أن الانفلات الأمني هو انعكاس لحالة التردي الإعلامي وفي علاجنا لهذا الانفلات الأمني علينا أن نقتلع المشكلة من جذورها بعلاج الانفلات الإعلامي في كل صوره وأشكاله. لقد رُسمت الخطة بوضوح وكان مضمونها إطالة الفترة الانتقالية إلي أكبر حد ممكن ورغم أن الشعب وافق علي التعديلات الدستورية من أجل انتخابات برلمانية في يونيو ورئاسية في أغسطس وهو ما كان يضمن تسليم سلس للسلطة في أقل وقت ممكن. لكن المجلس العسكري تساوق مع دعاوي التأجيل المحمومة من أجل إعطاء فرصة للأحزاب الناشئة والقيادات الشابة وتناسي الجميع أن الوطن يئن وينزف وأن الاستقرار هو السبيل لوقف هذا النزيف. إطالة الفترة الانتقالية سمحت بدخول أموال مشبوهة من دول عربية وغربية كما سمحت برسم خارطة الفوضى من قبل أجهزة مخابرات عالمية بأيدي مصرية وكان الدور الفاعل والرئيس هو دور الإعلام الذي روج لهذه الفتن ودافع عن من أطلق الرصاص علي الجيش ومن ألقي المولوتوف علي مبني رئاسة الوزراء وحرق المجمع العلمي. هذا الإعلام كان هو رأس الحربة في تجريد الشرطة من أي صلاحيات للعمل في الشارع وهو من كبل يدي المجلس العسكري في تأديب المخالفين للقانون هذا مع يقيني التام أن أطرافا في الشرطة وربما في المجلس العسكري كانت تعمل في الظلام من أجل تطبيق هذا السيناريو مع فلول أمن الدولة المنحل وأباطرة النظام السابق خصوصا أولئك الذين بقوا في مناصبهم لليوم ومن لجأ إليهم المجلس العسكري كخبراء ومستشارين. أليس من السذاجة أن نصدق تلك الأبواق التي ماانفكت تدافع عن مبارك وعن نظامه وعن إجرامه وهي اليوم تتحدث باسم الثورة والثوار. إن تلك القنوات والصحف التي ظهرت في غفلة من الجميع بنفس الوجوه القميئة المحسوبة علي النظام السابق وبهذه القدرات المالية الكبيرة هي كلمة السر في الانفلات الأمني حتى أن بعضها يتنبأ بالأحداث قبل وقوعها. ولا يخفي علي أحد دورها التحريضي ضد المؤسسات المنتخبة ديمقراطيا وتبنيها دوما الرأي المخالف لجموع الشعب وتصويرها لكل خروج علي النظام علي أنه حق أصيل للمواطن كما لو كان حرق الوطن هو الغاية وتعطيل مؤسسات الدولة عن ألقياك بدورها هو الهدف الاسمي لهذه القنوات والصحف. يعني تحرير الإنسان من الخوف والحاجة، وبعد الثورة طرحنا سقفا عاليا من الطموحات وكان الأمل في بناء مؤسسات تحقق مفهوم الأمن، كما يتطلع إليه الناس، ولكن ما صاحب الثورة من توترات تمثلت في الحركة غير المنضبطة للطلبات الفئوية، والإضرابات المستمرة التي تعطل حركة الإنتاج والتواجد الملحوظ للبلطجية في كل التجمعات الجماهيرية الكبيرة جعل الأمل في تحقيق الأمن يضعف. وبدأ أن هناك شعورا بالقلق والتشاؤم يتزايد بين عموم الناس حتى وصل الأمر إلى حد التساؤل هل تلك المظاهر غير المنضبطة لحركة الشارع هي بداية النهاية لتلك الثورة المجيدة، فبدلا من تتحول الثورة إلى دولة بدأ الأمر لرجل الشارع العادي وكأن الثورة تتحول إلى فوضى حتى أصبحت الناس تردد مقولة الرئيس المخلوع (أنا أو