلقين في وسائل الاعلام خلال أيام الاضراب الاستعانة بالجيش لاداء الوظائف التي يقوم بها المضربون عن العمل أو فض الاضرابات عن طريق الحصول على حكم قضائي بينما اقترح اخرون تشكيل قوة عمل من المتقاعدين والمتطوعين لاداء هذه الوظائف وهو احتمال يبدو غير قابل للتطبيق رغم ما حظي به من تأييد وتشجيع حكومي. ويقول مراقبون ان الموظفين الحكوميين في الكويت يرغبون في الحصول على حصتهم من الثروة النفطية من خلال زيادات الرواتب خوفا على هذه الثروة من التبدد. وقال جاسم السعدون "ان الحكومة هي المهيمن على مصالح البلد ويفترض أنها كانت تعرف بموضوع الاضراب قبل فترة من الزمن (وكان يجب عليها) أن تلجأ للمحكمة كما فعلت الحكومة البريطانية تجاه المضربين من الخطوط البريطانية أو تفرض أوضاع الطوارئ لانه لا يمكن السكوت أمام من يهدد الامن الوطني." وتابع ان الاذعان لمطالب زيادة الاجور "هذا لن يحل المشكلة وسيفلس البلد.. ومن سيدفع الثمن هم الصغار ومن لم يولدوا بعد." (تحرير نادية الجويلي)