بمناسبة ذكرى انتصار أكتوبر التى تتوافق مع العاشر من رمضان، التقينا باللواء عبد الجابر أحمد على " رائد كتيبة صاعقة بحرب أكتوبر " والذى استعاد معنا ذكرياته فى الحرب المجيدة والانتصارات الخالدة للمصريين فى ذلك اليوم الذى غيّر مجرى التاريخ .. نريد أن نعرف من سيادتكم دور الكتيبة 35 مدرعات داخل حرب أكتوبر 1973؟ بعد نكسة 1967 لم يكن أمام القوات المسلحة سوى أن تقوم مصر باستعادة سيناء , وقد قامت بمجهود خارق لاستعادة الأراضى المصرية ولكن إحدى المشاكل التى كانت تواجهها هى كيف يمكن للقوات أن تقوم بالعبور مستخدمة الأسلحة الشخصية الخفيفة وسوف تقابلها من الناحية الأخرى الدبابات الصهيونية والتى كانت تسمى " بالقبضة الحديدية " فكيف يواجه جندى المشاه الدبابات الصهيونية فالمعادلة صعبة فلا يوجد وجه مقارنة نهائيا بين الطرفين لذلك قامت القوات المسلحة الباسلة فى التفكير فى سلاح مختلف يمكن أن يصمد أمام دبابات العدو الصهيونى من 6 – 8 ساعات حتى تتمكن قوات المشاه من الصمود هذا الوقت فتتمكن بعد ذلك باقى القوات من العبور من خلال الكبارى وهذا السلاح هو عبارة عن صاروخ روسى الصنع ويسمى " المالوتكا " مداه 3 كيلومترات قامت الكتائب بالتسلح به .. ونحن الكتبية " 35 فهد " مدرعات قد تسلمنا هذا الصاروخ وقد أطلق علينا اسم فهد نظرا لصغر عدد أفراد الكتيبة الذى كان يبلغ ثلاثة أفراد فقط واحد منهم هو الذى يقوم بتوجيه الصاروخ والاثنان الآخران يقومان بحمل الحقائب وهى " قاعدة الإطلاق " فقد بذلنا جهدا فائقا وخارقا للوصول إلى هذا المستوى من الدقة والتركيز والقوة فى إطلاق هذا الصاروخ فقد كانت مهمتنا أن نقوم بإطلاق الصاروخ بما أننا كتيبة من مشاة المدرعات على دبابات العدو للتخلص منهم وتتمكن بعد ذلك القوات من العبور عبر الكبارى لعبور الأسلحة الثقيلة والدبابات .. فهذا الصاروخ يحتاج إلى مجهود جبار فى الاستخدام ويحتاج كذلك إلى الدقة والتركيز فالعدو الصهيونى لم يكن يتوقع أن نصل لمثل هذا التدريب الدقيق فى استخدام هذا الصاروخ وأن قواتنا العسكرية من المشاة والأفراد يقفون أمام الدبابة الصهيونية وكانت هذه هى الضربة القاضية داخل صفوف العدو .. صف لى ساعات ما قبل العبور ؟! مرت علينا ساعات ما قبل العبور ونحن نستعد كل لحظة لهذا الوقت وكنا نقوم بعمليات تمويه تربك العدو فمن آن إلى آخر كنا نتقدم إلى الأمام ومن ثم نتراجع فلم يكن العدو يتوقع ان نقوم بالهجوم والعبور فى هذا اليوم ولكن ساعات ما قبل العبور لم نكن نعلم بالوقت المحدد للعبور لكن كانت هناك استعدادات أوضحت لنا أن ميعاد العبور قد اقترب ومنها الاطمئنان على أعداد أفراد الجيش واستكمال الأعداد هذا مع الاطمئنان على صحة المواطنين لذلك فقد علمنا أن الوقت قد حان لكن كنا دائمى التدريب والاستعداد لهذا الوقت .. شعوركم عند سماع الأوامر بأن القوات سوف تعبر ؟! عند سماع الأوامر بالعبور إلى الضفة الشرقية كانت أسعد لحظة لدينا لاننا سوف نقوم باستعادة أراضينا من الصهاينة لذلك كانت تغمرنا فرحة غير عادية هذا وأن أكثر من تحمل المسئولية معنا هن زوجاتنا اللاتى تحملن كل شىء وهن اللاتى ربين الأولاد وتحملن المسئولية كاملة عند غياب القوات. أصعب لحظة مرت عليكم ؟! عندما كان يقع واحد من الجنود أثناء المعركة فكنت أتذكر زوجاتهم وأولادهم من بعدهم هذا كان أصعب شىء كنت أمر به ومن ناحية أخرى انا افتخر أننى خضت هذه المعركة فقد قال أحد ضباط اليهود بعد المعركة أنهم كانوا يدرسون أن الدبابات لا تقابلها سوى الدبابات لكنه لم يكن يتوقع أن الدبابة يمكن أن تقابل بالمشاة العسكريين .. فالدبابة يقابلها فرد هذه هى المعجزة بعينها فقد غيروا جميع المصطلحات والمفاهيم .. وبالطبع أصعب لحظة مرت بنا عندما حاول العدو أن يجد ثغرة