الفوضى). المعضلة الأمنية في المرحلة الانتقالية : مع حل أجهزة الضبط الأمني وبالتحديد أمن الدولة وإعادة هيكلتها من جديد فيما يسمى بجهاز الأمن الوطني، ومع الاعتراف بالتجاوزات التي صاحبت أمن الدولة أيام الرئيس المخلوع،. إلا أنه لا يمكن أن ننكر أن أجهزة كانت تتبع هذا القطاع كانت تقوم بدورها بفاعلية وإخلاص وأن التجاوزات انحصرت تحديدا فى الأجهزة التي تتعامل مع عموم المصريين وخاصة أولئك المعارضين للنظام. ولقد انعكست العذابات التي عانى فيها المصريون خاصة أولئك الذين كانوا يعارضون النظام في تبلور توجه سعى في ضرورة الحد من سلطات الشرطة وتقييد حركتها وبالتالي تولدت ضغوط شديد على جهاز الشرطة حد من مقدرته على أداء دورة بفاعلية خاصة مع العدوات التي ظهرت في البداية ضد رجال الشرطة في بدايات الثورة، وصلت إلى حد حرق الأقسام ونهب محتوياتها مما تسبب في هز هيبة رجال الشرطة أمام الجمهور بحيث أصبح رجال الشرطة يعاملون الجمهور بلين يخفي شعورا بالانكسار حتى وصل الأمر إلى حدوث اعتداءات على رجال الشرطة في الشارع. وقد ترتب على هذا الخلل شعور انتشر بين رجال الشرطة بالإحساس بالمهانة وأنهم يدفعون ثمنا غاليا وغير عادل بطاعتهم للنظام السابق، وهم في تصورهم هذا كانوا مجبرين على ذلك وأن حقوقهم الآن أصبحت منتهكة ووصل الأمر إلى حد ظهور ائتلاف للدفاع عن حقوقهم كما ظهر في ائتلاف أمناء الشرطة وهو أمر غريب في مؤسسة منضبطة كجهاز الشرطة. وهذا التداعي الأمني وعدم قدرة جهاز الأمن على ضبط الشارع واضطرار الجيش إلى النزول للشارع والقيام بواجب الشرطة الطبيعي في تأمين المنشآت، سبب توترا لدى الجيش نفسه لأن الجيش غير قادر ولا مهيأ على ممارسة المهام الأمنية فهو جهاز يعمل في مواجهة العدو ومسلكه الرئيسي هو القتل، فهو لا يعرف لغة الحوار مع العدو، فمهمة الجيش تبدأ بعد تعثر الحوار أو المفاوضات التي يجريها الساسة وتدخل الجيش يعني أن مشوار الحوار انتهى وأن القتال أصبح هو الحل. والحقيقة أن انغماس جنود الجيش في تلك المهام الأمنية لا يخلق توترا بين أفراد الصف فقط، ولكنه أيضا يقلل من كفاءته القتالية خاصة إذا طالت فترة تواجده في الشارع وعلاوة على التأثير السلبي للانفلات الأمني على المقدرة القتالية للجيش فقد تولدت ظواهر سلبية أخرى منها : (1) حدوث حالة من الانفلات الجماهيري بسبب كسر هيبة الأمن وظهور عدم التزام بتعليمات رجال المرور مما تسبب في حالات شجار كثيرة مع رجال المرور بل وتجرؤ غير مسبوق عليهم. (2) تزايد أعمال البلطجة في الشارع وصلت إلى حد مهاجمة الآمنين في بيوتهم وعلى الطرق وفرض إتاوات مما سبب رعبا في الشارع وعلى الطرق السريعة لأنه ظهر بوضوح أن هناك جيش من البلطجية كان يوظفهم النظام السابق وانتشر الأمر في معظم المحافظات، حتى أصبحت الظاهرة وكأنها أمر طبيعي يتعايش معه الناس من كثرة تجاوزات البلطجية. (3) أصبح هناك قلق حقيقي من تقليص سلطات الأجهزة الأمنية وانتشار الفوضى في الشارع وتصاعدت الاحتجاجات