في الأيام الأولى من الثورة المصرية كانت فكرة التمويل الأجنبي مجالاً للسخرية من كل من يروج لها ، فمن منا ينسى كلمات بعض الموالين للنظام حين كانوا يقولون أن من فى التحرير عملاء ممولون من الخارج بالدولارات والكنتاكى . نعم كانت تلك الأقاويل مجالا خصبا للسخرية وأي سخرية ، إنها السخرية التي أصبحت اليوم بطعم الحنظل حين أصبحت حقيقة واقعة ، سواء في التمويل الأجنبي أو الخنوع المذهبي . فلقد تغير اسم هذا التمويل حسب ما تقتضى الضرورة السياسية ، فمرة يصبح اسمه معونة ، ومرة يصبح اسمه مساعدات أو تبرعات ، المهم أنه في كل الاحوال لم يعد تمويلاً ولم يعد أجنبياً ، ونحن كشعب نعشق اللحظة الأولى للأحداث نفرح ونحزن بها كثيرا دون أن نرى ما خلفها أو ما تحتويه في المستقبل ، ينساق أغلبنا دائما خلف الشعارات سواء كانت دينية أو عاطفية أو حتى عنترية ، مع أننا نعلم أنها في الحقيقة غير واقعية ولا تنتمي إلى الواقع بصلة من قريب أو بعيد . تلك الصفة التي أصبحت بين ليلة وضحاها سبة في وجه ثوار التحرير بعد أن كان الشعب يسخر منها حين كانت تقال في الأيام الأولى للثورة ، نعم أصبحت تروج وتصدق لمجرد أن قائلها رأس النظام الحالي ، والذي لا يختلف في معتقداته أو ممارساته مطلقا عن النظام السابق ، ولكن التأثير الإعلامي المضلل والسكوت السياسي المذل طمعا في منصب أو كرسي ساعدا على انتشارها وربما الترويج لها أحيانا ، على الرغم من كذبها بالدليل ، أو بتعبير أدق بعدم الدليل ، كم من مرة اتهمت حركة 6 إبريل بالعمالة ولم يقم على تلك الإتهامات دليل ولم نر أحداً من الحركة معاقباً في السجون بسسب هذه العمالة التي يحاكم بها أعضاء الحركة في محكمة الإعلام الحكومي فقط وليس في قاعات المحاكم القانونية . حتى حين خرجت علينا بعض القوى السياسية الحالية تطالب بوقف التمويل والتحقيق مع المنظمات التي تتلقى تمويلاً من الخارج مع الوضع في الإعتبار أن هذا الخارج من وجهة نظرهم هو أميركا والغرب فقط لم نسمع أحداً منهم يتحدث عن التقرير الذي خرج من لجنة تقصي الحقائق التي كلفتها وزارة العدل بالتحقيق في هذا الملف والذي أوضح عدة حقائق لم تأت لا على هوى تلك القوى السياسية ولا على هوى المجلس العسكري . فقد أثبت هذا التقرير أن أغلب الحركات التي يتم تشويهها في الشارع المصري لا تتلقى تمويلا أجنبياً وأن من يتلقى أكبر التمويلات الأجنبية هم جمعيات دينية سواء إسلامية (جمعية أنصار السنة المحمدية296 مليون جنيه ) أو مسيحية ( جمعية كاريتاس القبطية 155 مليونا و734 ألف جنيه) أو جمعيات تنتمي إلى النظام السابق مثل ( جمعية محمد علاء مبارك حفيد الرئيس السابق86 مليونا و150 ألف جنيه) ، والغريب أن التقرير الذي قدمه المستشار الدكتور عمر الشريف مساعد وزير العدل للتشريع لوزير العدل بشأن تقصي الحقائق حول قضية «التمويل الخارجى» أن المعهد الديمقراطي الأمريكي اضطلع بعمل الأبحاث والتقارير وتقديمها للسيد عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية السابق والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية «للاستفادة منها في حملته الانتخابية المقبلة» ، وأفاد التقرير أن مسؤولوا المعهد في القاهرة قدموا لموسى دراستين بعنوان مصر نحو انتخابات ديمقراطية - مصر من التحرير إلى التحول ، للاستفادة منهما في حملته الانتخابية المقبلة. ولكن بما أن المصالح العسكرية مرتبطة بماما أمريكا عكس كل التصريحات العنترية التي يطلقها المجلس العسكري وحكومته وحتى البرلمان الذي لا يستطيع فعلياً أن يفعل شيئا أمام هذه العلاقات المشبوهة ، تلك المصالح التي تقتضى أن نرفع معنويات الشعب ونشعره أن مصر لن تركع بعد اليوم أبد مهما كانت القوى التي تتحداها . ولكن واآسفاه فبعد أن صرخ سيادة رئيس الوزراء في مجلس الشعب أثناء إلقاء بيانه أن مصر لن تركع أبدا أجدها اليوم تسجد في هذا المحراب الذي لا تستطيع أن تولي وجهها غيره مهما حاولو أن يوهموا الشعب أنهم قد تغيرو أو أنهم قد إنتفضوا من سباتهم العميق عبر السنين . نعم مصر لن تركع يا سيادة رئيس الوزراء ولكنها بكل أسف تسجد الآن بمجرد إشارة فى محراب أمريكا .