ما يحدث في سيناء الآن يحتاج لتفسير وتحليل حتي نستطيع فهم مجريات الأمور والأحداث علي الأرض خاصة بعد اختطاف سبعة جنود من الجيش والشرطة. وهما يمثلان الركيزة الأساسية لهيبة الدولة المصرية التي نالت منها أحداث الداخل عقب ثورة 25 يناير وذلك من خلال أضواء كاشفة تستدعيها الذاكرة من الماضي القريب. والحاضر الذي نعيشه. وحتي نفهم ما يدور وما يحدث الآن. لابد أن نستدعي ذاكرة الماضي القريب لتفسير ما يحدث. فالأمر ليس مقتصراً علي مجرد اختطاف سبعة جنود مصريين ولكن هناك أهدافا أخري وفخاخا. المطلوب الحقيقي منها والمقصود هو جيش مصر.. ولا يمكن أن نفصل حادث استشهاد 16 جندياً مصرياً عن اختطاف 7 آخرين فجر الخميس الماضي!! أتذكر وثيقة مهمة جداً من إحدي وثائق "ويكليكس" الشهيرة كشفت أن المشير طنطاوي القائد العام وزيرالدفاع السابق رفض محاولات أمريكية وصلت إلي حد الضغوط لتحويل الجيش المصري من جيش نظامي يستند لعقيدة قتالية باعتباره أكبر وأقوي جيوش المنطقة إلي جيش لمكافحة ومقاومة الإرهاب. المشير طنطاوي وقادة القوات المسلحة تصدوا بكل حسم وحزم لكل هذه المحاولات ورفضوها بشكل قاطع وكان السؤال الأمريكي الذي وصل إلي حد البجاحة: ولماذا تحتفظون بهذا الجيش وأنتم في معاهدة سلام مع إسرائيل. وقد انتهي زمن الحروب. أو انتهي ما كان؟!.. فكان الرد المصري لمؤسسة عسكرية عريضة: أن جيش مصر العظيمة يدافع عن حدودها ومقدساتها وترابها وأمنها. ولعلنا لا ننسي رسائل المشير طنطاوي "أن صديق اليوم. ربما يكون عدو الغد.. وأن السلام لا يعني الاسترخاء. فالسلام يحتاج لقوة رادعة تحميه. فلا مكان للضعفاء في هذا العالم". تفكيك الجيش ثم تكشف الوثائق والكتب التي صدرت مؤخراً أن المشير طنطاوي نفسه كشف لبعض المقربين أن هناك مؤامرة أمريكية غربية تحركها رغبة إسرائيلية عارمة لتفكيك الجيش المصري. وربما كان الهدف الأساسي من ثورة 25 يناير ليس صالح الشعب. ولكن استدراج وتوريط الجيش المصري في مواجهة مع الشعب خلال الثورة. بل وجرت محاولات عديدة للوقيعة بين الجيش والشعب. ولكن القوات المسلحة كان لديها من الوعي والإدراك لكل أبعاد هذه المؤامرة لذلك تحملت عن قناعة ووطنية ما لا تطيقه الجبال من إهانات بالغة ومحاولات تشكيك واستدراج واستهداف من فصائل شتي حتي التيار الإسلامي. بل وهو الأساس في ذلك. وكان آخرها محاولة اقتحام وزارة الدفاع بعد فشل كل المحاولات في استدراج الجيش. فذهبوا إلي مقر الوزارة محاولين اقتحامها. ورغم أن الجيش حاصر المتظاهرين والعناصر المتطرفة إلا أنه فتح لهم طريقاً للهروب في محاولة لمنع الصدام ووقوع ضحايا وطاردهم حتي غمرة. الأنفاق ثم تصدت القوات المسلحة في الشهور القليلة الماضية لكل عمليات ومحاولات انتهاك السيادة المصرية بهدم وتدمير الأنفاق غير المشروعة مع غزة وتهريب السلاح والبضائع والسلع المدعمة والمخدرات وكل أشكال العمليات غير المشروعة. لذلك رأت حماس أنه لابد أن تكون هناك وقفة أو عقاب. وهذا ما سنشرحه في السطور القادمة. أضف إلي ذلك أيضاً الضربات الناجحة والموجعة للقوات المسلحة في الشهور الأخيرة أيضاً في كشف وضبط وتحجيم عمليات تهريب الأسلحة سواء الصواريخ عابرة المدن أو كميات الذخيرة ومضادات الطائرات والدبابات وهي أسلحة لمواجهة جيوش. بالإضافة إلي ضبط الحدود والمنافذ والتصدي بنجاح