هذه المعركة المحتدمة في بلادنا الآن. * هل لها من منتصر؟! * ولها من منهزم؟! * وهل هي بالفعل.. معركة تخضع لقواعد "لعبة الصراع" وتلتزم بأحكامه؟! * ثم.. من هم أطراف المعركة الحقيقيون؟ * وما هو الموضوع أو القضية. التي يدور حولها الخلاف والنزاع والمواجهة؟! * ثم.. هل الدولة بمؤسساتها وكياناتها.. وسلطاتها.. طرف في كل هذا الذي يجري؟! * أم ان كياناتها ومؤسساتها وعلي وجه التحديد. بعض هذه الكيانات والسلطات.. هي من الاهداف التي تفجرت المواجهات والصراعات.. من أجلها وبسببها؟! * وإذا كانت الدولة ليست طرفا من اطراف المعارك والصراعات الدائرة.. فما موقفها منها وما دورها في احتوائها.. والسيطرة عليها قبل أن تصبح محاولات الاحتواء مستحيلة وتصبح السيطرة عزيزة وصعبة. أمام أي جهد؟ بداية.. ونحن نحاول الإجابة علي هذا العدد الكبير وغيره من التساؤلات.. نقول: * ان هذا الصراع الدائر.. والمعارك المحتدمة ليس فيها منتصر.. وان الكل خاسر ومنهزم.. فاللعبة كلها.. وبجميع ابعادها واطرافها "مجهولة الهوية" وغائبة الغاية والهدف. فلا يوجد أمر أو موضوع اختلف حوله الأطراف من البداية.. تم تحول هذا الخلاف إلي معارك وإلي صراع وصل بالبلاد إلي ما نحن فيه اليوم والمسألة علي عكس ذلك تماما فبعد المنافسة علي منصب رئيس الجمهورية في الجولة الأولي.. والتي خاضها عدد ليس قليلاً.. حسمت الجولة الثانية الأمر وتم انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيسا للبلاد وجاء اختيار الدكتور مرسي بمشاركة كاملة من جميع القوي والتيارات الوطنية.. بتنوعهم وتعددهم.. وبالتالي لم يكن التصويت والحسم لصالح الرجل.. من جانب التيار أو الحزب الذي خرج منه وتقدم للترشيح باسمه. وكما شاهدنا.. وعايشنا جميعا عملية الانتخاب.. ثم الفوز.. لم يحدث اعتراض أو تشكيك.. أو رفض وبالتالي.. لم تظهر علي سطح الساحة السياسية.. ساحة العمل الوطني.. أي مظاهر أو بوادر لخلاف أو صراع أو مواجهات وحروب سياسية.. اللهم إلا تلك التي وقعت: - بين السلطة الشرعية الجديدة المتمثلة في الرئيس المنتخب ديمقراطيا وهو د.محمد مرسي. - وبين السلطة التي كانت قائمة وتدير شئون العباد والبلاد طوال عام ونصف العام - تقريبا - وهي سلطة المجلس الأعلي للقوات المسلحة لكن هذه المعركة أو المواجهة أو صراع السلطة.. بين المجلس الأعلي وبين الرئيس المنتخب.. لم تصمد طويلا وتم حسمها نهائيا.. لصالح الشرعية الدستورية المنتخبة. لكن الملاحظ وبقوة.. ان "معركة الحسم" هذه.. قد استخدم فيها الطرفان.. "سلاح" ما أطلقوا عليه "الإعلان الدستوري" وهو نفس السلاح الذي استخدمه الدكتور مرسي الرئيس المنتخب.. بعد ذلك في تفجير الأزمة أو المعركة أو حتي الحرب الدائرة الآن.. ما أعنيه وأقصده هو: - ان مرسي الرئيس المنتخب.. رأس السلطة الجديد. - والمجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي كان مازال وقتها قابضا علي نصيب ليس قليلاً من السلطة.. كلاهما: * شهر في وجه الآخر.. "سلاح الاعلان الدستوري".. فقبل أن يتسلم الرئيس الجديد مسئولياته وقبل أن يقسم القسم.. بساعات أو بيوم.. أصدر المجلس