فعلاً.. الشعب المصري ابن نكتة. ولن تجد في العالم كله شعباً يبتكر نكتة ويطلقها بنفس السرعة التي يطلق بها المصريون النكات. ولعلنا جميعاً نعيش هذه الأيام- في ظل سباق الرئاسة المحموم- علي سيل من النكات المضحكة والتي ما أن تسمع إحداها حتي تستلقي علي قفاك من الضحك المتواصل وتدمع عيناك من شدة سخرية هذه النكات.
أفضل النكات التي يتم إطلاقها هذه الأيام أن كل مرشح للرئاسة يتباهي بأنه حمي الثورة. الفريق أحمد شفيق رئيس وزراء مصر وقت الثورة وأحد تلاميذ نظام مبارك والمشرف علي موقعة الجمل يتباهي دائماً بأنه حمي الثورة! السيد عمرو موسي.. وزير خارجية النظام المباركي وأمين عام جامعة الدول العربية السابق والذي استخدمه النظام البائد في محاولة تهدئة المتظاهرين أيام الثورة نزل إلي ميدان التحرير لإقناع الثوار بالعودة إلي بيوتهم، يؤكد أنه حمي الثورة! السيد عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع والذي رفضه الشعب أن يكون نائباً لمدة 24 ساعة فقط بعدما فشل اجتماعه مع ممثلي الأحزاب الكرتونية وجماعة الإخوان المسلمين وقت الثورة يجد من يحاول إقناع الناس الآن بأنه الرجل القوي الذي حمي الثورة!
نكتة حماية الثورة لم تقتصر علي مرشحي الرئاسة التابعين للنظام السابق وإنما امتدت إلي عدد من الإعلاميين خاصة المتلونين الذين يتم استخدامهم الآن في إطلاق نكتة حماية الثورة. هاهي مذيعة ضحلة الثقافة.. تستغل برنامجها الشهير في عمل دعاية مستقرة لأحد مرشحي نظام مبارك وتؤكد أنه حمي الثورة.. الغريب أن المذيعة الشهيرة تبدلت نظرات عينيها فجأة وتشعر أن روحها ردت إليها من جديد، وأن الحلقة التي قدمتها كدعاية لمرشح الرئاسة مسجلة أيام عهد مبارك بعد أن ظلت طوال العام الماضي تساند الثوار (من وراء قلبها) حتي سنحت الفرصة وجاء الأمل بعودة النظام القديم فعادت إلي سيرتها الأولي في تقديم برنامجها الممول من أمن الدولة! كاتب صحفي في جريدة شهيرة لا ينطبق عليه سوي كلمات أغنية (حلاويله) لأحمد فؤاد نجم، والتي تقول: »الثوري النوري الكلامنجي.. هلاب الدين الشفاطنجي.. قاعد في الصف الأكلانجي.. شيكولاته وكرميلله«. صحفي يجيد اللعب علي كل الحبال.. كان مع مبارك حتي تم خلعه، ثم مع المجلس العسكري، ثم مع الإخوان المسلمين، ثم مؤيداً لمرشحي الرئاسة من أتباع المخلوع.. وفي كل مرة تشعر أنه يكتب من قلبه بجد، ولكن ولا مرة تجده مع الشعب!
أما التيار الديني والمتمثل في حزبي الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين وحزب النور أكبر حزب سلفي.. فحدث ولا حرج عن نكتة حماية الثورة. هذا التيار الذي رفض الخروج علي الحاكم في البداية ثم عندما استشعر أن الحاكم مهزوز وضعيف ونظامه يتهاوي قفزوا إلي ميدان التحرير للمشاركة واللحاق بثورته، ثم وقفوا ضد الثوار بل ورفضوا استمرار الثورة حتي ماتت الثورة.. تجدهم اليوم يؤكدون أنهم حموا الثورة! إذا كان كل هؤلاء حموا الثورة فمن الذي باعها إذن؟ الإجابة ببساطة أن الذين باعوا الثورة هم مجموعة الشباب الذين نزلوا إلي الشارع يوم 25 يناير 2011 وأعلنوا رفضهم للدولة البوليسية والنظام الهش العميل للأمريكان والصهاينة. الذين خانوا وباعوا الثورة هم الشهداء- خيرة شباب مصر- والمصابون الذين فقئت أعينهم ولوثت سمعتهم بجهاز إعلامي فاسد وصمهم بالعمالة والخيانة وأنهم ينفذون أجندات خارجية ولا يستحقون إلا البونبون وضرورة عودتهم إلي بيوتهم حتي تدور عجلة الإنتاج التي أفسدها نظام باع مصر شبراً شبراً! ثم يرسل تلاميذه اليوم ليؤكدون للجميع أنهم من حموا الثورة، وربما غداً يقولون إن مبارك وعائلته هم من خططوا للثورة ولابد من عودتهم للحكم حتي تنتصر الثورة!