لعمليات تهريب المخدرات علي الحدود. وهذا أدي إلي خنق المهربين ومن وراءهم وبالتالي لابد أن تكون هناك وقفة أو علي حد اعتقادهم عقاب للجيش وإظهاره بالعنف والعجز. والأمر المهم أيضاً أن الجيش والقوات المسلحة يتصديان لمحاولات بيع الأراضي المصرية في سيناء لغير المصريين بالقانون الذي أصدره الفريق أول السيسي بحظر بيع أو تملك الأراضي للأجانب والسماح بحق انتفاع للمصريين وحظر البيع أو التملك بعيداً عن الحدود ب 5 كيلومترات.. هذه الأمور لم تعجب البعض في الداخل أو خارج حدودنا لأنها تتصدي للمخطط. زد من الشعر بيتاً ما يتردد أو يقال في الأوساط السياسية والإعلامية أن الجيش يقف حجر عثرة أمام مشروع تنمية محور إقليم قناة السويس وفرض شروطه التي تتوافق مع الأمن القومي المصري ووجود دول مستفيدة وضاغطة لتنفيذ هذا المشروع برؤية خارجية تتطيح بهذه المنطقة خارج السيطرة المصرية. كذلك التقارب الشعبي مع الجيش وعودة اللحمة بين الطرفين واتجاه البوصلة الشعبية إلي القوات المسلحة والمناداة والمطالبة بتواجدها في المشهد السياسي. وهو الأمر الذي أعلنت القوات المسلحة علي لسان قائدها العام الفريق أول السيسي رفضها المشاركة أو التدخل في الشأن السياسي.. وهنا تبرز عملية محاولة التشويه للجيش وإفقاده صورته كفاعل وطني وقوة وطنية يستند إليها الشعب عندما يشعر بالغبن والظلم. خاصة في ظل نجاح قياداتها وعلي رأسها الفريق أول السيسي في استعادة ثقة الشعب في جيشه. رفع الكفاءة .. وقوة الردع الأمر المهم أيضاً أن القوات المسلحة خلال الفترة الأخيرة خاصة بعد تسليم السلطة لأول رئيس مدني منتخب. تفرغت تماماً لدورها ومهمتها الرئيسية والمقدسة في التدريب ورفع كفاءتها القتالية واستعداداها وصولاً لأعلي درجات الاحترافية والجاهزية في أداء المهام بمعدلات غير مسبوقة إضافة إلي عملية التطوير والتحديث في الأسلحة والمعدات بمعدلات مذهلة. وتبني سياسة الاعتماد علي الذات في مجال التطوير وتزويد القوات والأفرع الرئيسية بالسلاح الأحدث في العالم. وبما يتناسب مع المهام. ناهيك عن أن الجيش المصري هو بالفعل شكلاً ومضموناً هو الأقوي والأكبر في المنطقة بغض النظر عما تملكه إسرائيل من أسلحة ذات تكنولوجيا عالية.. إلا أن إجمالي المعايير والمتغيرات وموازين القوة يصب في صالح الجيش المصري. وهو الأمر الذي لا تعلنه قيادات القوات المسلحة في ظل ما وصلت إليه هذه المؤسسة الوطنية من نضج وسياسة في العمل في صمت وامتلاك قوة الردع المرعبة والمخيفة دون اتباع سياسة التهديد والوعيد التي كانت متبعة في الخمسينيات والستينيات دون سند حقيقي وواقعي. لكن السند موجود الآن. فالقوات المسلحة دون التطرق إلي تفاصيل هي قوة مكتملة الأركان. وتحقق الردع المطلوب براً وبحراً وجواً.. ليس بالسلاح فقط. ولكن بالتنظيم والعقيدة والقدرات والقوة البشرية والخبرات التراكمية علي مدار تاريخ طويل حقق لها قوة ردع تستخدمها فقط للدفاع عن هذا الوطن دون الاعتداء علي الآخرين أو تهديدهم بعيداً عن الصراخ والتهديد والوعيد الذي كان متبعاً في العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي. كل هذه المقدمة الطويلة والأسباب التي سُقناها أليست كافية أن يكون الجيش المصري هو الهدف والجائزة.. وأن توضع أمامه الفخاخ والألغام حتي تتحقق الأهداف بتحييد هذا الجيش