مثلما كان البعض يقول عن الشاعر الرقيق والعاطفي (ابراهيم ناجي) :"أنه طبيب بين الأدباء وأديب بين الأطبّاء" ، وكانوا يقولون عن زكي مبارك :"إنه شاعر بين الناثرين ،وناثر بين الشعراء" ،صاروا يقولون عن الأديب والكاتب عباس خضر "يساري بين اليمينيين، ويميني بين اليساريين"، وكل هذه الجمل والعبارات ماهي إلا محاولات لتقليل شأن هؤلاء ، وتقويض نفوذهم الشعري أو الثقافي بشكل عام ، وهؤلاء الثلاثة _علي سبيل المثال_ كانوا موجودين ومؤثرين بقوة في الحركة الأدبية ، وربما لأنهم لم يصطنعوا حول أنفسهم هالات من الصرامة ، وبنوا حوائط من الصد لحماية ذواتهم الثقافية من رجم هذا أو ذاك. فزكي مبارك كان حادا وتلقائيا وعفويا إلي حد كبير ، ولا يهمه قول قائل عنه بأي شكل من الأشكال ، فهو يطلق آراءه دون أن يعمل حسابا لردود الأفعال التي تغضب أو تفرح ، إنه يكتب ويقول مايريد وماتمليه عليه قريحته ، وكان يتمتع بروح مقاتل نبيل ،وينطوي علي سمات الشخص الريفي ، وظل محافظا علي تلك السمات بعد أن جاء إلي المدينة ، وسافر إلي بلاد الفرنجة ، وحصل علي رسائل علمية من جامعة السوربون في فرنسا ، كتب مؤلفات مرموقة ورائدة في مجالات البحث الأدبي التاريخي ، وكلها أبحاث جاءت من باب الضرورة واحتياج الحياة الثقافية والفكرية لها ، لذلك كانت صداماته كثيرة ، ومع قامات كبيرة ،وأكثرهم اشتباكا كان طه حسين ، الذي عمل علي إقصائه من الجامعة ، وقطع عيشه . أما الشاعر ابراهيم ناجي ، فكان شاعرا رومانتيكيا وحالما ، لا يشغله سوي الركض خلف خيالاته التي تطارده من هنا أو هناك ، وكذلك كان غارقا في قصص حبه الشهيرة ، والتي كان يبدعها شعرا جميلا عبقريا ، يكفي قصيدة الأطلال التي شدت بها أم كلثوم ، ورغم أن المرحلة التي عاشها ناجي ،كانت مفعمة بأحداث سياسية عظمي ،إلا أنه لم ينشغل بها ، بقدر ماكان مشغولا بأحداث روحه ، وتلقيه لكل التحولات التي تحدث باللامبالاة ،وكان يداوم علي إلقاء قصائده الحالمة بين جلسائه ومرضاه ورفاقه. ولأن ناجي وزكي مبارك ،رغم سماتهما الواضحة ،والتي تعني بأنهما غير معنيين إلا بما يشعران به ، إلا أنهما كانا مؤثرين ، وكل ماتنجلي عنه قريحتهما ، يجد ترحيبا وتأثيرا بين جماهير القراء ،هؤلاء القراء الذين لم يتحصنوا خلف أسوار فكرية أو نظرية جافة، وكانوا يتعاملون مع المشاعر البكر التي تنطلق من الشاعرين الناثرين العاطفيين. لذلك ، كان المثقفون والكتاب المجايلون لزكي مبارك ،ولإبراهيم ناجي ،يحتارون في رواج زكي وناجي ، فأطلق بعضهم تلك العبارات الجارحة ، والتي تنفي عن الاثنين صفات الموهبة الأصيلة ، والإبداع الجيّد. أما عباس خضر ، فله شأن قريب من ذلك ،وإن كان لم يحظ في حياته أو بعد رحيله بالاهتمام الكافي بما كتبه ، رغم أنني أري بأن إبداعه ، وجهده في الصحافة الثقافية كان بارزا بشكل كبير بين كتّاب عصره ، ومن مآثره الباقية ،كتاباته في مجلة "الرسالة"، وكانت كتاباته تحظي بمتابعات جماهير القراء ، دون أن يضعها