حسناً أن وضعت الدولة ملفات الصحة والتعليم والإصلاح الإداري في مقدمة أولوياتها باعتبار أن هذه المحاور تمثل نقلة حقيقية باتجاه بناء الدولة الحديثة. وقد كنت أتمني أن تضع الدولة ملفاً أخطر يتوقف عليه النجاح في تحقيق هذا الهدف أو الحلم. وهو ملف الزيادة السكانية. التي تلتهم كل معدلات التنمية. وكل إنجاز يتحقق بشق الأنفس في ظل الصعوبات الاقتصادية. وقلة الموارد لدولة مثل بلدنا. لا تنعم بخيرات اللَّه مثل دولة خليجية تعداد سكانها لا يتجاوز حي شبرا. ولكن دخلها يتجاوز المائة تريليون دولار. تبعثرها يميناً وشمالاً في دعم الإرهاب وتمزيق الشعوب العربية الشقيقة. ومن هذا المنطلق تأتي عملية ضبط السكان وقد بدأت الطبقة الوسطي في مصر تشكو وتئن من سوء سلوكيات الطبقات الدنيا في التعامل مع هذه المشكلة التي لا تشغل لها بالاً.. وقد تصاعدت هذه الشكوي مؤخراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي عند زيادة أسعار المحروقات أو ضرائب تجديد السيارات وغيرها من رسوم رفعتها الحكومة لكي تجابه حجم الدعم الذي يتزايد عاماً بعد عام في موازنة الدولة رغم عملية الإصلاح. وتدبير الموارد للإنفاق علي منظومة دعم الخبز أو البطاقات التموينية أو معاشات تكافل وكرامة وغيرها لدعم الطبقات المهمشة وتحسين ظروف السكن بنقلهم من المناطق العشوائية. بالتأكيد.. هذا واجب حكومي وقومي وأهلي. من أجل رفع مستويات هذه الطبقة.. ولكن كما أشار البعض في تعليقاته إلي أن هذا الدعم أصبح يلتهم كل ما يمكن أن يخصص لأي مشروعات تنموية. أو لإصلاح التعليم أو الصحة.. ومثل هذه الفئات التي لا تجد من يوقفها. ولا همَّ لها سوي "خلفة العيال" لكي يلقي بهم في "معية" الدولة تعالج وتعلم وتوظف.. هذا إذا ما انتظموا في التعليم دون تسرب لكي يتخرجوا في منظومة الشارع بلا تعليم أو تربية أو وعي حتي ولو كان منهم بعض أرباب الحرف الذين لا يجيدون الصنعة. ويفتقدون الخُلق الطيب. أو يتعاملون مع المجتمع بسلوكيات وقيم متدنية.. فما بالك غيرهم من أطفال الشوارع الذين يصيرون بعد ذلك بلطجية أو مدمنين أو متسولين. * * * بالتأكيد.. إن هذه ليست مشكلة هذه الطبقة أو الحكومة وحدهما.. ولكنها مسئولية مجتمعية يجب أن تتعاون جميعها في مجابهتها وفي مقدمتها الطبقة الوسطي المتعلمة التي بدأت تشكو وتئن من أعباء تتصور أنها تتحملها دون ذنب. بالعكس.. فإن مسئولية هؤلاء المتعلمين أن يساعدوا الدولة والحكومة في الأخذ بأيدي هذه الفئات ويرتقوا بها في السلم الاجتماعي لكي يكونوا مواطنين صالحين لا يحملون أنفسهم والدولة أعباء تزيد علي طاقة القدرات والموارد.. لأنه باستمرار تلك الزيادة السكانية علي معدلاتها الحالية. فإنه سيأتي اليوم الذي لا تستطيع فيه الدولة الوفاء بهذه الالتزامات المتزايدة. وإذا كان الله قد أنعم علينا بقيادة مصر الوطنية الآن. التي تتبني سياسات اقتصادية واجتماعية جادة وحاسمة بعيداً عن أساليب المسكنات والحلول الوقتية وكسب الشعبية التي عاصرتها مصر خلال عهود كثيرة سابقة.. فإن هذا أولي بأن يضع الجميع أيديهم في أيدي الدولة لكي يرتقي المجتمع ككل من خلال نشر الوعي والتعليم ومكافحة الجهل والتخلف الذي يؤدي لتراجع المجتمع ككل. ويشكل مخاطر علي الأمن القومي والسلام الاجتماعي. وإذا كانت الحكومة الآن قادرة علي حشد الجهود وتدبير الموارد للقضاء علي قوائم انتظار المرضي الذين يعانون الأمراض الخطيرة في المستشفيات خلال ستة شهور كخطوة تنفيذية لبدء إطلاق المشروع القومي للتأمين الصحي.. فإن الأمر سوف يكون أكثر صعوبة إذا لم نوقف جميعاً نزيف الزيادة السكانية التي لا يمكن ملاحقتها مهما أوتينا من موارد. ومهما دبرنا من اعتمادات في القطاع الصحي فقط.. فما بالك فيما نحتاجه من دعم يتزايد للخبز والسلع الأساسية والوقود والكهرباء والمرافق والخدمات والطرق ووسائل المواصلات والإسكان والمدارس والجامعات وفرص العمل والتشغيل.. إلخ. باختصار.. إن "حنفية" الزيادة السكانية "التالفة" التي تغرق المجتمع. يجب أن يتم إصلاحها في التو واللحظة. ونحن نقطع الخطي علي طريق بناء الدولة الحديثة.. وهذا لن يتأتي إلا بتعاوننا جميعاً.. ولابد أن نساعد أنفسنا حتي يساعدنا اللَّه.