1⁄4 لست أدري إن كان حديثاً شريفاً أم لا.. لكنه حق أجده في مصر. وأراه رأي العين: "مَن استوي يوماه فهو مغبون.. ومَن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون.. ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلي نقصان ومَن كان إلي نُقصان فالموت أولي به من الحياة".. اليوم في مصر شر من الأمس.. والغد في مصر شر من اليوم.. ومصر إلي نُقصان.. مصر إلي مزيد من الانقسام والتشظي والزوال.. والله الذي لا إله إلا هو.. مصر ليست في رأس حاكم ولا معارض ولا محكوم.. مصر تحولت إلي مستشفي مجانين كبير واسع.. كل امرئ فيها مجنون بطريقته.. مجنون بالدين.. مجنون بالعلمانية.. مجنون بالبلطجة.. مجنون بالثورة.. لا فرق.. ليلي.. لبني.. بثينة.. عزة.. لكل واحدة منهن مجنون وشاعر. مصر امتلأت عن آخرها بالأخسرين أعمالاً.. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.. امتلأت بالمفسدين الذين لا يشعرون ويصرون علي أنهم مصلحون ومجاهدون وثوار.. امتلأت بالأنصاف التي قامت بعدما ماتت القوالب.. امتلأت بالمجانين والمختلين نفسياً وعقلياً.. والأدهي أن هؤلاء صاروا نخبتها وقادة رأيها وأصحاب القرار والقول الفصل فيها.. والحكاية قديمة منذ فرعون.. الجنون والخبل والجدال والمراء والبلطجة.. والقول الخالد الدائم عن ذوي القيم والمبادئ: إن هؤلاء لشرذمة قليلون.. فعلاً هم قليلون حتي العدم.. لأن مصر يتولي أمرها منذ فرعون والسامري وقارون.. المجانين واللصوص والبلطجية والفتوات وأراذلنا بادي الرأي.. والملأ المفسدون.. والملأ هم النخبة في كل عصورنا. زمان في عام 1815 تمرد العسكر علي محمد علي وأجمعوا علي خلعه أو قتله.. فعلم بمخططهم وتصدي لهم جنوده عندما أحاطوا بالقلعة.. وخطرت للعسكر حيلة هي دائماً تخطر لمن يسمون أنفسهم ثواراً عندما يفشل مسعاهم. ويتفرق جمعهم. فأجمع رأيهم بخبث عقيدتهم وسوء طباعهم علي عادة المصريين كما يقول الجبرتي.. علي أن يتفرقوا في شوارع القاهرة وينهبوا أموال الرعية ومتاعهم.. فإذا فعلوا ذلك انضم إليهم المئات. وكثر جمعهم وقويت شوكتهم.. ويشاركهم من تخلف عنهم لرغبة الجميع المعروفة في القبائح الذميمة والعودة بالغنيمة.. وانطلقوا وهم يهتفون: الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله.. وهجموا علي الحوانيت والدكاكين والوكالات والحواصل. وانضم إليهم "الزُعَّر والشُطار والعامة الجياع".. كل هذا ومحمد علي والملأ من حوله لا يحركون ساكناً.. وجلس عند كل درب وشارع أناس من سكانه.. وفوقهم أناس آخرون علي الأسطح بالبنادق لمنع الناهبين والتصدي لهم "يا عيني عليك يا مصر.. هي نفسها اللجان الشعبية إياها" التي اعتبرناها من إشراقات ما يسمي ثورة 25 يناير!!... ووقعت حروب طاحنة بين "اللجان الشعبية" إياها. والثوار الذين انقلبوا إلي لصوص وهجامين.. وهجم هؤلاء النهابون