ليدمر قواتنا ونجحوا من ناحية البحيرات المرة وزحفوا ناحية الشمال وقاموا بإلقاء القنابل الفسفورية والحارقة علينا وقد اطلق فى هذا الوقت اللواء عادل يسرى على هذه المعركة اسم " معركة البرميل " لأننا كنا متواجدين داخل حفر فى الأرض مثل الخنادق ولكن استطعنا أن نتصدى للعدو فى هذا الوقت ونجحنا فى المعركة وانتصرنا انتصارا مهولا. من فى رأيك هم الابطال الحقيقيون فى ميدان المعركة ؟! بالتأكيد هناك الكثير وقد ظهر من هذه الكتيبة العديد من الأبطال مثل المرحوم الفلاح عبد العاطى " صائد الدبابات " والذى رحل منذ 10 سنوات وكان وفقا للسجلات الرسمية أكثر من دمر دبابات العدو حيث نجح وحده في تدمير 26 دبابة رغم أنه حتى يوم 8 أكتوبر لم ينجح فى تدمير أى دبابة للعدو وهو ما أصابه بالضيق والغيرة من زملائه الذين كبدوا العدو الكثير من الخسائر .. لكنه فيما بعد أصبح صاحب الرقم القياسى فى تدمير الدبابات وبالرغم من محاولة الكثير أن يمتلك هذا الرقم إلا أن بشهادة الكثيرين عبد العاطى هو صائد الدبابات .. وقد صدرت وقتها الأوامر بنقل عبد العاطى إلى فرقتى وقمنا بإعداد كمين لدبابات العدو وتوجه قائد عبد العاطى النقيب سيد خفاجة ومعه المقاتل بيومى إلى دبابات العدو ودمر يومها عبد العاطى 9 دبابات وحده بينما نجح زميله بيومى فى تدمير 4 دبابات وانطلقت بعدها شهرة عبد العاطى الذى أصبح " صائد الدبابات ". ما هو شعوركم عندما وطأت قدماكم الضفةالشرقية من القناة ؟! هو بالفعل شعور لا يمكن وصفه سعادة لاحدود لها أخذنا نبكى من شدة الفرحة لاستعادة أراضينا المحتلة ورددنا جميعا " تحيا مصر .. تحيا مصر " و" الله أكبر .. الله أكبر " وكانت السعادة تملأ قلوبنا بعد التعب والجهد الشديد الذي بذلناه فى هذه الفترة .. من هو اهم وزير دفاع عاصرته ؟! وفى رأيكم ماهى الميزة التى تميزه ؟! أول هؤلاء الوزراء المشير عبد الحكيم عامر الذى عاصرته ولم يكن مثله أحد فقد كان محبوبا من قبل الجيش وكان الجميع يستمع إليه وكان محبوبا أيضا من قبل الشعب المصرى الذى كان يفتخر به، وحب الناس إليه كانت اكثر ميزة تميزه عن الجميع وأنا أفتخر أننى عاصرت هذا الرجل القوى .. وبالطبع هناك العديد من الوزراء حتى هذه اللحظة .. ما هى أبرز ذكريات حرب أكتوبر ؟! ما أجمل أن أتذكر هذا اليوم من بدايته فهذا اليوم بأكمله هو بمثابة يوم القيامة بالنسبة للعدو فالحرب عام 1973 الحرب الأولى فى تاريخ البشرية عندما أصبحت الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات الوسيلة الأساسية لتدمير المركبات المدرعة فى ساحة المعركة فقد كانت هذه الأيام من كتلة مضادة للدبابات قد استخدمت من قبل كلا الجانبين واثبتت تفوقها على دبابات ودروع ووقفت أسلحة المشاة خفيفة الوزن أمام دبابات العدو .. ففى يوم 6 أكتوبر 1973 وموجة الهجوم الأولى كانت فرق المشاة المصرية تحت ستار من إعداد مدفعية قوية عبرت قناة السويس واقتحمت خط بارليف الإسرائيلى وحفرت فى العدو على الحدود مكاسب كثيرة من مكافحة الدبابات الإسرائيلية وفى النهاية انتصرنا بفضل الله ثم بفضل هذا السلاح الخارق الذى خططت له قواتنا المسلحة الباسلة وأضاف أنه لا يمكن أن ينسى " بطلين" تأثر بهما خلال معارك أكتوبر وقبلها، وهما اللواء عادل يسرى- قائد اللواء 112 مشاة فى الفرقة 16 والذى حقق أكبر عمق عندما عبرنا فى سيناء وأحدث أكبر خسائر فى العدو ولكن خلال إحدى المعارك بترت ساقه وسقط خارج السيارة وأصر وقتها على رؤية ساقه المقطوعة ورفعها ووقف يهتف " تحيا مصر" فكان بطلا تاريخيا يستحق التكريم وذكر العديد من بطولاته فى كتابه " رحلة الساق المعلقة " .. وبالتأكيد عبد العاطى " صائد الدبابات " .. الرقيب أول مجند محمد عبد العاطى وهو أشهر الذين حصلوا على نجمة سيناء من