رغم رحيله عن دنيانا فسوف تظل صفحته مفتوحة لتروي قصة هذا الملاكم الذي ملأ حلبات الملاكمة حركة ونشاطا.. حيث كان يتحرك مثل الفراشة ويلدغ مثل النحلة.. وكانت الثلاثين سنة الاخيرة من حياته رحلة شديدة الشقاء لمرضه، وظل يلاكمه حتي أنتقل إلي جوار ربه حيث عاني منذ ثمانينيات القرن الماضي من داء الشلل الرعاشي (باركنسون). 74 عاما بالتمام والكمال عاشها محمد علي كلاي حصل خلالها علي ألقاب عديدة، لعل أهمها لقب بطولة العالم ثلاث مرات، آخرها عام 1978، وأعلن عام 1979 أعتزاله الملاكمة ثم عدل عن قراره في العام التالي وواجه الملاكم لاري هولمس في محاولة لنيل لقب البطولة للمرة الرابعة، لكنه خسر المباراة التي تم إيقافها بناء علي طلب مدرب محمد علي بعد الجولة العاشرة. بعد اعتزاله الملاكمة سخر كلاي نفسه للأعمال الإنسانية وحصل علي ميدالية الحرية تكريما له علي ما قدمه من مساعدات إنسانية خيرية، كما حصل علي جائزة القيادة العالمية من جمعية تدعم نشاط الأممالمتحدة لدوره القيادي في دعم القضايا الإنسانية. حمل كلاي اسم كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور حيث ولد في 17 يناير 1942 في مدينة لويفيل بولاية كنتاكي، ولد لعائلة أمريكية سوداء من الطبقة المتوسطة، لكنه أمه ربته وأخاه علي المذهب المعمداني، قبل أن يعتنق الإسلام ويغير اسمه إلي محمد علي كلاي، توج بلقب »رياضي القرن»، كان يصف نفسه بأنه »يطير كالفراشة ويلسع كالنحلة»، وهو صاحب أسرع وأقوي لكمة في العالم حيث تعادل قوتها حوالي 1.000 باوند. دخل كلاي عالم الملاكمة جاءت بمحض الصدفة حين كان في ال 12 من العمر، وحقق عدة ألقاب علي المستويين المحلي والوطني وهو دون ال 18، ونال الميدالية الذهبية لأوليمبياد روما الصيفية عام 1960 عن فئة وزن الخفيف الثقيل، وفي أكتوبر عام 1960 اتجه اللاعب إلي عالم الاحتراف، حيث خاض خلال السنوات الثلاث التالية 19 نزالا فاز فيها جميعا، من بينها 15 بالضربة القاضية. كما حقق المفاجأة في فبراير عام 1964 بهزيمته لبطل العالم في الملاكمة - آنذاك- سوني ليستون، وفاز بلقب بطولة العالم لملاكمة المحترفين للوزن الثقيل للمرة الأولي، سجلا وقتها رقما قياسيا كأصغر ملاكم (22 عاما) يحقق لقب البطولة في هذا المضمار. قصة اسلامه كان قبل إسلامه يلقب نفسه ب »الأعظم»، إذ كان أفضل ملاكمي عصره، بل إن النقاد الرياضيين لقبوه بأفضل ملاكمي القرن الحالي كله، فلم يعرف تاريخ الملاكمة ملاكما أسرع منه، كان يتراقص علي الحلبة برشاقة ثم ينقض علي خصمه إنقضاض الدبور، ويلدغه بلكمة لا يملك منها هربا أو فكاكا.. يسقط علي أثرها صريعا ليعلو صوت البطل: »أنا الأعظم». لكنه حين أسلم نبذ هذا اللقب، إذ لم يعد ميالا للتعالي، وصار بسيطا ببساطة الروح الإسلامية. أعلن كلاي اعتناق الإسلام عام 1964 وتغيير اسمه إلي اسم جديد وهو محمد علي فقط دون اسمه الأخير »كلاي» لأنه كان اسم العبودية المطلق عليه ويعني »الطين» باللغة الإنجليزية، وكان وراء اسلامه المفكر الامريكي مالكوم إكس وهو كان صديق مقرب وحميم لمحمد علي، لقد اعتنق الإسلام ولم يضع اهتماما لما سيحدث من انتقاص لشعبيته، ولكن شعبيته وحب الناس له زادت واكتسحت الآفاق. زيارته لمصر في عام 1964 وبعد اعلان إسلامه قام بزيارة مصر، بدعوة من الاتحاد العربي للملاكمة، وخلال هذه الزيارة طلب لقاء الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. وقد استمرت زيارة كلاي للقاهرة خمسة عشر يوما، وخلال هذه الزيارة شاهد تمثال نصفي لعبدالناصر، فقام بتقبيله، كما حرص عبدالناصر، علي التقاط صورة شخصية معه. عبر كلاي عن انبهاره بعظمة السد العالي خلال زيارته إلي الاقصروأسوان، قائلا: إن هذا العمل الضخم لدليل واضح علي عظمة الرئيس جمال عبدالناصر. وقصد كلاي في زيارته المناطق الأثرية في الأقصر وشاهد تاريخ الفراعنة مجسما، وقد بهرته عظمة المعابد والآثار، ورغم حرارة الجو إلا أنه خلع قميصه وطاف بها جميعا. وقال »كلاي»: لقد قرأت كثيرا عن هذه الآثار في التاريخ المصري ولكنني لم أكن أتوقع أنها بهذه الروعة والضخامة. وفي أسوان زار كلاي السد العالي وظل يجري هنا وهناك متسائلا عن كل صغيرة وكبيرة، فشاهد الكراكات والعمال السمر العمالقة ووقف ينظر من أعلي الجبل ويقول: الآن رأيت السد العالي الذي سمعت عنه.. والآن أستطيع أن أقرر بحق أن هذا العمل ليس سهلا وإنه لدليل واضح ونموذج مجسم لعظمة الرئيس جمال عبدالناصر، وكان محمد علي كلاي وشقيقه يقبلان عمال السد بحرارة، وعبرا عن رغبتهما في مشاهدة المرحلة النهائية للسد العالي.