أكد الدكتور إسماعيل عبدالجليل رئيس مركز بحوث الصحراء الأسبق، ممثل الأممالمتحدة في مصر لمكافحة التصحر أن مصر تفقد في كل ساعة حوالي 5 أفدنة زراعية بسبب التعدي علي هذه الأراضي بالبناء عليها، مضيفاً في حوار مع »آخرساعة» أن سد النهضة سيحمل الخير كله للسودان ويوفر له المياه صيفا وشتاء ويحميه من الفيضان بل سيؤدي إلي تحول 3 ملايين فدان إلي أراضٍ زراعية عالية الخصوبة، ما يفسر موقف السودان الغامض من سير المباحثات مع الجانب الأثيوبي كما تطرق للحديث حول أسباب توقف بعض المشروعات القومية كترعة السلام وتوشكي.. وإلي نص الحوار: التصحر والبناء علي الأراضي الزراعية باتا تحديا خطيرا علي الرقعة الزراعية فهل ثمة حلول لمواجهة تلك الأزمات؟ في البداية لابد من معرفة أن معدلات التصحر زادت في السنوات الأخيرة وأصبحت مصر من أوائل دول العالم مواجهة لذلك الخطر في ظل عدم الاهتمام برصد الظاهرة ومتابعة التقارير التي يعدُّها مركز بحوث الصحراء وغيره من المراكز العلمية التي غالبا ما يكون مصيرها بدروم مجلس الوزراء، ولكِ أن تعلمي أن المركز تنبأ بسيول الإسكندرية الشتاء الماضي ولكن لا أحد من المسئولين اهتم بالمتابعة ومن المتوقع أن تزداد السيول ضراوة علي الإسكندرية هذا الشتاء أيضا، أما ما يضاعف من التأثير »الكارثي» للتصحر هو أن برنامج استصلاح الأراضي في مصر قد توقف منذ سنوات، بعد نقل تبعية شركات الاستصلاح من وزارة الزراعة إلي وزارة الاستثمار مما أدي إلي توقف فكرة الاستصلاح، والأدهي من ذلك أن المنظمات الدولية »كبرنامج الأممالمتحدة لمكافحة التصحر والبنك الدولي» رفضا منح مصر قروضا وتسهيلات لاستصلاح أراضٍ جديدة في ظل موقفنا المتناقض من إهمالنا للأراضي الخصبة التي أصبحت فريسة للتصحروالبحث عن أراضٍ رملية أخري. وماذا عن التعدي بالبناء علي الأراضي الزراعية؟ - سجلت التعديات علي الأراضي الزراعية معدلات مرعبة، فقبل ثورة يناير كنا نخسر 3.5 فدان في الساعة أما الأن فوصل التعدي إلي 5 فدادين، ما يعني أن 500 ألف مصري يفقدون غذاءهم سنويا وتعدُّ محافظات الصعيد هي الأولي وهذا ما يعرِّضنا لأزمة غذاء طاحنة خلال الفترة المقبلة، ومن المعروف أن تلك المشكلة تمت بتشجيع ودعم من نظام مبارك وشلته، ففي عام 2005 أثناء انتخابات الرئاسة ترأس أحمد عز لجنة الحفاظ علي الأراضي الزراعية بالحزب الوطني وطلب مني إقامة ندوات توعوية للفلاحين وعندما تطرقت للبناء علي الأرض الزراعية ووجهت بعاصفة من رفض الفلاحين، انتحي بي »عز» جانبا وطلب مني موافقتهم وتشجيعهم، »فالبلد علي أعتاب انتخابات رئاسية» ولابد من ضمان أصوات الفلاحين، فشهدنا هوجة البناء، وليس هذا فقط فأثناء رئاسته للجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب قاد مؤامرة لتخريب الزراعة وذلك بتخفيض ميزانيتها من 3.1 مليار إلي 300 مليون جنيه! وإلي الآن لم يتم تفعيل قوانين التعدي من غرامات وسجن. إذا كان التصحر والبناء علي الأرض الزراعية يمثلان عقبة كبري أمام تحقيق اكتفائنا الغذائي، فماذا عن نقص مياه الري في ظل استعدادات أثيوبيا لافتتاح سدها؟ - مصر لا تعاني من نقص مياه ري إنما من ارتفاع مستوي المياه الجوفية التي أدت لتدهور إنتاجية الأرض الزراعية لارتفاع ملوحة أرضها، كما أن الدولة رفعت يدها عن صيانة الترع والمصارف ونحن نفقد 31مليار متر مكعب من المياه وأثناء سير مفاوضات سد النهضة عرضت أثيوبيا علي مصر تخزين المياه المتبخرة من بحيرة ناصر التي تصل إلي 5 مليارات متر مكعب وراء سدها مع العلم بأن السعة التخزينية لبحيرة سدها لا تتجاوز 3 مليارات متر، ولا نعلم إلي الآن رد حكومتنا علي عرضها؟ وعندما عرض مشروع إعادة تدوير مياه الصرف الزراعي بالمعالجة الثلاثية علي الرئيس السيسي همس أحد المستفيدين من توقف المشروع بأن المياه ملوثة علي الرغم من تقارير مركزنا التي تؤكد أن تلك المياه لن تستخدم سوي في ري المحاصيل مما أدي لتوقف المشروع الحيوي. لكن رأيك يخالف معظم آراء خبراء الري بأن هناك خطرا من إقامة سد النهضة علي السودان ومصر؟ - من المعروف أن السد بُنِي بتقنيات وتجهيزات عالية يستحيل انهياره بأي حال من الأحوال والهدف الأساسي من بنائه هو توليد الكهرباء، ولكِ أن تعلمي أن السودان هي المستفيد الأوحد من السد، لذا أطلقت عليه »سد السودان العظيم» فسوف يوفر له مياها صيفا وشتاء ويحميها من خطر الفيضان، ناهيكِ عن استفادته من طمي النيل الآتي من السد العالي مما جعلها تملك أكثر من 3 ملايين فدان عالية الخصوبة، ولعل المؤتمر الاقتصادي الذي عُقِد العام الماضي بشرم الشيخ وحضره الرئيس السوداني البشير كان من أكبر المستفيدين فاستطاع تسويق مليوني فدان خصبة لكل من قطر والإمارات والسعودية والأردن إضافة للمراعي الممتدة علي عكس مصر التي لم تحقق تسويقا يذكروهذا ما يفسر موقفها الغامض من سير مباحثات سد النهضة والخطر الذي نواجهه نقص حصتنا لذا لابد من إيجاد حلول بديلة سبق ذكرها. إذا كنا نتحدث عن دور الطمي في خصوبة الأرض هل هناك مشروعات حيوية للاستفادة منه؟ - منذ إنشاء السد العالي في السبعينيات من القرن الماضي تراكمت خلفه ترسيبات طمي خلال الخمس والأربعين سنه الماضية يتوقع بمرور الزمن أن تصنع دلتا في شكل مثلث قاعدته بالسودان وقمته بمصر مما قد يهدد سلامة جسم السد ويضعف أداءه، وقد عرضت اليابان أثناء حكم المخلوع استخراج الطمي ثم تجفيفه ويعبأ لبلادها بمليارات الجنيهات ولكن سرعان ما فشل المشروع لدخول هولندا وروسيا التي زعمت أنها من ساندتنا لإنجاز السد ثم تعطلت الفكرة نهائيا ومنذ شهرين خاطبت الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس بضرورة إحياء المشروع وعرضه علي الرئيس وذلك باستخدام كرّاكات الهيئة لتحسين خصوبة الأراضي الرملية الفقيرة بمناطق الاستصلاح كمشروع المليون ونصف المليون فدان بإضافة الطمي بما يحتويه من عناصر معدنية لازمة كما أن إجمالي تسويقه يصل إلي 3 مليارات جنيه سنويا علما بأن المخزون المتراكم منذ إنشاء السد يقدّر افتراضيا بحوالي 3.6 مليار طن أي بقيمه إجمالية تقدر ب 108 مليارات جنيه مصري. وهذا يعدُّ مبلغا خياليا لخزانة الدولة. بمناسبة مشروع المليون ونصف المليون فدان هناك آراء تزعم عدم جدواه بسبب قلة خصوبة الأرض؟ - بسبب التحديات التي نواجهها لاشك أن هذا المشروع بمثابة حياة أو موت لنا، فالرقعة الزراعية تصل إلي 8 ملايين ونصف المليون فدان وبسبب تصحر الأراضي والبناء عليها تناقصت كثيرا، لذا فإن هذا المشروع يعوِّض ما فقدناه وليس وحده فالصحراء الغربية والساحل الشمالي كانا مصدر القمح الأساسي إلي دول أوروبا في عهد الرومان، وبالتالي يجب أن نعيد هذا المجد باستثمارات أكثر في إنشاء خزانات وإقامة آبار والسدود لتخزين مياه الأمطار للاستعانة بها في زراعة القمح. ما أسباب توقف مشروعي ترعة السلام وتوشكي وهما من أهم مشروعاتنا القومية؟ - يعدُّ السادات هو أول من فكر في نقل 4 مليارات متر مكعب من مياه النيل الي منطقة »بالوظة» بعد إقناعه الأفارقة وسُمِّي المشروع بترعة السلام وفي أثناء عهد مبارك تم إعداد دراسة وخطة لاستصلاح 400 ألف فدان في سيناء، وخلصت الدراسة إلي أن ينتهي المشروع بعد عامين بتكلفة 730 مليون جنيه ثم توقف بسبب الروتين والبيروقراطية ليعود الحديث حوله بعد أن زادت تكلفته إلي 2 مليار جنيه مما عطل المشروع الحيوي. وهناك خطأ آخر وهو خلط مياه النيل بالصرف الزراعي في مسار الترعة حيث تزيد مياه الصرف من ملوحة المياه النيلية لتؤثر سلبا علي إنتاجية الأراضي المستصلحة! وكان يجب تخصيص مسارين لكل نوع من المياه علي أن يبدأ الري بالصرف ويستكمل بمياه النيل للغسيل، أما توشكي فكان من المفترض زراعة الحاصلات رباعية الكربون التي تتحمل شدة الإضاءة وارتفاع الحرارة ومنها الذرة إضافة لاستخدام الري بالتنقيط في محاصيل معينة إلا أن هناك رجال أعمال بعينهم يبحثون عن استفادتهم المطلقة فقط.