الأعلي إعلانا دستوريا.. يحتفظ لنفسه من خلاله بنصيب هام من السلطة والمسئولية وهو "السلطة التشريعية". - لم يقبل الرئيس المنتخب هذا الأجراء.. الذي رآه ومن حوله ومعه من القوي السياسية والقانونيين.. قراراً غير شرعي ولم ينتظره كثيرا حتي أعلن سقوط هذا الاعلان الذي اصدره المجلس العسكري.. **** دخلت البلاد بعد هذه الجولة "الخاطفة" من صراع السلطة وحسمها لصالح "الشرعية الدستورية" المنتخبة.. دخلت مرحلة طبيعية.. تتحدث عن استكمال مؤسسات الدولة وأدواتها: - من وضع دستور دائم للبلاد. - من الاعداد للبدء في الدعوة لانتخابات تشريعية يتم خلالها انتخاب مجلس نيابي "مجلس الشعب". - ومن إعادة النظر في عدد من المؤسسات الهامة التي أصابها "التصدع" والخلل طوال المرحلة الانتقالية وفي أعقاب سقوط النظام السابق ورموزه العليا خاصة وزارة الداخلية. - هذا فضلا عن وضع الخطط اللازمة لمواجهة الخروقات الأمنية والسياسية التي اعتدت علي أمن البلاد داخل الوطن وعلي حدوده.. وتعبئة الجهود كاملة لمواجهة التهديدات والممارسات التي قام بها بعض الجماعات الجهادية والتكفيرية والعميلة في سيناء وغير سيناء. ولم يكن هناك.. وعلي الاطلاق أي نوع من الرفض أو الخلاف علي هذا كله وغيره.. ولم يكن هناك تصارع.. أو شبهة صراع.. هذه المرحلة - رغم قصرها - قد شهدت قبولا عاما.. قبولا شعبيا للرئيس مرسي.. هذه المرحلة القصيرة شهدت تحركا ملحوظا ومقبولا للرئيس.. خارج مصر وداخل مصر. واعتقد ان "المسحة الدينية" التي كسي بها الدكتور مرسي حديثه وخطابه.. قد لعبت دورا هاما في هذا الرضا والقبول.. بالإضافة إلي اتخاذه المساجد.. منبرا يتوجه من فوقه للناس.. لكن يبدو ومن خلال ما نشاهده ونتابعه اليوم.. ان الجرعة الدينية ومن خلال المساجد بساحاتها ومنابرها.. قد شككت وأثرت فيما أراد أن يذهب إليه د.مرسي. - فسرها البعض.. علي انها تعصب ديني. لا يقبله المصريون ولا يحبونه. - ورآها البعض.. ترويجا للاتجاه والحزب الذي خرج منه د.مرسي وهو جماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة. - وقرأها كثيرون.. باعتبارها.. انغلاقا ومخاصمة للحاضر وللمستقبل معا.. فلا رؤية للأمام ولا استفادة من التقدم العلمي والفكري والثقافي.. ولا محاولة للانفتاح علي العصر بكل ما فيه لنأخذ منه.. وننهل من انجازاته.. ولا قدرة أو لمحة في الخطاب الدائم علي ما رآه وتعلمه في الخارج. يوم ذهب. وعاش وحصل علي درجة الدكتوراه. - أيضا.. ان الرئيس.. وقد اختار الموقع والمكان الذي يلتقي فيه الناس ويوجه خطابه منه. لباقي أفراد الأمة بل والعالم.. الرئيس وهو يفعل ذلك.. نسي أنه "غارق" "ومنغرس" وسط وفي قلب أبناء الشعب.. من الفقراء والمحتاجين والمعوزين والمقهورين.. وسط الجوعي.. ووسط الباحثين عن عمل.. ووسط المتطلعين لمأوي والساعين من أجل فرصة للعلاج. نسي الرئيس ذلك تماما.. ولم يسعفه الخاطر.. ولا المستشارون أو العاملون معه.. وداخل مؤسسة الرئاسة ودواليب العمل بالدولة ليقدموا له.. خطة عمل سريعة وأخري طويلة الأمد.. وثالثة متوسطة تتحدث عن برنامج محدد وخطوات واضحة. تتحدث عن رؤية