بضرورة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية لحماية الدولة وتوفير الأمن للناس في الشارع وفي بيوتهم وأعمالهم. (4) صاحب الانفلات الأمني تهريب كميات كبيرة من السلاح من ليبيا من منطقة الحدود خاصة مع تقلص قبضة القذافي على الوضع بعد قيام الثورة، وما صاحبها من تراخي قبضة الأمن وصاحب ذلك دخول كميات كبيرة من السلاح إلى قطاع غزة ومع الاعتراف بأن إيصال السلاح إلى المقاومة الفلسطينية في القطاع هو عمل نبيل في مواجهة العدو الصهيوني، إلا أن الأمر السلبي هو وجود سوق للسلاح في سيناء ومعروف أن تجارة السلاح يرتبط معها انتشار تجارة المخدرات والهجرة غير المشروعة. (5) مع ثورة 25 يناير والانفتاح الحادث للعمل السياسي دخلت قوى جديدة المعترك السياسي وحصلت على المشروعية السياسية وصاحب دخولها اهتمام إعلامي كبير، ومعروف أن هذه القوى كالجهاد والجماعة الإسلامية مارست العنف في يوم من الأيام ضد الدولة والأمر كان يحتاج إلى مزيد من الانتباه واليقظة وأن هذه الجماعات قد نبذت العنف إلى الأبد. ويقول المثل الشعبي من لم يكن عقله أكمل ما فيه.. كان هلاكه أيسر ما فيه. فالكلمة الطيبة جميلة لا تؤذي المشاعر ولا تخدش النفوس جميلة في اللفظ والمعنى يشتاق إليها السامع نتائجها مفيدة وغايتها بناءة ومنفعتها واضحة. وتأخذ هذه الظاهرة العديد من الأشكال والمستويات التي تترك أثارها السلبية على اتجاهات فالإعلامي أصبح في قمة أولوياته ينتهج أسلوب الإثارة لمتابعة مادته للحصول على اكبر نسبة مشاهده أو قراءة لمقالاته فهو لا يفكر في مراجعة ذاته واحترام عقل القارئ بقدر ما أن يصبح حديث الشارع دون اعتبار لأخلاق وشرف المهنة. وتتسم مبادئ الكتابة بوجود أخلاقيات وقيم لا يخرج عنها الكاتب في نقده للأحداث والأشخاص بأسلوب يتسم بالموضوعية والبعد عن التجريح دون وجه حق أو دليل يستند إليه الصحفي في تدعيم وجهة نظره تجاه الموضوع الذي يتناوله. لقد ألقت بعض الكتابات الضوء على سلبيات الممارسة المهنية التي كشفت عن وجه اللامسؤولية والانجرار الأعمى وراء تحقيق الكسب عن ألشهره الزائفة وهذا الحديث لا يعني أنني مع محاولة من يسعون لفرض أي قيود على حرية الصحافة والإعلام. لكن العدل يملي علينا القول إن بعض الكتابات يحتاج إلى وقفة ومراجعة شاملة تشمل التقييم الذاتي والمحاسبة المعنوية وكيفية إعادة الاعتبار إلى آليات العمل الاحترافي ومراقبة الأداء المهني وتوجيه اللوم الأدبي. كما غزت ظاهرة الانفلات الإعلامي مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية فاتسمت معظم الكتابات والتعليقات بأداء يثير في معظمه حالة الإحباط الشديد لأنها لم تبرهن لغاية الآن على امتلاك كاتبها حداً أدنى من الرشد للتعاطي مع الشأن العام . ولعل الخروج من هذا المأزق في ظل الانفتاح يكمن في أن تقوم المنظومة الإعلامية بمراجعة ذاتها ونقد أخطائها وتصويب مسارها ووضع الأسس والضوابط المهنية اللازمة لبقائها بمنأى عن الانفلات والسقطات.