قبل نحو ألفي عام.. وهربا من غائلة الجهالة والظلم والظلام.. وفدت العائلة المقدسة إلي أرض مصر. حيث المودة والأمن والسلام.. فيما سجله الكتاب المقدس: "وبعد ما انصرفوا إذ ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلا: قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلي مصر. وكن هناك حتي أقول لك لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه. فقام وأخذ الصبي وأمه وانصرف إلي مصر وكان هناك إلي وفاة هيرودس لكي ما يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: من مصر دعوت ابني" انجيل متي من 13 إلي 15 الإصحاح ..2 وفي هذا النص ذكرت مصر ثلاث مرات مما ينبيء عن أن اتخاذ مصر بالذات مقصدا للعائلة المقدسة لم يأت من فراغ عاريا عن العلة والأسباب.. وإنما كانت حكمة السماء في ذلك واضحة لا تخفي علي ذوي الألباب.. فمصر ومنذ فجر التاريخ. هي الأرض الولود.. واحة الأمن والأمان حصن السلام ومستقر السكينة والاطمئنان. منذ تحدث عنها يوسف الصديق عليه السلام حين استقدم إليها أهله بعد فرقة الأحزان الآلام في قوله تعالي: "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين".. "والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه".. لهذا كان شعبها طيبا.. فطرته سوية.. عري الألفة والمحبة فيه وثيقة قوية.. شعب عرف طريقه إلي الفضيلة والاستقامة والإيمان.. حتي من قبل أن يتلقي تعاليم السماء.. أو يتعرف علي شرائع الأديان.. ولكم احتضنت مصر وآزرت وناصرت وصاهرت الصفوة من الرسل الكرام والعظماء الأعلام.. إلي أن شرفت بقدوم سيدتنا مريم العذراء البتول. ووليدها العظيم المسيح عيسي النبي الرسول.. استقبلها شعب مصر بالبشر والفرحة والترحاب.. سعد بمقدمهما سعادة غامرة تأخذ بمجامع الألباب.. وكانت مواطيء خطي السيد المسيح وأمه في الغدو والرواح.. مسرة غامرة لأهل مصر ومزارات تأنس لها الأرواح. وكأنما مصر قد استوعبت كلماته المقدسة سيدنا المسيح من قبل أن ينطقها بآلاف السنين. فعلمت علم اليقين أن الله محبة ورفعت لواءها في العالمين.. وإذا أحب السيد المسيح مصر وتعالت هي في محبتها للسيد المسيح.. حرص عليها وباركها ودعا لها وبشرها بالخير في قوله الحق: "مبارك شعب مصر" ومذ ذلك الحين عرفت الدنيا مصر المباركة المحروسة والتي أحسنت استقبال المسيحية والإسلام. المسيحية والإسلام وسيلتهما المحبة وغايتهما السلام. لذلك سرعان ما التحم اتباع عيسي مع اتباع محمد عليهما السلام. وعني نبي الإسلام أعظم العناية بأتباع أخيه عيسي. وأوصي بهم وأكد علي رعايتهم وتبرأ ممن يسيء إليهم ولا يحسن معاملتهم.. وجعل من نفسه خصما يوم القيامة لمن يؤذيهم أو يفتري عليهم.. ومن يومها توثقت عري الإخاء بين كل المصريين مسلمين ومسيحيين وتلاصق المسجد والكنيسة وتعانق الصليب والهلال.. وانتظم المصريون جميعا في نسيج محكم متين ذي قوة عند ذي العرش مكين.. يهاب قوته كل شيطان مارد ويبوء بالخسران أي حاقد عليه معتد فاسد.. وصارت مصر بنسيجها الوطني نموذجا فريدا تضرب به الأمثال.. ترنيمة حب تشدو بها الركبان.. ووسام عو وكرامة وشرفا يعلو صدور كل الأجيال. ومع ذكري قيامتك -سيدي المسيح- ليتنا نشهد قيامة الضمير العالمي.. الذي يغط اليوم في سبات عميق وليتنا نشهد قيامة العدل الذي هوت به لريح في مكان سحيق.. ليت الدنيا تشهد صحوة الإخاء الإنساني الذي جئت من أجله وبشرت به قبل نحو ألفي عام.. ليت البشرية تستعيد من جديد مبادئك الرائعة مع الترنيمة الملائكية السامية: "المجد لله في الأعالي.. وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة". ومن مصر أرض المحبة وحصن السلام.. عليك السلام.. يا نداء المحبة وبشير السلام