لا تزال تداعيات جريمة الهجوم المسلح الذى قام به تحالف "الجبهة الثورية" المعارض على مدينة "أم روابة" جنوب غرب الخرطوم، تتصاعد سياسيا، بعدما أبدى الكثير من القوى السياسية غضبها بسبب تراخى أداء القوات المسلحة التى سمحت بدخول القوات العسكرية للجبهة الثورية إلى داخل كردفان، كما أدان العديد من المؤسسات الدولية والعربية الهجوم الذى يهدد مسار التسويات السلمية فى الجنوب والغرب والشرق. من جانبها، طالبت جماعة الإخوان المسلمين بالسودان بدعم الجيش بكافة الإمكانات لفرض الأمن وحماية المواطنين، مع ضرورة الإسراع بحوار وطنى موسع لا يستثنى أحدا للخروج بالبلاد من النفق المظلم الذى تسعى أطراف إقليمية ودولية لزج البلاد فيه. وكان الهجوم الذى وقع يوم السبت الماضى بعد ساعات من انتهاء جولة المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية (شمال) فى أديس أبابا والتى يرعاها رئيس لجنة الوساطة الإفريقية "ثابو مبيكى"؛ حيث شن مقاتلو ما يُعرف ب"الجبهة الثورية" هجوما عسكريا على مدينة أم روابة وقريتى السميح والله كريم فى ولاية شمال كردفان (نحو 400 كيلو متر غرب العاصمة الخرطوم)، شارك فيه نحو 40 عربة مصفحة، ويعد هذا الهجوم الأكبر بعد انحسار القتال لفترة طويلة فى ولايات دارفور الثلاث وفى ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق على الحدود مع جنوب السودان، وهى المرة الأولى فى تاريخ المدينة -التى لم تتعرض من قبل لأى هجوم أو اعتداء من أى حركة مسلحة- فى مؤشر جديد على إصرار المتمردين على إشعال "قلب" السودان فى المدن والقرى فى قطاع الوسط، لقطع الطريق على جهود الحكومة فى معالجة الملفات الملتهبة فى الغرب والشرق.. والجبهة الثورية السودانية تحالف يضم حركات دارفور الرئيسية (العدل والمساواة وتحرير السودان مناوى وتحرير السودان عبد الواحد نور، إضافة للحركة الشعبية لتحرير السودان شمال السودان التى تقاتل الحكومة فى ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق). واستهدف الهجوم الضغط على الحكومة السودانية التى تتمسك بالسيطرة على الأراضى التى تسعى الحركة الشعبية الشمالية بزعامة ياسر عرمان لنزعها وإخلائها من القوات الحكومية مع ضمان تدفق وصول الدعم والمساعدات إليها، وهو ما رفضه المفاوض الحكومى فى أديس أبابا بعد إعلان ياسر عرمان أن (الحركة الشعبية تسيطر على 40% من المناطق الحدودية بين السودان ودولة جنوب السودان)، وهو ما أثار استياء المراقبين والوسطاء فى المفاوضات، الأمر الذى اعتبره وفد الحكومة "يهدف لإفساد العلاقة بين دولتى السودان بعد المؤشرات الإيجابية والتقدم الملحوظ فى مسيرة إكمال بنود الاتفاق ونتائج زيارة البشير الأخيرة إلى جوبا. فيما رأى وزير الإعلام السودانى أحمد عثمان أن الهجوم يعد مخططا تقوده إسرائيل لاستهداف عملية السلام وإجهاض نجاحاتها التى تمت، مشيرا إلى أن إسرائيل ترتبط بصلة وثيقة مع المتمردين الذين نفذوا الهجوم، لافتا إلى تصريحات سابقة لنائب وزير الحرب "الإسرائيلى" قال فيها: "إنه لن يترك السودان ينعم بالسلام ولن يسمح بإطفاء الحرائق فى السودان". ولعل تشدد الحركة الشعبية فى مفاوضاتها بأديس أبابا والهجوم المسلح يصب فى اتجاه نزع ورقة من المفاوض السودانى خلال زيارته المرتقبة لواشنطن؛ حيث أعلنت الإدارة الأمريكية سابقا أنها ستوجه دعوة لحزب الرئيس "المؤتمر الوطنى" لزيارة واشنطن وإجراء جلسة الحوار السودانى الأمريكى لمناقشة عدد من القضايا تتعلق بالمفاوضات الجارية مع قطاع الشمال فى أديس أبابا، بجانب أزمة دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وتنفيذ الاتفاقات مع جنوب السودان، إلى جانب إصلاح النظام السياسى عبر انفتاح الحكومة لتشمل أحزاب المعارضة بجانب مواصلة إصلاح دستورى شامل وهادف -وفق القائم بالأعمال الأمريكى بالخرطوم جوزيف استافورد.