من المعروف فى الفكر السياسى والاجتماعى أن الطبقة الوسطى هى رمانة الميزان فى المجتمع وهى بالتالى أساس استقرار المجتمعات حيث إنها فى أغلب المجتمعات الأكثر تقدما ونموا وتمثل واسطة العقد بين الطبقة الغنية الارستقراطية الثرية والحاكمة وبين الطبقات الفقيرة والأكثر فقرا، ومن ثم تحرص كل الدول على الابقاء على هذا التوازن الطبقى من خلال الحرص الشديد على بقاء أفراد الطبقة الوسطى من المدراء وكبار الموظفين إلى أساتذة الجامعات والمعلمين والأطباء والمهندسين ومن على شاكلتهم من العلماء والصحفيين والكتاب والموظفين متمتعين بالقدر المطلوب من الثروة التى تمكنهم من العيش حياة جيدة وسعيدة تجعلهم قادرين على أن يساعدوا الطبقات الفقيرة والأكثر فقرا على تحمل ظروف الحياة، إذ من المعروف أن هذه الطبقات الدنيا لاتلقى الرعاية الكافية من الحكومات مهما قدمت لها هذه الحكومات من أوجه الدعم. إن الطبقة العاملة فى مجال الخدمات الدنيا خاصة فى ظل تفشى البطالة وانعدام فرص التعيين فى الوظائف الخدمية فى الجهات الحكومية تكاد تعيش على ماتقدمه لهم الطبقة الوسطى من دعم عبر الاستعانة بهم فى كثير من الأمور التى تحسن ظروف الحياة للطرفين، وبالطبع فحينما يقل دخل أبناء الطبقة الوسطى تبدأ فى الاستغناء عن الكثير من هذه الخدمات ومن ثم فى تقليص مساعدتها لهذه الطبقات الفقيرة. ولاشك أن الوعى بهذا الارتباط بين الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة يعنى ببساطة أن تراجع الطبقة الوسطى ومعاناة أفرادها من العوز وعدم القدرة على ماتعودت عليه من يسر الحياة وبهجة العيش يهدد استقرار المجتمع وأمنه. ففى الوقت الذى ننتظر فيه على المستوى الاقتصادى جنى ثمار ما سميناه اجراءات الاصلاح الاقتصادى نجد أن معاناة أبناء الطبقة الوسطى تتزايد، ويتساءل البعض: وكيف صبر وتحمل أبناء هذه الطبقة اجراءات الاصلاح الاقتصادى السابقة خاصة فى ظل الارتفاع الكبير للأسعار بعد تعويم الجنيه ورفع الدعم عن الكثير من السلع خاصة الكهرباء والبنزين؟! ولعلنى أرد بالتأكيد على أن الكثيرين من أبناء الطبقة الوسطى قد اضطروا فى تلك الفترة السابقة إلى الاستغناء عن مدخراتهم بفك ودائعهم وبيع ممتلكاتهم لكى يستطيعوا الحفاظ على مستوى المعيشة التى تعودوا عليها إذ لم يكن فى مستطاعهم مثلا أن يخرجوا أولادهم من المدارس الخاصة أو من الجامعات الخاصة فلا يستكملوا تعليمهم كما لم يتحملوا أن يروا هؤلاء الأبناء يتشعلقون فى الأوتوبيسات والتكاتك! ومن ثم كان عليهم أن يلجأوا إلى الاعتماد على ماتبقى لديهم من امكانات يمكن بها الحفاظ على توازنهم العائلى والاجتماعي، ومن ثم فقد تحملوا مع الدولة بحق عبء تخفيف النتائج السلبية للاصلاح الاقتصادى سواء عليهم أو على مايعولونه من أبناء الطبقة الفقيرة. والآن وقد بدأت مدخراتهم فى النفاد وفى الوقت الذى اهتمت فيه الحكومة الحالية نسبيا بأحوال الطبقة الأشد فقرا بمحاولة مد مظلة الرعاية الاجتماعية والاقتصادية لهم والقضاء على العشوائيات التى كانوا يعيشون فيها وتحسين ظروف حياتهم عن طريق الشهادات التأمينية وزيادة الحصص التموينية المدعمة لهم ..الخ. أقول فى الوقت الذى اتخذت فيه الحكومة مشكورة مثل هذه الاجراءات, تجاهلت أن كل اجراءات الاصلاح الاقتصادى والمالى قد وقعت فى حقيقة الأمر على أبناء الطبقة الوسطى من الموظفين والعاملين فى الدولة فهم من يدفعون ضرائبهم مقدما خصما من رواتبهم التى تقلصت قدرتها الشرائية إلى أقل من النصف وهم من وقع عليهم بشكل مباشر ودون أى نوع من الحماية أو التعويض عن عبء رفع أسعار الكهرباء والبنزين والسلع الاستهلاكية والغذائية ..الخ. ومن هنا فإن أى اجراءات اقتصادية سيترتب عليها رفع المزيد من الأسعار دون زيادة موازية معقولة للأجور والمرتبات مع خفض نسب الضرائب على هذه الطبقة التى أصبحت كادحة بعد أن كانت مانحة يعنى أننا نعرض استقرار المجتمع ككل للخطر خاصة أننا مازلنا نواجه خطر الارهاب والمؤامرات الخارجية على بلدنا الحبيب. لمزيد من مقالات د. مصطفى النشار