عماد أنور "كلاي مات".. تلك الجملة لم تفارق شفاه محبي أسطورة الملاكمة، محمد على كلاي، منذ أن وفاته المنية صباح اليوم السبت، وكأنهم أقاموا سرادق عزاء موازيا، على مواقع التواصل، حزنا على رحيله.
وأسلم كلاي روحه إلى بارئها، في مستشفي "فينيكس"، بولاية أريزونا الأمريكية، بعد صراع طويل مع المرض، عن عمر ناهز 74 عاما، وكان مرض شلل الرعاش رفيقا للكلاي طيلة 32 عاما، لكن حالته الصحية تدهورت بشكل كبير، وتداولت أخبار عن وفاته منذ أكثر من عام.
ولم تكن حالة الحزن التي خيمت على محبيه، منذ إعلان خبر وفاته، نابعة من فراغ، لكن كلاي نجح في أسر قلوب الملايين من جميع أنحاء العالم، كواحد من أفضل نجوم الملاكمة على الإطلاق، حتى أنه وبعد ابتعاده عن الأضواء بسبب مرضه الشديد، كانت الأضواء تلاحقه أينما وجد، فمجرد ظهوره على الشاشات حدث فريد. المرض الذي داهم كلاي مبكرا عام 1984، وكان وقتها في أزهى مراحل الشباب (40 عاما)، صدم محبيه الذين لم يتقبلوا رؤية بطلهم بيدين مرتجفتين، غير قادر على الكلام، واكتفت ذاكرتهم بحفظ صورة صاحب البنيان القوي الذي يتحرك في حلبة الملاكمة برشاقة، فشلت أمامها محاولات أعتى منافسيه في النيل منه.
كان كلاي ملاكم بطعم مختلف، بل أنه كسر قواعد اللعبة، وصنع لنفسه أسلوب أداء سجل باسمه، حيث كان يعتمد على الحركة المتواصلة لإرهاق منافسيه، فضلا عن أنه لم يفضل حماية وجهه خلف قبضتيه، مستغلا طمع المنافس الذي يسعى لتوجيه لكمة قوية إلى كلاي، لكن حركة وجهه السريعة كانت تتفادى اللكمة برشاقة، وبعدها يوجه يده اليسرى إلى ملاكمه فتنزل على وجهه كالمطرقة. حركته السريعة والرشيقة داخل الحلبة، جعلت أحد المعلقين يوصف كلاي وصفا دقيقا يناسب طريقة لعبه، حيث قال: "كلاي يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة"، كما أنه كان أسرع وأثقل لكمة، جعلته حديث الأجيال.
لم يعرف الكثيرون اسم (كاسيوس مارسيليوس كلاي)، لكنه الاسم الذي أطلق على كلاي في المهد، بعد أن ولد في 17 يناير عام 1942، بولاية كنتاكي الأمريكية، لعائلة متوسطة اجتماعيا، ومارس كلاي الملاكمة في عمر 12 عاما، وحقق عدة ألقاب وهو دون الثامنة عشرة، ونال الميدالية الذهبية لدورة الألعاب الأولمبية (روما 1960) في وزن "ثقيل الخفيف".
ومنذ ذلك الوقت، اتجه كلاي إلى عالم الاحتراف، وخاض نحو 19 مباراة في 3سنوات، فاز فيها جميعا، من بينها 15 فوزا بالضربة القاضية، وفي فبراير 1964، حقق كلاي مفاجأة كبرى في عالم الملاكمة، وفاز بلقب بطولة العالم للمحترفين للمرة الأولى، وفاز على بطل العالم آنذاك "سوني ليستون" ، وكان أصغر ملاكم يحقق لقب البطولة وعمره (22 عاما).
في مباراة أطلق عليها "نزال القرن"، واجه كلاي الملاكم جو فرايزر، وهي واحدة من أشهر وأطول المباريات التي خاضها كلاي، عام 1971، وخسر للمرة الأولى، ونقل كلا الملاكمين بعد نهاية المباراة إلى المستشفى بسبب شراسة المنافسة.
أعلن كلاي اعتزاله عام 1979، وتراجع عن قراره في العام التالي وواجه الملاكم لاري هولمس في محاولة للفوز بلقب بطولة العالم للمرة الرابعة، لكنه خسر المباراة، وخاض المباراة الأخيرة في مسيرته عام 1981 وخسرها أمام الملاكم تريفور بيربيك.
عام 1965، كان نقطة تحول في حياة كلاي، حيث اعتنق الإسلام، وسمى نفسه محمد علي، وانتسب إلى حركة "أمة الإسلام" وبقي عضوا فيها حتى عام 1975 حيث تحول إلى المذهب السني، غير أن اعتناقه الإسلام أثار جدلا واسعا في حياته، فعقب فوزه للمرة الثانية للملاكم سوني ليستون، أثيرت شائعات حول تعمد سوني الخسارة بسبب تهديدات من منظمة "أمة الإسلام".
كان كلاي غيورا على دينه، وعندما سخر الملاكم فلويد باترسون من دينه، تعمد في إطالة المباراة من أجل إنزال "العقوبة" بخصمه، بعد أن لقنه درسا قاسيا، وفي عام 1967 حاول التهرب من الانضمام للجيش الأميركي، كي لا يشارك في حرب فيتنام، وعندها تحوّل كلاي من بطل إلى مجرم، بعد أن حكم عليه بالسجن وحرمانه من ألقابه، لكن في عام 1971 ألغت المحكمة قرار إدانته، وعاد إلى حلبة الملاكمة بعد أن أصبح رمزا للثقافة المضادة للحروب.
وعقب اعتزاله بنحو ثلاثة أعوام، أصيب بمرض الشلل الرعاش، لكنه لم يفقد بريقه. اشتهر كلاي بعدة تصريحات هامة عبر حياته، وضعته مع حكماء الكلمة، منها: "السقوط داخل الحلبة كالسقوط خارجها، لا عيب في أن تسقط أرضاً، بل العيب في أن تبقى على الأرض"، وأيضا: "خاض الحروب من الدول لتغيير الخرائط، ولكن حروب الفقر تخاض لوضع خريطة التغيير".