لقيت المظاهرات السلمية التي اندلعت في سوريا قبل أكثر من عامين تأييداً واسعاً عربياً ودولياً لدعم الشعب السوري من التخلص من الدكتاتورية وانهاء حكم العائلة الواحدة الذي امتدت مظالمه لأكثر من 40 عاماً وقد كتبت وتحدثت كثيراً عن أهمية دعم الحركات السلمية للشعب السوري للتخلص من الاستبداد السياسي ودكتاتورية الحكم الطائفي.. وجاء الرد العنيف من جانب قوي الأمن السورية لمواجهة عنف النظام الحاكم لعله يعود إلي رشده ويجلس علي مائدة حوار والاستجابة للرغبات المشروعة لشعبه.. ورغم تعالي صيحات اقليمية وعالمية بامداد المعارضة السورية بالمال والسلاح والدعم السياسي الكافي لمساعدتها علي سرعة الحسم. إلا ان القوي الغربية كانت لديها رؤية أخري للوضع وعملت علي اطالة أمد الصراع من أجل استنزاف سوريا حكومة وشعباً ومعارضة لصالح القوي المعادية للمنطقة وفي مقدمتها إسرائيل. فالتطورات الدامية للمشهد السوري تدفعنا مع عقلاء الأمة للتوقف وإعادة تقييم الموقف في ضوء المتغيرات الجديدة. وسعي الغرب لتحويلها من ثورة شعبية سلمية تسعي لحقوق مشروعة للمشاركة في الحكم من أجل بناء مستقبل افضل إلي عملية عسكرية ممنهجة لتدمير مقدرات دولة عربية.. مما يدفعنا لرفض التدخل العسكري الغربي في هذا البلد العربي. لأن نتائجه لن تضر سوريا فقط ولكن تضر المنطقة كلها. بل ان التدخل العسكري في سوريا يدخل في اطار المخطط الأمريكي للهيمنة علي العالم. والمعروف باسم "القرن الأمريكي" الذي قد يتصور البعض انه مخطط حديث يرجع لحكم الرئيس جورج بوش الابن في بداية القرن الحالي. وتم الترويج له بعد أحداث سبتمبر عام 2001 ولكن الحقائق تكشف ان هذا المشروع الاستعماري الأمريكي بدأ قبل الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في عام 1941 علي يد الكاتب الأمريكي هنري لويس الذي يعد أول من صاغ مصطلح "القرن الأمريكي". عندما اتخذ منه عنواناً لمقالته التي كتبها عام 1941 علي صفحات مجلة "لايف" قبيل بضعة أشهر من هجوم هتلر علي الاتحاد السوفيتي وقيام اليابان بقصف بيرل هاربر.. وقال هنري في مقالته: "إن التفوق الأمريكي هو الذي يضمن المستقبل وينبغي ان تكون امريكا بمثابة الأخ الأكبر لبقية الشعوب والأمم حتي تقودهم بالطريقة التي تراها مناسبة" وترسخت فكرة التفوق في عقول القادة الأمريكان بعد الحرب العالمية الثانية وتناول الكاتب الاستراتيجي كارل بيكر في كتاباته عام 1947 ما أسماه تنامي الدور الأمريكي عند استعراضه لتعاقب الامبراطوريات من البابلية إلي الرومانية إلي الاسبانية إلي البريطانية ثم توقف عند الامبراطورية الأمريكية.. كما تحدث الكاتب رالف فلاندر كثيراً في محاضراته التي ألقاها بجامعة هارفرد عام 1950 عن بزوغ فجر الامبراطورية الأمريكية ورسميا أكد الرئيس الامريكي هاري ترومان "أبريل 1945 يناير 1953" في خطاباته المتكررة عن تعاقب مراحل التاريخ وعن التفوق الامريكي الذي تجاوزت فيه ما حققته الامبراطوريات العظيمة كلها. والغريب ان المؤرخ البريطاني الأشهر أنولد توينبي انساق وراء فكرة التفوق الأمريكي وتوقع في كتابه الذي نشره في خمسينيات القرن الماضي بعنوان "دراسة التاريخ" إن القرن العشرين هو القرن الامريكي بامتياز. بل ومن المثير للدهشة فإن مخطط "القرن الامريكي" تكرس رسميا علي الصعيد العالمي بقرار مجلس الأمن الدولي رقم "68" لسنة 1950 الذي اعطي الضوء الأخضر للهيمنة الامريكية علي بقية الشعوب والأمم بما ورد فيه من عبارات صريحة تدعم قيام الامبراطورية الامريكية حيث جاء نص القرار: "إن النظام الاجتماعي والسياسي والايديولوجي الامريكي يجب ان يكون كونياً. وإن أي تحد لذلك لا ينبغي التسامح معه. وإن أي عمل تقوم به الولاياتالمتحدة في مواجهة التحديات المحتملة يعد من الأعمال الدفاعية البحتة". لهذا ارفض التدخل العسكري الغربي في سوريا وفي أي دولة عربية أو اسلامية خاصة وان مآسي هذا التدخل لا تزال ماثلة للعيان في العراق وفي ليبيا وفي افغانستان.