علي البيوت. وفَجَرُوا بالنساء "والعياذ بالله".. كما قال الجبرتي.. وبعد قليل تحولت اللجان الشعبية إلي مشاركة النهابين أفعالهم.. فكان أعضاء هذه اللجان يقبضون الثمن من أهل الدرب بحجة أنهم يحمونهم.. ومن يأب الدفع. يتركوا النهابين يخربون بيته ودكانه.. وكانوا يقبضون أيضاً من اللصوص ويقاسمونهم الغنيمة.. إنها العادة المصرية الذميمة.. عادة التعاون الدائم بين حاميها وحراميها.. وعادة انقلاب كل عمل يبدو جميلاً في أوله إلي فعل قبيح وقذر.. إنها عادة المصريين الذميمة عندما لا يقدرون علي الحمار. "فيتشطرون علي البردعة".. صدقني.. مصر لا تكف عن إعادة إنتاج مساوئها وقرفها.. نفس الأفلام الحقيرة.. تعاد بأشخاص وأبطال مختلفين وأسماء مغايرة. في يوم العاشر من رمضان. السادس والعشرين من أغسطس عام 1814 خرج العسكر المطلوبون لمحاربة الوهابيين في الحجاز. حيث كان محمد علي في انتظارهم هناك.. واجتمع العسكر المسافرون بقيادة دبوس أوغلي. وحسن أغا سرشتمه عند باب الفتوح.. وراحوا يجاهرون بالأكل والشرب والتدخين في نهار رمضان ويقولون: نحن مجاهدون ومسافرون إلي الحجاز لحرب الخوارج والعُصاة.. وكانوا يطوفون بحارات الحسينية فيجدون المقاهي مغلقة. فيحضرون صاحب المقهي بالضرب والشتم ويأمرونه بفتح المقهي وإيقاد النار وعمل القهوة والشاي والنارجيلات.. واجتمع في خيامهم كما يقول الجبرتي الجمع الكثير من النساء البغايا والفواجر. وكثر حولهم باعة البوظة والعرقي والحشاشون والغوازي. وانحشر معهم الفُسَّاق من أولاد البلد. وما أكثرهم.. فكانوا يشربون الحشيش ويزنون في نهار رمضان.. كل هذا وهم يهتفون: الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله.. النصر للإسلام. ولمولانا السلطان!!! * * * * 1⁄4 "يا حلاوتك يا مصر".. صورة بالكربون في كل عهد.. "ما بتزهقيش يا مصر"؟!!!... "ما بتزهقش يا شعب مصر"؟!!!... يبدو أننا فقدنا الذاكرة. لذلك نعيد إنتاج خطايانا بالنص وبالحرف والكلمة.. والشعار معروف دائماً: ارفع راية الثورة. وافعل تحتها ما شئت.. ارفع راية الإسلام والجهاد. وارتكب تحتها ما تشاء من جرائم.. افجُر. واقتُل واخطف رهائن.. وأفطر في نهار رمضان. وازن. واكذب. واسرق. وانهب "وقِل أدَبَك".. فأنت ثائر.. فأنت مجاهد في سبيل الله. ولقد كانت ومازالت وستظل مصائبنا عند أعدائنا فوائد.. نحن نقدم لهم بغبائنا وحماقتنا وسفالاتنا أضعاف ما يتمنون وما يحلمون به.. ليسوا في حاجة إلي غزونا ومحاربتنا. فنحن نؤدي المهمة بالوكالة.. وعلي أكمل وجه.. نحن نقتل بعضنا ونخطف بعضنا.. ونرتكب أعمالاً قذرة يقرف ألد أعدائنا من ارتكابها.. إسرائيل أكثر نُبلاً وفروسية من أن تقتل ستة عشر جندياً مصرياً وهم يتأهبون للإفطار وصلاة المغرب في رمضان.. إسرائيل أكثر نُبلاً وفروسية من أن تخطف جنوداً مصريين رهائن في سيناء.. سامحوني.. فاض