ومنهج.. قابل للتنفيذ وفورا.. من أجل إخراج الناس. من هذا الذي ينغص حياتهم.. ويتهدد أبناءهم.. لا شيء من هذا حدث.. وإنما ودائما كلمات عامة فارغة من أي مضمون.. كلمات تتحدث أكثر مما تتحدث عن الصدقات.. عن الإحسان.. عن العطف والرحمة.. وكأننا مازلنا في عصور ما قبل الميلاد.. وكأننا لم نتعلم ونقرأ عن برامج وخطط التنمية والتقدم والتخطيط والتدريب وكأننا لم نضع في برامجنا التعليمية والعلمية والثقافية .. وفي مناهجنا.. ومنذ دهور.. علوم الاقتصاد والصناعة والمالية وعدالة التوزيع واتاحة فرص العمل وبصرف النظر عن هذا كله وجدنا الرئيس وفجأة يصدر قرارا جمهوريا "منعدم الصلاحية" بعودة مجلس الشعب.. المنعدم الوجود.. ووجدنا الرئيس يصدر قرارا ضد النائب العام.. ثم كان.. ما قلب الدنيا رأسا علي عقب. كان اصدار الرئيس لما أطلق عليه "الإعلان الدستوري".. إعلان لغي كل السلطات الممنوحة أو المخولة لأي كيان في الدولة.. ليصبح الرئيس جامعا لكل السلطات.. مالكا لكل الصلاحيات.. بل ولاغيا لكل المؤسسات.. والتي لم يكن باقيا منها غير السلطة القضائية. **** عند هذه النقطة.. علينا أن نسأل: - لماذا أقدم علي هذه الخطوة الغريبة؟ - ولماذا الآن؟ خاصة وان الشيء المؤكد ان "المخالفات" أو التجاوزات السابقة قد تم احتواؤها ونسيانها.. خاصة عندما استجاب الدكتور مرسي لمشاعر الناس ولموقف المعارضين منهم لهذه القرارات فألغاها جميعا.. وكأنها لم تكن. أما أن يعود "بفرمانات".. أكثر حدة وقوة.. وبغير سبب معروف أو معلن.. وبغير مناسبة.. فلا أحد استطاع أن يدرك الأسباب.. أو يستوعب "الحدث" خاصة وان هذه القرارات وهذه "الإعلانات" التي بدت وأنها تصنع "دكتاتورا".. كانت في حقيقتها ومضمونها وجوانبها العملية..تنتقص من صلاحيات الرئيس مرسي.. الذي يجلس علي قمة "الهرم التنفيذي".. والذي يتولي مسئولية التشريع والذي يمتلك سلطات وامتيازات تأسيسية.. هذه الإجراءات التي صدرت والفرمانات التي أعلنت كانت لصالح مؤسسة أخري.. تتأهب للإمساك والسيطرة علي أجهزة الدولة وكياناتها الفاعلة.. ومعها يتحول الرئيس المنتخب إلي موظف بدرجة رئيس أو حتي بدرجة "ملك" أو سلطان أو مالك يملك ولا يحكم. أي أن تذهب السلطة ل "الجماعة".. لمرشدها ونائبه حيث يقوم هو بتوزيع المناصب والمسئوليات.. علي الأعضاء.. صحيح ان هذا التوزيع قد بدأ بالفعل.. في هدوء.. وفي سرية وبدون ضجة أو اعلان.. لكن المطلوب أن يكون الأمر علنياً.. وصريحا ومعلنا وعلي رءوس الأشهاد. وليكون التمكين للجماعة ولمرشدها ومساعديه جامعا. ومانعا.. كان لابد من خروج "دستور" تفصيل.. ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.. أيضا لابد من التعجيل بانتخاب برلمان وفق هذا الدستور.. وفي مناخ صياغته وإعلانه.. ومضمونه ومحتواه.. هنا تفجر الوضع.. هنا فغر الجميع "فاه".. تعجبا وحيرة.. فالكل مع الرئيس.. أحدا لا يشكك فيه أو يرفضه.. فلماذا هذا الهجوم الساحق؟ ولماذا هذا الاختطاف لحقوق الوطن؟ ولماذا كل هذا العدوان علي السلطة القضائية؟ وكيف يمكن تفسير هذه التصريحات المخجلة التي تفاخر بالتجسس وتنشر الشائعات.. وتوزع الاتهامات بغير حق ولا سند.. ثم ما معني نزول هذه الاعداد الضخمة لتحاصر مؤسسات قضائية عليا كالمحكمة الدستورية. "ميليشيات" تقبض علي المتظاهرين بصرف النظر عن الصح والخطأ في مظاهراتهم.. تقبض عليهم.. تضربهم. وتقتلهم وتربطهم في بوابات قصر الرئاسة.. وتبدأ في استجوابهم بالعنف والقوة بحثا عن اعترافات مزورة ضد البعض.. ثم بعد هذا يسلمونهم "جهارا نهارا" لأقسام البوليس والنيابة. والسؤال.. لهؤلاء "النفر" الذي يقوم بهذا كله.. هل هذه هي دولة الدستور والقانون التي جاءت برئيس منتخب؟ هل هذه هي دولة المؤسسات التي نسعي إليها؟ هل اغتصب أحد من الجماعة.. أو ممن فاز وحصل علي مناصب وأوضاع وأغلبية - مثل الشوري والجمعية التأسيسية - هل اعتدي أحد عليهم.. أو انتقص شيئا منهم؟ لماذا إذن.. كل ما أعلنوه وقاموا به؟ إذا كان هذا "انقلابا".. فهو انقلاب ضد الرئيس المنتخب.. وهو أحد زعماء. وإذا كان موجها ضد السلطة؟ فهو ضد سلطة الرئيس. وإذا كان استعجالا لغنيمة؟ واستعجالا لقيام "دولة الجماعة". فأغلب الظن.. أنهم تعجلوا كثيرا.. وأنهم أساءوا التقدير والحساب كما هي العادة دائما. فالواقع يقول.. بل ويؤكد.. ان الوقت كان ملكا لهم.. وان أحدا.. أو قوة لا تهددهم.. وان الرجل الذي يتعجلون رحيله.. أو يتعجلون تقليصه من جميع صلاحياته. هو رصيد لهم.. وان الطمع سيفقدهم جميعا كل شيء.. ****** نحن أمام موقف غاية الصعوبة.. نحن نعيش حالة بالغة الخطورة.. نحن نمر بأزمة.. فريدة في تركيبتها.. في أبطالها.. وفي مكوناتها.. وفي أسبابها.. وأهدافها. كيف يخرج وزير العدل مدافعا عن قرارات الرئيس غير الشرعية وغير القانونية ويقول في "مرافعته"!! ان الرئيس قال له تبريرا لفرمان الإعلان الدستوري.. ان خياره الآخر.. كان إعلان حالة الطواريء.. واعتقال المعارضين.. لكنه لم يفعل حقنا للدماء.. "بالذمة" هل يمكن قبول مثل هذا الكلام من قطب من أقطاب القانون والقضاء. هل يختلف المنطق الذي يتحدث به نائب رئيس الجمهورية وهو قاض كبير عن هذا المنطق الذي تحدث به أخوه وزير العدل؟ هل صحيح انه لم يعرف بما انتوي عليه الرئيس وأنه فوجيء.. وإذا كان.. فلم يستمر في مكانه؟ ظل الرجل في مكانه.. هو وغيره.. وتحركوا وضغطوا واقنعوا الرئيس بالتخلي عن الاعلان الصادر في 21 نوفمبر. فهل يصح أن يوقف العمل بإعلان.. ليصدر إعلان آخر.. هل يمكن أن يصدر الرئيس قرارات جمهورية اقتصادية.. وتعلن في الجريدة الرسمية.. ثم تلغي أو توقف بعد بضع ساعات.. والدولة كلها مجتمعة.. والبلاد في حالة تأهب واستنفار.. ونائب الرئيس وأخوه وزير العدل يمسكون بأمور كثيرة.. ثم نقول ان هناك دولة.. وان هناك مسئولين تحيط بالرئيس وتساعد في اتخاذ القرار الصائب. هل مع كل هذه الفوضي.. وهذا العبث يصح ان يخرج القضاة والمستشارون المحيطون بالرئيس كالدكتور العوا وغيرهم ليقولوا ان الرئيس لا يستطيع تأجيل الاستفتاء لأن ذلك مخالف للقانون!! أو للمادة 60 من إعلان 30 مارس .2011 ان هذا الاصرار علي الاستفتاء يكاد يكون مؤامرة.. من أجل قطع الطريق أمام التوافق أو مؤامرة لجر الأطراف لمذبحة لا يعلم الا الله مداها.