الكتّاب الكبار في ذلك العصر موضع التقدير الواجب ، بل أن كاتبا كبيرا وجبارا كما أسماه الزعيم سعد زغلول ، وهو عباس محمود العقاد ، ناصبه العداء ، ووقف في طريقه ، وطلب من أحمد حسن الزيات صاحب مجلة الرسالة ، إبعاد عباس عن المجلة ، بل راح يحرّضه علي طرده ، وإن لم يحدث فلن يكتب للمجلة ، مادام "الولد الهلفوت هذا يكتب فيها"، وهو يقصد بالهلفوت طبعا عباس خضر. والمدهش أن الزيات لم يستجب لرغبة العقاد ،وأبقي علي عباس في المجلة ، وكان عباس يكتب بشكل منتظم ، وكان الزيات قد فقد الحماس تماما للعقاد ، الذي لم يعد قادرا علي إعطاء الجديّة الكافية لمجلة الرسالة ، وذلك لأن العقاد كان يطالب الزيات بزيادة مكافأته، فطلب ثلاثة جنيهات إضافية ،لتصبح ثمانية جنيهات ، حيث إن مكافأته كانت خمسة جنيهات عن المقال ، ولكن الزيّات لاحظ أن العقاد كان يكتفي بالردود علي القرّاء دون أن ينشئ مقالات مبتكرة كما كان يفعل مع المجلات الأخري التي كانت تمنحه مكافآت أكبر ، وكان مشغولا في ذلك الوقت بمهاجمة الوفديين ، لحساب السعديين ، وكان السعديون يعطونه مبالغ طائلة ، وذلك لما كان يكتبه ،ومن المعروف أن كتابات العقاد كانت حادة وموجعة لخصومه . ولكن لماذا كان العقاد يناصب عباس خضر العداء ، وكان يسعي من أجل استبعاده من مجلة "الرسالة"، والتي بلغ توزيعها رقما قياسيا قديما وحديثا ،إذ إأنها كانت تبيع ستين ألف نسخة في مصر والعالم العربي ، وهذا رقم لم تحظ به بعض الجرائد السياسية الرائجة آنذاك، لذلك كان يخشي العقاد من قلم عباس خضر الغفل ، والذي لا يعرف الحسابات الصغيرة أو الكبيرة ، وهذا لا يعود لشجاعة نادرة يتمتع بها خضر ،أو تعصب لرأي سياسي أو ثقافي حاد ، ولكن ببساطة كان عباس خضر يكتب ما تمليه عليه قريحته الريفية ، والتي ظلّت تطارده طوال عمله بالصحافة ، وكان قد كتب عن العقاد بعضا من الطرائف الثقافية ،وعاد به إلي مسيرته الأولي. وكان ذلك في سياق موضوع يتحدث عن أن الكبار لا يهابون تاريخهم ، ولا يهابون أشكال عجزهم الطبيعية ، وكان الدكتور طه حسين لا يحبّ كثيرا الحديث عن عاهة العمي ، رغم أنه كتب عنها في بداياته ، ولكنه كان يجنب الحديث عنها فيما بعد ، وكان دائم التبرم بمن يذكر ذلك ، فكتب خضر عن أن العمي لا يضير كاتبا ولا عالما ، طالما أنه فارس مغوار في مجالات أخري ، وذكر في سياق مقاله أول مقال كتبه العقاد عام 1905 ، وكان يدعو فيه راسبي الابتدائية للاجتماع في حديقة الأزبكية ، ولكن العقاد كان لا يحب تذكيره بعدم حصوله علي شهادة جامعية ، وفهم من إشارات عباس خضر _التي تكررت بأشكال أخري_ بأنه يريد النيل منه ، لذلك كان يحاول استبعاده عن المجلة وقطع عيشه ، حتي يقطع الطريق علي تلك الإشارات التي تذهب إلي ستين ألف قارئ في العالم العربي ، وهذا كفيل بأن يهزّ صورة العقاد الأسطورية ، والتي كان يتمتع بها. عباس حسن خضر ، هذا هو الاسم الذي كان يكتب به في البداية ، وهو من مواليد 1908، وكان قد بدأ التدريب علي