من ضمن الوثائق التي يضمها كتاب "الدبلوماسية المصرية في المواجهة.. يوميات تأميم شركة قناة السويس 1956 . أوراق لم تنشر من قبل"، وثائق عن رد فعل الشعوب والأفراد و جمعيات المجتمع المدني، سواء في البلدان الأوروبية أو العربية أو الإسلامية، فقد جاء هذا الرد ليؤكد صحة قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في تأميم القناة، فبصرف النظر عن قرار الحكومات، تعاطف الكثيرون في مختلف أنحاء العالم مع قرار التأميم، وانعكس هذا التعاطف في مظاهرات وبرقيات دعم، بل قام أفراد بتقديم تبرعات، وهو ما أقدم عليه أحد المواطنين الأرجينتيين المقيمين في سويسرا، إذ تبرع بخمسين ألف دولار، تقديرا واعجابا بموقف جمال عبد الناصر في تأميم القناة، وقد تلقت سفارة مصر في سويسرا قيمة هذا التبرع الذي جاء علي شكل شيك تم إيداعه في الحساب الخاص بالسفارة. ومن سوريا جاءت برقية أو بيان أسرة التعليم الإبتدائي في حمص بمثابة تحليل لأهمية قرار التأميم، وجاء هذا الرأي بعنوان " بيان أسرة التعليم إلي الشعب العربي في حمص" ومما جاء في هذا البيان: " أن وثبة مصر الرائعة في نضالها العربي للسيادة القومية والعزة والكرامة كانت صفعة محكمة للاستعمار لم يتعودها الغرب، قبل هذا الاتجاه العربي التحرري الجديد، ولهذا فقد افقدته الصدمة وعيه فأثار ضجة مفتعلة حول حق صميم من حقوق أي دولة ذات سيادة، ألا وهو تأميم مصر لشركة قناة السويس" ، ويحلل هذا البيان موقف الشعب السوري الذي يري أن التأميم خطوة أولي تجاه الوحدة: " أن الاتحاد بين سوريا ومصر خطوة لابد منها لدعم النضال العربي واحباط خطط الاستعمار، وهو الخطوة الأولي نحو الوحدة العربية للقضاء علي إسرائيل ربيبة الاستعمار وأما التهديد بالقوة ذلك السلاح الفاشل الذي يهددنا به الاستعمار، فهو سلاح لا يعمل به في ديار العرب، لأننا سنجابه القوة بالقوة وسنرد الاعتداء بالاعتداء. وأما تهديد إسرائيل بتحويل مجري الأردن في هذا الوقت بالذات فما هو إلا لإكمال حلقة الضغط الاستعماري علي العرب، وخاصة سوريا التي تدعم مصر وتشترك معها في نفس المصير". ورغم أن البيان من جهة شعبية " أسرة التعليم في حمص" إلي أنه يشير إلي سلاح البترول السوري في ضرورة استخدامه في صد أي هجوم علي مصر: " ولئن أممت مصر وريد المياه في قناة السويس فإن تحطيم أنابيب البترول في سوريا سيقطع شريان الصناعة عن الغرب، هذا وأن الشعب العربي قدم أمثلة رائعة في نضاله الحافل وأن تاريخنا الملئ بأمجد صفحات البطولة والتضحية ضد أي عدوان غاشم. فدماء عدنان المالكي ودماء رجاء حسين ودماء آلاف المناضلين في الجزائر سطر بأحرف من دم ونور.. حرية العرب". وقد كان- أيضا- للأحزاب العربية موقفها المعلن من قضية التأميم، وفي هذا السياق جاء بيان حزب البعث العربي الاشتراكي بالعراق، تحت عنوان " تأميم شركة قناة السويس.. نصر جديد للسياسة العربية التحررية"، وقد صيغ هذا البيان برؤية واعية للظروف التي تحيط بالأمة العربية، وأهمية ما فعله جمال عبد الناصر في مسيرة الشعوب التي تطمح للحرية وتقاوم الاستعمار: " والمعركة التي تخوضها مصر الآن، والتي بدأت يوم انتهجت مصر سياستها التحررية، هي معركة الشعب العربي كله ضد أعدائه.. ضد الاستعمار والصهيونية.. ضد الرجعية المتامرة المتعاونة مع الاستعمار.. ضد قوي التجزئة العاملة علي اعاقة وحدة التحرر والوحدة.. وهي لذلك