إختلط مفهوم الطلاق عند الناس.. بعض الأزواج يطلقون زوجاتهم ثلاثاً بكلمة واحدة.. كأن يقول الزوج لزوجته: أنت طالق ثلاثاً.. أو يطلقها ثلاثاً متفرقات في مجلس واحد.. كأن يقول: أنت طالق.. أنت طالق.. أنت طالق.. أو يطلق الزوج زوجته في حيض أو نفاس أوفي طهر واقعها فيه.. وهذا الطلاق بدعي.. أي طلاق محرم غير مشروع والطلاق يجب أن يكون طلاقاً سنياً أي طلاقاً أباحه الشرع وهو أن يطلق الزوج زوجته طلقة واحدة في طهر لم يمسسها فيه..وقد أكد العلماء أنه يجب علي الرجل ألا يسيئ استخدام حقه في الطلاق وأن يتروي قبل إيقاع الطلاق علي زوجته.. حتي لا يندم بعد فوات الأوان ويبين الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية: أن العلماء قسموا الطلاق قسمين: الأول: الطلاق السني ويريدون بهذه التسمية أنه طلاق أباحه الشرع.. والثاني: الطلاق البدعي ويريدون بهذه التسمية أنه طلاق حرمه الشرع.. فالطلاق السني الذي أباحه الشرع بإتفاق علماء الأمة الإسلامية يتحقق إذا وجدت فيه الأمور الآتية: الأول: أن يطلق الزوج زوجته طلقة واحدة.. الثاني: أن يكون الطلاق في فترة الطهر من الدورة الشهرية.. الثالث: ألا يكون قد حدث إتصال بين الزوجين في هذه الفترة.. هذه الأمور الثلاثة إذا وجدت كان الطلاق مشروعاً بإتفاق العلماء.. حكم الطلاق بالثلاث وهناك صورة رابعة مختلف فيها بين العلماء هي: إذا كان الطلاق ثلاثاً في طهر واحد بكلمة واحدة أو بكلمات مثل أن يقول لها: أنت طالق ثلاثاً أو يقول: أنت طالق وطالق وطالق.. أو يقول: أنت طالق.. ثم يقول: أنت طالق ثم يقول: أنت طالق.. فإذا كان الطلاق ثلاثاً في طهر واحد بكلمة واحدة أو بكلمات فهذا مختلف فيه بين العلماء كما وضحنا.. فبعضهم يري أنه طلاق مباح وتقع الطلقات الثلاث.. وهذا ما يراه الشافعي في أحد رأيين وفي رواية أيضا عن أحمد بن حنبل.. وبعضهم يري أنه طلاق بدعي أي محرم لكن تقع الطلقات الثلاث أيضا.. وهذا الرأي يراه مالك وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل في رواية متأخرة عنه.. إختارها أكثر تلاميذه وهو رأي منقول عن كثير من الصحابة والتابعين.. بعض العلماء يرون أن إيقاع الطلاق بهذه الصورة محرم لكن لا يقع إلا طلقة واحدة.. وهذا الرأي منقول عن جماعة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم مثل الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف.. وهو أيضا ما يراه كثير من العلماء التابعين ومن بعدهم.. وقد استند العلماء إلي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في الدلالة علي أن الطلاق المباح هو أن يكون طلقة واحدة.. وأن يكون ذلك في طهر.. لم يمس الزوج زوجته فيه.. فقد إستدلوا بقول الله تبارك وتعالي: »الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان».. فهذا النص الكريم كما قال العلماء يفيد أن الطلاق المشروع يكون مرة ثم يحصل مراجعة ثم يحصل الطلاق مرة ثانية ثم يحصل بعدها مراجعة أيضا.. ثم بعد هاتين الطلقتين والمراجعة فيهما للزوج الخيار في أن يبقي علي الزوجة في عصمته أو يفارقها بإحسان.. حرمة الطلاق.. أثناء الحيض ويضيف الدكتور محمد رأفت عثمان قائلا: استدل العلماء أيضا بقول الله عز وجل: »ياأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن».. ومعني الآية الكريمة أنه إذا أردتم تطليق النساء فطلقوهن مستقبلات لعدتهن.. والمطلقة إنما تستقبل عدتها إذا كانت قد طلقت بعد الطهر من الدورة الشهرية أو من النفاس وقبل اللقاء الزوجي الخاص ودليل العلماء من السنة ورواه عبد الله بن عمر أنه طلق إمراته وهي حائض.. وذكر ذلك عمر للنبي صلي الله عليه وسلم فقال: »مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً».. وفي رواية آخري عن إبن عمر أيضا أنه طلق إمرأة له وهي حائض وذكر ذلك عمر للنبي صلي الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم قال: ليراجعها ثم يمسكها حتي تطهر.. ثم تحيض.. فتطهر.. فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها.. فتلك العدة كما أمر الله تبارك وتعالي».. هذا الحديث يفيد حرمة الطلاق أثناء الحيض ووجود روايتين