الكتابة في بعض المجلات التي كانت تصدر في ذلك الزمان ، ولم يكن يشغله التوجه السياسي أو الفكري الذي يشمل قيادة المجلة وكتّابها ، فهو أدرك بحسّه الفطري بأن الانخراط في تلك التوجهات ، سيكلّفه الكثير ،فآثر أن يمارس ما يعرفه ويحبه ويميل إليه ويجيده ، دون أن يتورط في الإيغال في غابة السياسة المزعجة ، وعندما نشأت مجلة "الرسالة" عام 1933 كتب موضوعا عن التجديد في الأدب ، وذهب به إلي المجلة ، وكان هناك رئيس تحريرها أحمد حسن الزيات ، ومعه الدكتور أحمد أمين الرجل الثاني في المجلة ، وذلك قبل أن ينفصل عنه ، وينشئ مجلة "الثقافة" فيما بعد ، وترك عباس المقال وذهب إلي حال سبيله ، وظلّ ينتظر النشر الذي لم يحدث ، ولكنه فوجئ بأن الدكتور أحمد أمين نشر مقالا تلو المقال تحت العنوان ذاته الذي كتبه خضر ، وإن كان قلم أحمد أمين _بالطبع_ أكثر رشاقة وإحاطة بالموضوع، ولكن وبلا شك أن مقال عباس خضر هو الذي ألهم أحمد أمين بكتابة مقاله المنشور ، وذهب عباس ليستفسر عن الأمر ، والتقي مرة ثانية بأحمد أمين ، ودارت بينهما مناقشة سريعة ، حاول خضر التلويح بمقاله ، وتشابه الموضوعين ،إلا أن أحمد أمين انزعج ، ونهر عباس خضر، وأنكر تماما بأنه رآه أو التقي به من أساسه. تلك وقائع كانت تنتشر في الحياة الأدبية والثقافية ، وكانت المقاهي العامة والثقافية وصالات تحرير المجلات تمتلئ بحكايات من هذا النوع ، فضلا عن الكتّاب ألا عيب والمثقفين والشعراء ، وأعتقد أن عباس خضر من أبدع من كتبوا السيرة الأدبية في كتابيه "ذكرياتي الأدبية"،و" خطي مشيناها"، والسيرة الأولي تتحدث عن كافة الوقائع الثقافية والأدبية التي شملت حياته العامة كلها ، والسيرة الثانية ، هي عبارة صور أدبية عن حياته الأولي في الطفولة والصبا والشباب ، منذ أن بدأ الدراسة في الأزهر ، حتي أن التحق بكلية دار العلوم ، وحصوله علي الشهادة النهائية ، حتي التحاقة بالحياة العامة. وجاءت السيرتان مفعمتين برصد ووصف الحياة الأدبية بشكل واسع ،وأعتقد أن الذين يريدون معرفة كواليس الحياة الأدبية في عقدي الثلاثينيات والأربعينيات لا بد أن يعودوا إلي هاتين السيرتين اللتين تحويان علي كمية أخبار وأحداث هائلة ، وكتبهما عباس خضر في سلاسة مبهرة بالفعل ، وهو لا يستثني نفسه من إبراز بعض المآخذ علي بعض سلوكه ، فيسوق لنا واقعة خاصة به ، عندما كان يأخذ أخبارا من جريدة مسائية ، ويعيد صياغتها مرة أخري ، ويعطيها لجريدة صباحية ، وبالطبع كانت عاقبة هذا السلوك نتائج وخيمة لا مجال لشرحها هنا. وهناك حكايات بارزة تتحدث عن الذين كانوا يعملون في صحف ومجلات متناقضة ، وكان أبرز هؤلاء الشاعر محمد مصطفي حمام ، الذي كان يعمل في جريدة "الأساس" صباحا ، ويكتب مقالاته باسم مستعار ، ثم يذهب بعد ذلك إلي الجريدة "الخصم" والمعادية ، ليردّ علي مقاله الذي كتبه في جريدة "الأساس"، وبالطبع باسم مستعار آخر ، وهذه الحكايات كان يعرفها الكثيرون ، وكذلك كانت سمة سائدة في كثير من كتّاب