الكيل.. وبلغت الحلقوم.. كلما كان الفعل قذراً ومقززاً ومقرفاً.. أيقنت بأن مرتكبيه مصريون منا.. لأننا ورثنا سفالة المماليك.. وحقارة الجنود الأرنؤود والشراكسة والأتراك.. كان نابليون عظيماً إذا قيسَ بالمماليك والأتراك.. قتلانا بأيدينا مائة ضعف قتلانا بأيدي أعدائنا.. رأسي وألف "صرمة قديمة".. لا يمكن أن أصدق أن إسرائيل ترتكب مذبحة بورسعيد.. هذا عمل سافل لا يفعله إلا أحفاد العبيد الخصيان. من حق العدو أن يستثمر غباءنا لصالحه.. المصريون ليسوا في حاجة إلي عدو يتآمر عليهم.. ليسوا في حاجة إلي طرف ثالث. أو رابع. أو أصابع خفية.. هم يقومون بالواجب.. ويقدمون الخدمة للعدو دون أن يتكلف مليماً. أو يتجشم عناء تجنيد جواسيس.. لا أصدق أن إسرائيل أو أمريكا أو إيران أو أي دولة يمكن أن يكون لها جواسيس في مصر "طب ليه؟!.. ما احنا كلنا.. حكومات ومعارضة وشعب. قايمين بالواجب مجاناً". من حق أمريكا وإسرائيل وغيرهما استثمار غبائنا وغفلتنا وشبقنا للسلطة.. والحكاية بسيطة.. ما لم تستطع أمريكا وإسرائيل وغيرهاتحقيقه في ظل نظام مدني يلقي رفضاً وممانعة.. قررت تحقيقه تحت راية إسلامية.. تحت راية "الله أكبر ولله الحمد.." لن تكون هناك ممانعة أو مقاومة.. تماماً كما زني جنود محمد علي وسرقوا. وجاهروا بالفسق في نهار رمضان تحت راية: "الله أكبر.. نحن مجاهدون".. وهكذا نعمل لأمريكا وإسرائيل الآن.. علاقات من أقوي ما يكون.. تنسيق علي أعلي مستوي.. انبطاح تام.. وكل هذا تحت راية: الله أكبر ولله الحمد.. نحن مجاهدون ولدينا رخصة وتوقيع رباني علي بياض بأن نفعل ما نريد.. نهدم البلد. نبيعه.. ندمر كل مؤسساته.. نمسح بكرامته الأرض.. نخطف ضباط الشرطة. ولا يعلم أحد مصيرهم حتي الآن.. نقتل جنود الجيش. نخطف رهائن من أجل الإفراج عن مجرمين.. نعلن سيناء إمارة إسلامية.. كل هذا مباح لأننا مجاهدون في سبيل الله.. والشعب المنافق لا يمانع ولا يقاوم.. لأن الفُسَّاق والمنحرفين والزُناة واللصوص يرون أن مجرد التعاطف والتأييد لمن يزعمون أنهم مجاهدون.. تكفير لذنوبهم.. تماماً مثل الذي يصلي ركعتي لله قبل أن يسرق ويصلي ركعتين شكر بعد أن تنجح جريمته. ويل للذين يخادعون الله ورسوله.. الله تعالي سيخدعهم ويفضحهم.. والمشكلة فينا.. هم يفتضحون.. وتصبح فضيحتهم بجلاجل. لكننا نبرر لهم وندافع عنهم.. لأننا أمثالهم منافقون.. لذلك أقول لكم "مافيش فايدة".. أقول لكم إن يوم مصر شر من أمسها.. وغدها شر من يومها.. وإنها إلي نُقصان.. لأن شعبها ينتحر. وهو يظن أنه ينتصر.. "يا ساتر.. ده إيه الفجور ده؟!!.. إيه النفاق ده؟!.. إيه الغباء ده؟!". * * * * لا تصدقوا كذبة الربيع العربي.. أو الربيع المصري.. إنه خريفنا وتخاريفنا.. بل هو الربيع الصيني. والربيع الإسرائيلي. والربيع الأمريكي.. "ربيع أي حد إلا احنا".. ربيع الصين التي تربح المليارات