معركة خطيرة مع الاستعمار سيحشد فيها كل قواه، ويستغل كل مؤامراته، لأنها ستكون معركة فاصلة تهدد وجوده في هذه المنطقة الحيوية من العالم التي له فيها الكثير من المصالح البترولية والاستراتيجية والتجارية.. ولكن وعي الشعب العربي لقضيته، وإيمانه بها، واستعداده الأكيد للبذل في سبيلها سيكون كفيلا بإحباط مؤامرات الاستعمار والانتصار عليه". الأكثر لفتا للنظر في الوثيقة السابقة هو ما جاء في إحدي فقراتها بأن خطوة التأميم هي خطوة جاءت ثمرة لنضال الشعب العربي: " وكأي خطوة عربية تحررية، نعتبر هذه الخطوة الباسلة ثمرة نضال الشعب العربي ووعيه ويقظته في كل جزء من أجزاء الوطن، لأن معركة العرب ضد الاستعمار معركة واحدة لا تقبل التجزئة، وهي معركة العرب في مصر من أجل التحرر السياسي والاقتصادي، وهي معركة العرب في الجزائر ضد اعتداءات وطغيان الاستعمار الفرنسي وهي معركة العرب ذكل العرب- ضد جلف بغداد الاستعماري". أما السفير محمد شفيع مدير إدارة غرب أوروبا، فقد تلقي مذكرة من السفارة المصرية في اليونان بعد مقابلة سفيرنا هناك مع وزير الخارجية اليوناني الذي أخبره بما يأتي: 1- الصحف اليونانية علي اختلاف نزعاتها السياسية أوضحت بأن الرأي العام اليوناني يناصر مصر وقابل قرار التأميم بحماس. 2- الحكومة اليونانية سترفض المساهمة في استخدام القوة أو أي إجراء تعسفي ضد مصر بالرغم من عضوية اليونان في ميثاق الأطلنطي. 3- في وسع الحكومة المصرية أن تقتصد في المصروفات الإدارية لشركات القناة علي أن يؤدي هذا إلي تخفيض رسوم المرور بنسبة لا تتعدي 2٪. وتعتقد الحكومة اليونانية أن هذا لاجراء سيكون له أثره في الأوساط السياسية والبحرية العالمية، لأنه يدل بطريقة عملية علي باطل مزاعم الدول الغربية وعلي أن مصر ماضية في صون حرية المرور في القناة وتسهيله" وقد تم تسجيل هذه المذكرة بتاريخ 21يوليو 1956. وكما كان هناك اختلاف في وجهات النظر بين الحكومات، وجدنا ذات الخلاف انتقل علي صفحات الجرائد، الأجنبية والعربية.. فقد رصدت سفارة مصر في لندن، ما نشرته الصحف البريطانية عن مصر في المدة من 27 يوليو إلي 2 أغسطس 1956، كما رصدت وثيقة أخري صادرة من سفارتنا بدمشق ردود فعل الصحف هناك من قرار التأميم. وقد أبدت الصحف البريطانية الكثير من المخاوف من جراء قرار التأميم، ورصدت الخسائر التي تقع علي بريطانيا، جراء هذا القرار، ففي تعليق جريدة الديلي تلجراف، رصدت الفوائد التي كانت تجنيها بريطانيا من الوضع السابق لقرار التأميم والحقوق التي كانت تتمتع بها، وعلقت علي ذلك قائلة " لقد ابتلع عبد الناصر كل هذه الميزات". علي الجانب الآخر رحبت الصحف العربية بهذا القرار، وعلي رأسها الصحف السورية، ومنها صحيفة الرأي العام التي قدمت تقريرا عن الدوافع وراء هذا القرار، وتأثيره علي الشعوب الطامحة للتحرر: " لقد توهم الغرب أنه سيحرج عبد الناصر ويحرك الشعب المصري ضد سياسته العربية التحررية، إذا أفسد عليه مشروع إقامة السد العالي أو صرفه عن برنامج تصنيع مصر، وأنه سيؤدب بهذه اللطمة الشعب العربي في مصر وفي كل بقعة من الوطن العربي، وإذا بمصر تحل بوسائلها الخاصة مشكلة تمويل السد العالي وتوالي برنامج تصنيعها وبذلك يفشل الاستعمار في معركة جديدة وتفوز السياسة العربية التحررية". الكتاب يضم المئات من الوثائق التي ترصد ردود الأفعال علي كافة الأصعدة الرسمية والشعبية.