الدرجة الثانية والثالثة ، والذين لم يكن يهمّهم سوي الحصول علي مكافآت تقيهم شرّ العوز الذي كان يطارد كثيرا من هؤلاء الكتّاب ،إذ إن تلك السمة لم تكن طبيعة في كتّاب ذلك العصر ، ولم تكن من باب الطرائف التي يمارسونها ، ولكنهم كانوا مجبرين علي السير في تلك الطرق الشائكة من أجل الحصول علي لقمة العيش ، حيث إن كتّابا كبارا كانوا يقفون كحواجز لتقزيم غيرهم. وربما جاء الإسهاب من عباس خضر في كشف عورات عصره ، لأنه كان طوال الوقت يعمل في الكواليس ، وفي الوقت ذاته يشارك بقسط وافر في مدّ الحياة الأدبية بكتابات ودراسات وإبداعات ذات تأثير واسع في ذلك الوقت ، وفي مجال الدراسات التاريخية والأدبية، له كتاب في غاية الاهمية ، وهو مرجع رئيسي لكل من يريد البحث في تاريخ فن القصة القصيرة ، وهو كتاب :"القصة القصيرة في مصر ..منذ نشأتها حتي سنة 1930"، وصدرت طبعته الأولي عام 1966، وهذا الكتاب هو استكمال نوعي وكبير وموسع لكتاب يحيي حقي "فجر القصة القصيرة"، كذلك اعتمد عليه الناقد الراحل د.سيد حامد النساج في دراساته التي بحثت في تاريخ القصة القصيرة ، ويكتب خضر في مقدمة كتابه هذا :"عندما وضعت مشروع هذا العمل حددت له زمنا تبين عند التنفيذ أنه طويل ، إذ يمتد من نشأة القصة القصيرة في أدبنا الحديث حتي ثورة يوليو 1952، أردت أت أتتبع جذوره وشعابه منذ البدء ، فرأيتها تقودني إلي أو اخر القرن الماضي ، وامتد العرض بمقتضي المنهج النقدي الذي سلكته والذي قادني إليه بطبيعة الموضوع وضرورة دراسته .."، ويستفيض خضر في مقدمته لوصف طريقته وتناوله لتاريخ القصة القصيرة ، واعتبار الفترة التي يتناولها ، مرحلة كاملة تماما ، وهناك قواسم مشتركة بين كافة مبدعي القصة القصيرة في ذلك الوقت ، هؤلاء الذين مهدوا لثورة القصة القصيرة فيما بعد ، علي أيدي كتاب من طراز محمود البدوي ومحمود كامل المحامي وسعد مكاوي وآخرين، وهو في هذا السفر الكبير ، يتناول فن القصة القصيرة منذ عبدالله النديم ولبيبة هاشم ، مرور بمنصور فهمي "الدكتور"، وخليل مطران "الشاعر"، وقد كتبا القصة القصيرة ، نهاية بعيسي وشحاتة عبيد ومحمود طاهر لاشين ومحمود تيمور وشقيقه محمد تيمور ، الذي تناوله فيما بعد في كتاب كبير يشمل سيرته وإبداعه الرائد وتأثيره وريادنه ، ذلك الكتاب الذي تم تسربه في كتب أخري فيما بعد ، وسنكشف عنها في كتابات أخري إن شاء الله. وغير هذين الكتابين البحثيين ، فله دراسات أخري مثل كتابه الطريف والجاد في الوقت ذاته "غرام الأدباء"، ذلك الكتاب الصغير الذي تناول فيه قصصا وحكايات لأدباء مثل الدكتور طه حسين وعباس العقاد وكامل الشناوي ، وكان ينشره في حلقات بمجلة "الرسالة الجديدة" عام 1955، كذلك له كتاب آخر عنوانه " كتّابنا في طفولتهم"، ثم "صحفيون معاصرون" ، وكتب فيه عن فكري أباظة وعلي ومصطفي أمين ومحمد التابعي وغيرهم ، أيضا نشر كتابا نقديا مهما عنوانه "قصص أعجبتني" ،وصدر عام 1961، والذي يطالع ذلك الكتاب يلاحظ أن عباس خضر