لهذه الحادثة من إبن عمر تفيد إحداهما أن الطلاق يكون مشروعاً إذا حدث في الطهر الذي يعقب الحيضة التي حدث الطلاق بعدها.. وتفيد الرواية الثانية أن الطلاق لا يكون مشروعاً إذا طلقها الزوج وهي حائض إلا إذا طلقها في الطهر من حيضة ثانية.. أما الطلاق البدعي فيري الدكتور محمد رأفت عثمان أنه الطلاق المحرم غير المشروع.. كأن يطلق الرجل زوجته ثلاثاً بكلمة واحدة أو يطلقها ثلاثاً متفرقات في مجلس واحد.. كأن يقول: أنت طالق.. أنت طالق.. أنت طالق.. أو يطلقها في حيض أو نفاس.. أو في طهر جامعها فيه.. وأجمع العلماء أن الطلاق البدعي حرام وأن فاعله آثم لأنه ليس من الطلاق الذي أذن الله به.. طلاق واقع ويؤكد الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بجامعة الأزهر: أن هناك قاعدة شرعية تقول: إنما ينكر المجمع عليه ولا ينكر المختلف فيه.. ومعني هذا أن هذه المسألة وهي تلفظ الرجل بالطلاق ثلاثاً في لفظة واحدة في المرة الواحدة هل يقع ثلاثاً أو يقع طلقة واحدة؟ خلاف بين الفقهاء وهو خلاف قديم.. مع إتفاقهم جميعاً علي أنه طلاق غير مشروع أي حرام.. وذلك لأن المشروع أن يوقع الزوج علي زوجته طلقة واحدة في كل مرة وأن يكون هذا في طهر لم يجامعها فيه.. ومن ثم فإن مخالفة هذه القيود يجعل الطلاق محرماً ولكن مع حرمته فهو طلاق واقع بإتفاق جمهور العلماء.. ولكن الطلاق المتعدد هل يقع بحسب ما تلفظ به المطلق؟ أم أنه يقع طلقة واحدة؟ إختلف الفقهاء في هذا علي مذهبين: فجمهورهم علي أن الطلاق المتعدد بلفظة واحدة يقع بحسب ما تلفظ به المطلق.. وذلك لأنه ثابت في زمن رسول الله صلي الله عليه وسلم.. فإن ركانة بن عبد يزيد طلق زوجته ثلاثاً وندم علي ذلك ندماً شديداً.. فذهب إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: والله يارسول الله ما أردت إلا واحدة.. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: الله ما أردت إلا واحدة.. قال: نعم والله ما أردت إلا واحدة.. فقال له النبي صلي الله عليه وسلم: »فإنما هي طلقة فارتجعها إن شئت» أيلعب بكتاب الله؟؟ كذلك روي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان في مجلس من أصحابه فتلفظ أحد الصحابة بلفظة الطلاق ثلاثاً مرة واحدة.. فغضب رسول الله صلي الله عليه وسلم وقام من مجلسه.. وقال: »أيلعب بكتاب الله تعالي وأنا بين أظهركم».. وغضبه وقيامه صلي الله عليه وسلم إنما كان لأجل تلفظ هذا الصحابي بطلاق متعدد بلفظة واحدة مخالفاً المشروع في الطلاق.. والمشروع في الطلاق كما ذكرنا هو أن يوقع الزوج علي زوجته في كل مرة طلقة واحدة.. لقول الله سبحانه وتعالي: »الطلاق مرتان».. أي مرة بعد مرة.. ولكن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يذكر أن هذا الطلاق المتعدد لا يقع.. وغضبه من إيقاعه علي هذا النحو دليل علي أن هذا الطلاق المتعدد الواقع من الصحابي يعتد به.. ويترتب عليه أثره بدليل أنه إستحلف ركانة بن عبد يزيد.. وقال له: الله ما أردت إلا واحدة.. فلو قال ركانة أردت ثلاثاً لأمضاها عليه ثلاثاً ولم يقل له بعد ذلك أن يراجع زوجته.. وكثير من الصحابة كان يفتي بأن الطلاق المتعدد يقع بحسب ما تلفظ به المطلق.. وظل الحال علي هذا حتي جاء زمان عمر إبن الخطاب فقال: إن الناس تعجلوا فيما كان لهم فيه أناة.. يشير بهذا إلي التلفظ بالطلاق المتعدد في غير حال الفرقة بين الزوجين.. فقال: فلو أمضيناه عليهم.. فأمضاه عليهم. حسب نية الرجل وروي أن رجلاً جاء إلي ابن عباس وقال له: ياإبن عباس ما تقول في رجل طلق زوجته مائة طلقة.. قال: بانت منه بثلاث.. وسبع وتسعين إتخذ بها آيات الله هزوا. ولم يقل بأن الطلاق المتعدد يقع طلقة واحدة إلا إبن تيمية يضاف إلي هذا أن من قواعد الشرع أن الأمر إذا دار بين حل وحرمة وغلب جانب الحرمة سداً للذريعة إلي الحرام والأبضاع يحتاط فيها ما لا يحتاط في غيرها.. فإذا كان هناك خلاف في الطلاق المتعدد فليقع واحدة أو يقع بحسب ما تلفظ به المطلق.. فاعمالاً لقواعد الشرع ولنصوصه فإن هذا الطلاق المتعدد يقع بحسب ما تلفظ به المطلق وذلك للإحتياط في جانب الأبضاع التي الأصل فيها الحرمة. علية