يُحيل عنوان رواية "سيزيرين"-للكاتب والطبيب المصري خالد ذهني، والصادرة عن دارالمصري للنشر والتوزيع بالقاهرة،عام 2014- إلي نوع من العمليات الجراحية المتعلّقة بأمراض النساء والولادة، وتحديدًا عمليات الولادة القيصريّة التي تتطلّب تدخّلا جراحيًا عاجلا، سواء من أجل إنقاذ الأم أو الجنين أو كليهما معًا. وبالفعل، فمع تقدّم فعل القراءة وتتابع المشاهد والفصول، سوف يجد القارئ أن كلمة "سيزيرين»aesarian" هي محور الرواية وبؤرتها المركزية التي لا بديل عنها، حيث يفتح لنا الراوي الطبيب د. كريم رأفت عالمًا سرّيًا من الحكايات والمرويّات الغريبة التي تمتاح من عالم أطبّاء النساء في شكل روائي محكم. تنبني "سيزيرين" علي ثيمة كشف المخبوء أو تعرية المسكوت عنه في عالم أطبّاء النساء والولادة في مجتمعاتنا الشرقية والعربية، والتبئير علي كل ما يتصّل بهذا العالم من تعرية للبني الاجتماعية المتفسّخة والقيم الأخلاقية المهترئة، وتفشّي حالات الفقر، والاضطهاد، والتعذيب الجسدي، والاغتصاب المقنّع أو غير المقنّع، والممارسات الشاذّة، وغير ذلك من أمور تجعل من هذه الرواية بحثًا معرفيًا ممتعًا في عالم المرأة العربية المقموعة، حتي علي مستوي الممارسة الطبية. يروي الرواية راوٍ بضمير المتكلم هو طبيب أمراض النساء حديث التخرّج، كريم رأفت الذي قضي سنواته الثلاث الأُوَل في أحد المستشفيات الجامعية في إحدي المدن المصرية، فخصَّص لكل عامٍ من أعوامه الثلاثة فصلًا روائيًا قائمًا بذاته، بحيث تشكّلت بنية الرواية من خطّين سرديين رئيسيين: أحدهما هو ممارسات الدكتور كريم رأفت الطبّية، المصحوبة باكتشافه عالمًا سحريًا مخبوءًا ومتواريًا خلف جدارن المستشفيات والأسِرّة والملابس البيضاء، حيث كان يصحب الراوي في هذه الرحلة المعرفية بعض الشخصيات الأخري التي يحمل كل منها منظومة قيمية منفردة، مثل د. وفاء، ود. ليلي، د. إسماعيل توفيق، د. سامي عبد الرازق، البروفيسور عرابي موظف قسم الاستقبال صاحب المغامرات والسهرات الليلية الحمراء التي تقام كل خميس من كل أسبوع، حيث اعتاد كريم رأفت ارتيادها، والنَّهْل من خبرة البروفيسور عرابي في حلّ ما يواجهه من مشكلات طبّية أو أخلاقية أو حتي إدارية. والثاني هو انشغال الراوي بمتابعة قصة حب غير متكافئ نشأت بين طبيبين شابّين هما عمر ومريم، في خط سردي متنامٍ منذ بداية الفصل الأول حتي منتهاه، وسوف يستبدل بها الراوي قصةً أخري هي قصة سعدية مسعود أسعد السعد. لعلّ أهم ما تمتاز به هذه الرواية كونها استطاعت أن تجمع بين ثلاثة أشياء: أولها: الكشف عن خبرة جمالية للكاتب تتصل بطبيعة العالم السردي التخييلي الذي ينسجه لنا عبر مرويّاته المتنوّعة. وثانيها: غرابة الواقع الذي نعيش في جنباته دون أن نتعرّف مدي غرابته الصادمة لكل قيمنا، والفاضحة لهشاشة مجتمعاتنا العربية التي تنكفئ علي مرويّاتها المحلّية الخاصة المسكوت عنها. وثالثها: تَمثُّلُ الروايةِ عددًا كبيرًا من المعلومات والمصطلحات الطبية والعلمية والوقائع التاريخية المتعلّقة ببعض الشخصيات من المشاهير في عالم الطب وأمراض النساء. فضلا عن ذلك، فقد استطاع الراوي توظيف لغة سردية أفادت كثيرا من جماليات الأدب الساخرParody؛ فالمواقف التي يسردها الراوي تنطوي علي الكثير من المفارقات المضحكة المبكية، كأننا بصدد مشاهد درامية تشتغل علي مبدأ "كوميديا الموقف". وعلي الرغم من المتعة التي تصدّرها الرواية إلي القارئ منذ صفحاتها الأولي، فإنها تنطوي علي بعض الوهن البنائي الذي قد يتمثّل في تشابه بعض الحكايات، وبُطء الإيقاع الروائي في بعض المواضع، فضلًا عن استعانة البروفيسور عرابي بمخزون ضخم من القصائد والمقطوعات الشعرية لأغلب الشعراء العرب من القدماء والمحدثين، كأنه ذاكرة شعرية متحرّكة! أما الرؤية الثقافية أو المعرفية التي تنتجها الرواية فتتمثل في براعة الكشف عن المستور والمتواري وتعرية المسكوت عنه من عالم أطباء النساء الذي يعكس بوضوح عالمًا أوسع متفسّخ القيم، مهترئ الأخلاق، ينهش في جسد المرأة الشرقية والعربية قبل أن ينهش في روحها. إن ثقافتنا الصحية لا تنفصل عن ثقافتنا العربية بحال، فكلاهما يحتاج إلي سيزيرين، علي أمل إنقاذ الجنين، ابن الزمن الآتي الذي قد يحمل بشارة العدل والخير والجمال، لكنّنا جميعًا نعيش في جنبات منظومة ممنهجة من الفساد الذي ينخر في أجسادنا.