الطبقة الثانية والذى أطلق عليه صائد الدبابات لأنه دمر خلال أيام حرب أكتوبر26 دبابة بمفرده .. فهو صائد الدبابات وقد تم تسجيل اسمه فى الموسوعات الحربية كأشهر صائد دبابات فى العالم , وكان نموذجا للمقاتل العنيد الشجاع الذى أذاق العدو مرارة الهزيمة .. لكنه توفى منذ حوالى 10 سنوات ففى البداية انضم لسلاح الصاعقة ثم انتقل إلى سلاح المدفعية ليبدأ مرحلة جديدة من أسعد مراحل عمره بالتخصص في الصواريخ المضادة للدبابات وبالتحديد فى الصاروخ " فهد" الذى كان وقتها من أحدث الصواريخ المضادة للدبابات التى وصلت للجيش المصرى وكان يصل مداه إلى 3 كيلومترات وكان له قوة تدميرية هائلة .. هذا الصاروخ كان يحتاج إلى نوعية خاصة من الجنود قلما تجدها من حيث المؤهلات ومدى الاستعداد والحساسية وقوة التحمل والأعصاب نظرا لما تتطلبه عملية توجيه الصاروخ من سرعة بديهة وحساسية تعطى الضارب قدرة على التحكم منذ لحظة إطلاقه وحتى وصوله إلى الهدف بعد زمن محدود للغاية لذلك كانت الاختبارات تتم بصورة شاقة ومكثفة .. وقبل الانتهاء من مرحلة التدريب النهائية انتقل الجندى عبد العاطى إلى الكيلو 26 بطريق السويس لعمل أول تجربة رماية من هذا النوع من الصواريخ في الميدان ضمن مجموعة من خمس كتائب وكان ترتيبه الأول على جميع الرماة واستطاع تدمير أول هدف حقيقى بهذا النوع من الصواريخ على الأرض .. تم اختياره لأول بيان عملى على هذا الصاروخ أمام قائد سلاح المدفعية اللواء محمد سعيد الماحى وتفوق والتحق بعدها بمدفعية الفرقة 16 مشاة بمنطقة بلبيس التى كانت تدعم الفرقة بأكملها أثناء العمليات وبعد عملية ناجحة لإطلاق الصاروخ تم تكليفه بالإشراف على أول طاقم صواريخ ضمن الأسلحة المضادة للدبابات في مشروع الرماية الذي حضره قيادات الجيش المصرى بعدها تمت ترقيته إلى رتبة رقيب مجند .. وفى 28 سبتمبر 1973 التقى عبد العاطى بالمقدم بى حيث طلب منه أن يعود بعد إجازة 38 ساعة فقط وبالفعل عاد فى أول أكتوبر إلى منطقة فايد وكانت الأمور فى هذا الوقت قد تغيرت بالكامل وبدأت الجنود يستعدون لصدور الأوامر بالتحرك .. وبدأ الجيش يتقدم على مقربة من القناة بحوالى 100 متر وبعد الضربة الجوية الساحقة بدأت أرض المعركة تشتعل بصورة لم يصدق معها أحد أن الجنود المصريين قد عبروا الضفة الشرقية للقناة وكان عبد العاطي هو أول فرد من مجموعته يتسلق الساتر الترابى خط بارليف .. وبعد لحظات قام الطيران الإسرائيلى بغارات منخفضة لإرهاب الجنود ظنا منهم أن مشهد 1967 سيتكرر ولكن هذه المرة كانت الظروف مختلفة فقد قام الجنود المصريون بإسقاط أربع طائرات إسرائيلية بالأسلحة الخفيفة واستطاع اللواء 112 مشاة أن يحتل أكبر مساحة من الأرض داخل سيناء واستطاع الوصول إلى الطريق الأسفلتى العرضى من القنطرة إلى عيون موسى بمحاذاة القناة بعمق 70 كيلومترا فى اليوم الأول من المعركة .. وفى اليوم الثانى للمعركة بدأ الطيران الإسرائيلى الهجوم منذ الخامسة صباحا بصورة وحشية ومع ذلك استطاع الأبطال منعهم من فتح أى ثغرة وتقدموا داخل سيناء ودمروا المواقع الخفيفة للعدو وذيول المناطق القوية مثل الطالية وتبة الشجرة وأم طبق .. ورغم هذه الظروف الصعبة فقد قام عبد العاطى بإطلاق أول صاروخ والتحكم فيه بدقة شديدة حتى لا يصطدم بالجبل ونجح فى إصابة الدبابة الأولى ثم أطلق زميله بيومى قائد الطاقم المجاور صاروخا فأصاب الدبابة المجاورة لها وتابع هو وزميله بيومى الإصابة حتى وصل رصيده إلى 13 دبابة ورصيد بيومى إلى 7 دبابات في نصف ساعة ومع تلك الخسائر الضخمة قررت القوات الإسرائيلية الانسحاب واحتلت القوات المصرية قمة الجبل وأعلى التبة وبعدها اختاره العميد عادل يسرى ضمن أفراد مركز قيادته في الميدان التى تكشف أكثر من 30 كيلومترا أمامها ..