يتناول روايات من كتب عنهم في حياد شديد ، لأنه كان ينطلق من منظورات ثقافية وجمالية محضة ، فبدأ بقراءته لرواية "بداية ونهاية" لنجيب محفوظ ، ثم "شجرة البؤس" لطه حسين ، و"وراء الستار" ليوسف السباعي ، وصولا إلي "مأساة أوديب" لعلي أحمد باكثير ، والتي أنهي بها الكتاب ، وجاءت تلك الدراسات تبعا لقراءة موضوعية فنية متأنية ، وهو يتّبع طريقة في الدرس النقدي يكاد ينفرد بها ، فهو يعرض للقصة في صدر المقال ، ويكتب "العرض"، ثم يكتب بعد ذلك عنوانا آخر وهو "النقد"، وبالتالي فهو يقدم لنا شكلا شبه تقليدي لتقسيم دراسته ، ولكنني أشهد بأن القراءات عموما قدمت روحا مختلفة في ذلكالزمان. كما أن عباس خضر كتب كتابا صغيرا عن "أدب المقاومة" نشرته له المكتبة الثقافية في 15 أغسطس عام 1968 ، ويزامن صدور هذا الكتاب ،كتابا آخر في بيروت في المجال نفسه للكاتب غسان كنفاني، وإن كان غسان تناول شعراء وقصاصي ومسرحيي الأرض المحتلة آنذاك، وقصر عليها صفة المقاومة ، وبالطبع فكتاب غسان كنفاني انتشر بطريقة سريعة ، وتم تداوله والترويج له بحماس ، وهو يستأهل كل ذلك بالتأكيد ، أما كتاب خضر الصغير ، فكان يبحث في إبداعات الماضي القريب ،تلك الإبداعات التي كانت تصدر خارج الأرض المحتلة ، ولكن هذا الكتاب لم تتابعه الحركة النقدية رغم ضرورته. فضلا عن هذا وذاك ، فعباس خضر كان يكتب القصة القصيرة والرواية ، وعن جدارة ، وصدرت له عدة مجموعات قصصية ، وكانت أول مجموعة له "الست علية" عام 1958، ثم "مديحة" عام 1962،و"العجوز والحب" 1966، بالإضافة إلي قصص عربية وشعبية صدرت في مجلدين تحت عنوان عام وهو "حواديت عربية"، وعنوانين آخرين هما "الطير الخداري" 1955،و"أم السعد" 1960 . وكذلك صدرت له أربع روايات ، وهي علي التوالي :"حمزة العرب" 1953، و"الصحصاح" 1967، و"ذات الهمة" 1970، و"الفارس الأسود" 1974"، ومعظم هذه الروايات يتناول فيها التاريخ بشكل جدلي ، وروايتاه "الصحصاح" و"ذات الهمة" متصلتان من حيث البناء التاريخي ، لتلك الصلة التي تربط بينهما ، كما أوضح ذلك في مقدمة روايته "الصحصاح". وجدير بالذكر أن أحدا من النقاد لم يتناول كتابات عباس خضر بشكل عميق ، وخاصة إبداعاته السردية ، إلا القليل منهم ، مثلما كتب الناقد فؤاد دوارة عن مجموعته القصصية "الست علية" ، وطرح في مقاله إشكالية الناقد المبدع ، إذكتب في ثنايا مقاله بعد عرض بسيط لحال القصة القصيرة آنذاك قائلا : "...ومن أحدث هذه المجموعات ، مجموعة _الست علية_ واسم مؤلفها عباس خضر الذي ارتبط في الأذهان بكتاباته النقدية ، أكثر مما ارتبط بكتاباته القصصية ، ولعل ذلك مايبرر بعض الجد الذي سنناقشه به.."، ودوارة يقصد بتعبيره "بعض الجد"، أي بعض الشدة. لذلك سنجد أن جهود عباس خضر النقدية زاحمت جهوده الفنية ، في ظل أنه كان يكتب وفقط ، دون أن يروج لكتاباته ، رغم أنه يعتبر من الكتّاب الأعلام والمهمين ، الذين أبعدوا عن الاهتمام النقدي عموما يمينا ويسارا ، وقديما وحديثا.