يشكل الاجتماع الذى استضافه رئيس المجلس الإسلامى الأعلى فى العراق "عمار الحكيم" مساء السبت، لقادة الكتل العراقية لبحث الأزمة السياسية المتنامية التى تحولت لموجة تفجيرات تحصد أرواح الأبرياء يوميا، بارقة أمل وإشارة رمزية بالغة الدلالة إلى أن زمن الحل لم ينته تماما، وأنه يمكن الاتفاق حول مشروع وطنى جامع يلملم جراح بلاد الرافدين من الطائفية. إلا أن غياب رئيس إقليم كردستان مسعود بارزانى، وزعيم "القائمة العراقية" أياد علاوى عن الاجتماع وانقلابه لساحة لتبادل الاتهامات وتكريس التناحر بين المتخاصمين، فضلا عن أنه مبادرة ليست دستورية، ألقى بظلال من الشك على نجاح الاجتماع. العملية السياسية فى العراق فى حاجة إلى إصلاح جذرى بعد أن وصلت إلى طريق مسدود لأسباب كثيرة، على رأسها المحاصصة الطائفية التى حذر منها العقلاء منذ البداية، فجوهر المشكلة فى العراق أن المعارضة تتمسك بصيغة الحكم التى أقرت فى مؤتمر لندن عام 2002، وملخصها حكومة مركزية مختصرة بصلاحيات اتحادية محدودة، وحكومات محلية وفيدرالية قوية وفاعلة بصلاحيات محلية واسعة، فيما يصر المالكى على إعادة إنتاج الحكم المركزى، لأنه يرى أن الحكم اللامركزى سيفتت البلاد سريعا. لكن تداول حلول داخلية لن يخرج فى النهاية عن تضحيات كبيرة سيكون على المالكى أكثر من غيره تقديمها، إذ تعتبره شريحة واسعة تمسكت بتجديد ثقتها بحكمه، قائدا شيعيا كبيرا حقق إنجازا باهرا عام 2008 بدحر الحرب الأهلية، لكن خصومه يؤكدون أنه تسبب فى المقابل بانتكاسات أكبر قد لا تكون الحرب الطائفية آخرها. وأغضب المالكى شركاءه وخصومه عام 2008 عندما احتكر لنفسه انتخابيا ثمرة الإنجاز الأمنى بإنهاء الحرب الأهلية، ويحاول الخصوم معاقبته على هذا الخطأ بتحميله وحده مسئولية نشوب حرب أهلية جديدة، ويحاولون استثمار مخاطر تلك الحرب انتخابيا أيضا، لكن تجاوز المرحلة الصعبة الحالية لا يبدو ممكنا، من خلال المالكى نفسه ولا من خلال حزبه (الدعوة)، ما يعنى أن نتائج انتخابات عام 2014 لن يكون لها أثر كبير فى تقرير مصير ولايته الثالثة. تكريس التناحر ورغم أهمية الاجتماع باعتباره مبادرة هى الأولى نحو الحل، إلا أن تحوله لمناسبة لتبادل الاتهامات وتكريس التناحر فاقم المشكلة، حيث كان المالكى يريده اجتماعا رمزيا يهدف لإذابة الجليد، من دون فتح ملفات حساسة، إلا أن إثارة بعض المشاركين لسياسة المالكى وعواقبها فاقم المشكلة، فكتلة "متحدون" برئاسة النجيفى فتحت ملفات مطالب المتظاهرين فى المناطق الغربية والتدهور الأمنى، ومفهوم الشراكة الوطنية. التضارب العميق فى جوهر الحكم لم يحسم فى اجتماع القوى السياسية، فالمشاكل فى حاجة إلى إعادة إنتاج طويلة الأمد لرؤية وتوجهات وطموحات الطبقة السياسية، وفى حاجة إلى توافق إقليمى ودولى قد يكون صعبا، فتحقيق استجابات مقبولة شيعيا وكرديا لمطالب السنة، وإعادة الثقة بقوات الأمن والجيش لمواجهة القاعدة والمليشيات التى نشطت بشكل لافت أخيرا، وتحاول تكريس نفسها بديلا للعملية السياسية، يشكل صعوبة بالغة لوصول المجتمعين لصيغة توافق. كما أن مصطلح "التوافق" -الذى ترجم عراقيا إلى "المحاصصة"- يحتاج إلى إعادة تعريف بدوره، فقد لا يكون مسموحا فى مثل هذا النظام لزعيم أو حزب أو طائفة التفرد بالقرارات الكبرى على حساب الشركاء فى الوطن، لكن ذلك لا يعنى تحويل الحكم إلى "غنيمة" تتقاسمها الأحزاب، فالأخطار الكبيرة التى تحدق بالعراق الجديد حاليا تفوق سقوطه فى سنوات الحرب الطائفية جعلت شهرى إبريل ومايو الماضيين الشهرين الأكثر عنفا منذ 3 سنوات.