من طوفان السلع المضروبة والدراجات النارية المغشوشة والقاتلة التي تغزو بلد الخريف.. ربيع إسرائيل التي صارت زعيمة المنطقة وواحة الأمن والديمقراطية الوحيدة بها.. واسترخت ومددت رجليها لأنها الآن في أقصي درجات الأمان.. ربيع أمريكا التي تحولت من مواجهة الإسلاميين إلي احتوائهم وتنفيذ كل أجنداتها ومخططاتها تحت رايتهم ولحاهم!!!... نحن مشغولون ببعضنا عن إسرائيل.. حماس وفتح تكرهان بعضهما ولا تكرهان إسرائيل.. دولة في غزة.. ودولة في رام الله. وماتت فلسطين. دون أن تطلق عليها إسرائيل رصاصة واحدة!!.. إسرائيل تشاهد الفيلم العربي وتضحك وترقص.. فلسطين ماتت بنيران صديقة. لا بنيران عدوة.. مصر في النزع الأخير.. السوريون ينتحرون بشكل جماعي.. العراق دولة واحدة علي الورق. وعدة دول في الواقع.. ليبيا.. تونس.. اليمن.. لبنان.. كل هذه أسماء لمقابر جماعية لا لدول.. "وتقوللي ربيع؟!!... روح يا شيخ الله يسترك".. "ولسه بتقوللي الشعب العظيم.. والشعب العريق؟!!... طب بأمارة إيه؟!!" مَن مع مَن.. ومَن ضد مَن في مصر؟!!.. الوضع السييء يا أصدقائي سيستمر لأن هناك ملايين يستفيدون منه ويتربحون من استمراره.. وسيحافظون عليه.. جيش اللصوص والبلطجية ومقاولي الهدد. الذين يتاجرون في أنقاض الوطن.. "العربية الخربانة مش حتتحرك.. شالوا ألدو.. جابوا شاهين.. سيستمر الوضع المهين.. ستعيش دولة المماليك العبيد. الجلبان. الخصيان. مهما تغيرت أسماء السلاطين.. ولن ننجو ولن نبرأ إلا إذا اعترفنا بأننا مرضي.. وإلا إذا اعترف أهل مصر بأنهم نسوا أن يضعوا نقطة علي عين العريق.. وبأن الشعب العريق.. غريق!!! نظرة û سترتاح جداً وتهدأ إذا تعاملت مع من حولك علي أنهم مجانين ومختلون نفسياً.. لن تجد نفسك محتاجاً إلي الحوار أو الجدال أو "اللت والعجن".. لن تغضب أو تحترق أعصابك.. فالناس في بلدي فعلاً أصابهم خلل نفسي وعقلي.. نفس ادعاءات المجنون وهواجسه وهلاوسه وضلالاته.. نفس لعب المجنون بالنار.. نفس عدم تقدير المجنون للعواقب "واحنا ما عندناش عيب زي المجانين".. عندنا بلادة وحماقة المجانين.. تديُن أحمق.. وثقافة حمقاء.. وسياسة خرقاء.. وحكومات بلهاء.. ومعارضات "عبيطة".. وإعلام "ملحوس".. لا يمكن لعاقل في هذا البلد أن يتطرق إليه شك في أنه في وطن المجانين.. والجنون عندنا أصبح وباء.. والمرض النفسي شاع بشكل مرعب.. حتي الحب عندنا مجنون. وأطرافه مجانين.. والمجانين لا يعرفون العيب. ولا الحياء.. ويظنون أن الوقاحة جرأة.. وأن الحماقة شجاعة.. والغازات المسيلة للدموع لا تطردنا ولا تفرقنا. لأننا بلا دموع.. والطعنات لا تقتل الأموات. ولا تجعلهم ينزفون.. لأننا بلا دم.. وما كان يستحق الذبح بالأمس. أصبح مرتكبه الآن. يستحق المكافأة.. والغاز الوحيد الذي يمكن أن يؤثر فينا هو غاز الضحك.. ولكنه ضحك كالبكاء.. لأننا نضحك علي خيبتنا!!!