والقوة الوطنية عن المشهد المصري لتحقيق أجندات ومخططات وأهداف التقسيم والسيطرة علي مقدرات وثروات هذا الوطن وتوظيفها لصالح الآخرين؟!! ما حدث في سيناء من اختطاف سبعة جنود بكل تأكيد هو فخ نصب للجيش المصري لإجباره علي التورط في مستنقع الإرهاب ومقاومة العناصر والبؤر الإجرامية المتطرفة ذات الأفكار الغريبة والشاذة وهو الأمر الذي أحبطه علي مدار العامين ونصف العام السابقين بعد اندلاع الثورة المصرية. وفشل المحاولات والمؤامرات لاصطياد الجيش المصري.. لكن هذه المحاولات لم تنته علي الإطلاق. ولابد أن ندرك أن الجيش المصري يعي تماماً هذا الفخ وأنه أيضاً لا بديل عن حسابات دقيقة تدار الآن في هذه المؤسسة الوطنية بعيداً عن العواطف والشعارات الحماسية. بكل تأكيد وليس علي سبيل الاتهامات. أمريكا وإسرائيل وحماس وبعض القوي في الداخل ليست بعيدة تماماً عن عملية اختطاف الجنود المصريين.. وهدفها ليس الإفراج عن سجين محكوم عليه بالإعدام فحسب. ولكن هناك أهدافاً سياسية وشيطانية تسعي لاستدراج الجيش المصري بعد أن أوتي له برموز التطرف والإرهاب والإجرام من كل فج عميق من أفغانستان وباكستان ودول أخري في سيناء لتكون ساحة المواجهة ظناً ممن خطط ودبر وساعد وأيد ووافق أن هناك عملية ستتم بنجاح لاستنزاف الجيش المصري بعد إجباره علي التورط في مواجهة مع الإرهابيين علي غرار مواجهات الإسلاميين الذين حشدوهم بواسطة المخابارات الأمريكية في أفغانستان لتدمير واستنزاف الجيش السوفييتي. ولن يكون الدعم قاصراً علي أمريكا. بل ستكون إسرائيل حاضرة ودول عربية صغيرة المقام والقامة. وجماعات الداخل في ظل محاولات مستميتة للتخلص من قوة الجيش المصري وإبعاده عن المشهد حتي يخلو لهم الجو وتكون المواجهة أسهل بكثير. للأسف الشديد أن الأشقاء الذين ضحينا بالغالي والنفيس من أجلهم يلعبون الآن ضد الجيش المصري الذي ضحي بأبنائه من أجل قضيتهم طامعين في دولة جديدة علي حساب الأرض والسيادة المصرية. وتحقيق امتداد لغزة في سيناء بعمق 720 كيلو متراً. علي أن تحصل مصر علي مثلها في صحراء النقب. وهذا الحديث ليس سراً الآن. بل هو في طور التنفيذ والعقبة الوحيدة أمامهم هو جيش مصر. لا يمكن لعاقل أن تمر أمامه كلمات جنودنا المخطتفين عبر الفيديو الذي بُثّ. مرور الكرام. خاصة جملتين: الأولي ما ذكر عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. أنه حديث حمساوي ترغب حماس من خلاله تحقيق نموذج جلعاد مع الجيش المصري. وتحقيقه. وفرض أمر واقع علي الأرض. بأن يصل عدد المختطفين إلي 11 ضابطاً وجندياً بإضافة الضباط الثلاثة وأمين الشرطة لمساومة الجيش المصري في قضية الأنفاق ولا يليق بمصر هذا الخطاب السياسي الرسمي حول عملية اختطاف الجنود. والحديث عن الحفاظ علي أرواح الخاطفين. حماس تريد أن تجلس أمام الجيش علي طاولة مفاوضات وتملي شروطها. وأعتقد ليس بشكل مباشر. ولكن الاتفاق مقابل الجنود. هذا ما سيحدث مع وعد المختطفين بالإفراج عن أوشتية ورفاقه القتلة. الأمر جد خطير.. ومعقد لا يُفهم أو يُفسر إلا من خلال دمج جميع الخيوط والمعطيات. الموجودة علي الأرض ليس فقط الآن ولكن منذ فترة ليست ببعيدة. في اعتقادي أن الجانب المصري أو المؤسسات السيادية والأمنية الحية لديها العديد من الأوراق لتربح الجولة بعيداً عن المواجهات العسكرية. ولعل أبرز هذه الأوراق ما أقدم عليه الجنود أمام منفذي رفح والعوجة بإغلاق المعابر والمنافذ. فالإنسان المصري أغلي من الجميع. وأخي أغلي من ابن عمي. وأيضاً لدينا العديد من الأوراق الضاغطة إذا كانت هذه المؤسسات جادة في التعامل مع هذا الملف. لدينا خصم لحماس. وهو فتح. ربما تكون البديل ومفتاح العلاج. فحماس ليست بالقوة والغرور الذي يسوق له البعض. لكن دعم بعض القوي الداخلية والخارجية مثل إيران ومن يفكر أن حماس قادرة علي مواجهة جيش بحجم وقوة وجبروت الجيش المصري. فهو واهم ولكن القرار لدينا عاقل ومبني علي حسابات دقيقة دون إفراط أو تفريط. أو تهور.. فالتحديات والتهديدات من جميع الاتجاهات تحاصر مصر. الجيش لا يجب أن يكون وحيداً في ميدان المعركة. ولكن الدور الأكثر قوة وحيوية والحسم سيكون لهذا الشعب. خاصة بعد أن نجح المتآمرون في إبعاده أو فئة منه بعدم فهم عن مساندة ودعم هذا الجيش الوطني.. الرهان الحقيقي علي دعم هذا الشعب للقوات المسلحة في مواجهتها الشاملة لكل الاتجاهات. وهو الذي سيقرر نجاح أو فشل هذه المخططات بدلاً من التشرذم والانقسامات.. عليهم التوحد للتصدي لما يحاك لمصر وربما إذا لم يفعل ذلك سيكون الندم هو البديل. أمريكا وإسرائيل لا يحلو لهما وجود قوة لمصر تدافع عنها.. وتقاوم مخططاتهما الشيطانية. ولا يمكن أن يتحمل الجيش وحده كل هذه الضغوط والمخططات والتهديدات. لذلك لابد أن يشعر رجال الجيش بتلاحم ومساندة هذا الشعب ووقوفه خلف القوات المسلحة. السؤال: مَن في الداخل يستهدف الجيش المصري.. ولماذا؟!.. وهل يقف الجيش حجر عثرة أمام رغبات ومشروعات؟!.. وهل هناك مخاوف من تنامي قوة العلاقة بين الشعب والجيش رغم أن الأخير يعمل بتجرد ووطنية؟!.. وهل بالفعل أن الجيش هو آخر اسم في الكشف لدي البعض؟!.. ولماذا الإصرار علي استدراج الجيش.. ولصالح مَن؟!! ماذا تريد الولاياتالمتحدة من جيش مصر؟!.. ولمصلحة مَن تريد تفكيكه واستنزافه؟!.. وهل تري إسرائيل أن الجيش المصري هو مصدر التهديد الوحيد في المنطقة بعد وفاة الجيوش العربية في العراق وسوريا وليبيا وتقسيم السودان؟!.. وهل تريد إسرائيل إنهاء القضية الفلسطينية. الصداع المزمن لها علي حساب الأراضي المصرية؟!.. وهل تري أن ذلك لن يتحقق إلا بتدمير الجيش المصري. والتخلص منه؟!! ماذا تريد حماس من الجيش المصري؟!.. هل أزعجها تدمير الأنفاق؟!.. هل تحاول الانفراد بالمفاوضات لإقامة دولة فلسطين بامتداد غزة علي حساب الأراضي المصرية؟!.. هل تريد تحقيق مساومة وفرض أمر واقع باختطاف الجنود المصريين ولي ذراع الجيش المصري؟!.. ولمصلحة مَن هذا الخطاب السياسي الركيك الذي يكشف عورات الحكم المصري واحتضانه لجماعات الإرهاب والتطرف والإجرام بعد عودة أكثر من 3 آلاف إرهابي ينتمون لتنظيمات هي الأشد والأكثر تطرفاً وإجراماً وتدريباً؟!.. وهل يتم تحقيق الرغبة الأمريكية بإعادة هذه العناصر إلي موطنها الأصلي لتفجيره بالمشاكل والأزمات. بل ومساعدتها سياسياً حتي تسيطر علي كل شيء. وتكون لها الكلمة العليا في أوطانها لتتخلص من صداع الإرهاب علي حسابنا وتصدير مشاكل هؤلاء إلي مصر بضرب 10 عصافير بحجر واحد بالتخلص منها وتحقيق أهدافها في سيناء وإظهارها أنها تحولت لبؤرة إرهاب وإظهار الجيش المصري بالضعف والعجز. أو استفزازه للتدخل.. وبالتالي رغبة في استنزافه؟!!