"ليلة فى حب مصر" عاشتها الجالية المصرية بالرياض، فى مهرجان للجالية الذى نظمته "جمعية نادى المصريين" الجمعة الماضية فى واحد من أكبر المتنزهات بحى الثمامة شمال شرق العاصمة الرياض، تحت إشراف السفارة والقنصلية وصندوق رعاية المصريين، وبمشاركة ودعم ومساندة 26 رابطة وجمعية مهنية وإقليمية التى تشكل قوام منظمات المجتمع المدنى فى السعودية. المهرجان هو الحادى عشر الذى تنظمه الجالية بالرياض، ولكن الأول بعد ثورة 25 يناير، فخلال العامين الماضيين توقف تنظيم هذه المهرجانات لانشغال الجميع بوطنهم ومتابعة التطورات المتلاحقة للمرحلة الانتقالية، والانشغال بالانتخابات البرلمانية بمراحلها المختلفة -الشعب والشورى- والرئاسة -بمرحلتيها- والاستفتاء على الدستور، التى سمح فيها للمصريين فى الخارج الذين يزيد تعدادهم عن الثمانية ملايين لأول مرة بالانتخاب؛ لذلك تبارى الجميع ليخرج المهرجان فى أبهى صورة، ويقدم المصريون بحضارتهم العريقة وثقافتهم والتزامهم بقيمهم، واحترامهم لأنظمة البلاد التى يعيشون فيها الأنموذج الذى يحتذى به . لقد احتشد أكثر من 15 ألفا من المصريين فى الرياض، والبعض جاء من المحافظات المجاورة منذ الصباح الباكر فى المتنزه، يجمعهم الحب والتآلف والتعاون والأخوة فى المستقبل والمصير، جمعتهم غربتهم عن الوطن الذى يعيش فيهم حيثما حلوا، ويعيشون فيه بأرواحهم وقلوبهم، ملحمة شعبية مصرية، صغار وكبار فى السن، عزاب -مصطلح شائع فى الخليج- وعائلات، عمال وفنيون وأطباء ومهندسون وصيادلة ومدرسون وإعلاميون ورجال أعمال ومستثمرون مصريون وحرفيون، الطيف المصرى بكل ألوانه ومستوياته التعليمية ومناطقه الجغرافية، التمثيل الرسمى من رأس البعثة الدبلوماسية السفير المصرى بالرياض والقنصل العام وأعضاء البعثة الدبلوماسية، مع الشعبى والمجتمع المدنى والتطوعى، آكلات مصرية وأناشيد مصرية وأغان مصرية، وكل شىء مصرى. تظاهرة فى حب وعشق مصر، أجمل وأغلى وأحلى وطن من أكبر جالية مصرية بالخارج، قوامها 1.7 مليون، من العاشرة صباحا حتى الثانية عشرة ليلا، حفاوة فى الاستقبال من لجان النظام والاستقبال بدءا من الإرشاد إلى مواقف السيارات وبوابات الدخول، ولافتات الترحيب، وأعلام مصر فى أيدى الصغار والكبار، والبسمة التى تكسو وجوه الجميع، إلى لجان الخدمات والدعم والمساندة والإشراف على المهرجان، التى بلغ أعداد المشاركين فيها أكثر من ألف مصرى، كلهم متطوعون لإنجاح هذا العرس الجماهيرى الحاشد، إلى فرق الإنشاد والغناء والكوميديا، وفى مقدمتهم فرقة "عشاق مصر"، برئاسة الفنان العذب أسامة أبو المكارم، وألحان الموسيقار حسن شهاب، وملحمة الزهراوات الذين صعدوا للمسرح المعد للاحتفال بفساتين العرائس، وشباب "ألتراس جالياوى" -نسبة إلى الجالية- الذين أدخلوا البهجة فى القلوب بأغانيهم وحركاتهم الجميلة، وقوتهم فى الأداء. وشاركت جمعية الأطباء المصريين بمركز طبى شامل فى المهرجان، بأطباء واستشاريين وسيارات إسعاف بها كل التخصصات؛ تحسبا لأى طارئ، ورابطة الإعلاميين بنقل فعاليات المهرجان بالصوت والصورة على مواقع التواصل الاجتماعى ببث مباشر، وغيرها من الروابط والجمعيات؛ مما أسهم فى إنجاح المهرجان، الذى لم تسجل فيه أى مخالفة رغم هذا العدد الضخم، والتنوع فى الحضور. كنا نتمنى أن نقرأ ونشاهد تغطية إعلامية من الصحف والفضائيات المصرية الخاصة والمستقلة والحكومية فى وطننا لمهرجان الجالية وفعالياته وبرامجه، وروح الألفة والمحبة بين المصريين فى الخارج، ويشاهد إخوتنا فى وطننا الأنموذج للمصريين فى الخارج ليحتذى به فى الداخل، بدلا من حالة السيلان فى نشر الأخبار السيئة والمسيئة لمصر وأهلها وتصفية الحسابات فى تخريب الوطن ومخططات إسقاط الدولة، وتحويل الخلاف السياسى بين أبناء الوطن إلى صراع وقتال وقنابل مولوتوف وزجاجات حارقة، طالت المبانى والمؤسسات والمنشآت الحكومية والأهلية والخاصة والحزبية، بل حتى بيوت الله لم تسلم من المعتدين والمجرمين الذين تفننوا فى حشد البلطجية وأطفال الشوارع، إثارة الرعب والفزع بين الناس، فلم يسلم منه موظف ذاهب إلى عمله فى مترو أو من يستقل سيارته ويسير فى شارع أو طريق أو مسافر فى قطار أو حافلة أو باص، ناهيك عن السباب والشتام والتطاول والألفاظ البذيئة واللعنات التى طالت الكبير والصغير، دون وازع من ضمير أو أخلاق أو قيم أو تربية؟ للأسف الشديد لم نجد من فضائيات وإعلاميى الفلول والنظام المخلوع والمدعومة من مافيا السلب والنهب والاستيلاء على الأراضى، وغسيل الأموال والموجهة طائفيا، سوى النظرات السوداوية الكئيبة وتيئيس الناس؛ لدفعهم إلى الترحم على نظام مبارك الفاسد، وإشاعة الفوضى والاضطرابات وإشعال الحرائق، وتأجيج المشاعر، والتعدى على الشرعية القانونية والدستورية، وإسقاط هيبة رموز الدولة. لقد فقد سياسيون وإعلاميون البوصلة، وساروا فى طريق الغى والبغضاء والشحناء وتصفية الحسابات، ولا تطربهم إلا أخبار النكبات والكوارث والمصائب والبلايا والرزايا، ولم يعد يرون إلا السواد الحالك المظلم، فكل شىء سيئ، وكل تصرف شائن، وكل قول غير قولهم خاطئ، أما أى عمل جيد أو حسن فلا يرونه ولا يعتدون به، ولا ينظرون إليه حتى من طرف خفى، فقد تملكت قلوبهم البغضاء، وتأزمت نفوسهم، وضاقت عليهم مصر بما رحبت، حتى وجدنا منهم من يستعجل تدخل الغرب، وأن يفرح لتهديدات قطع المعونات، ومن ينساق وراء دعوات الأعداء الذين يريدون النيل من مصر وشعبها العظيم وثورتها المباركة التى أعادت إلى الشعب حريته واكتشاف ذاته من جديد. إن من يراهنون على المشكلات وصعوبة المرحلة للقفز على الشرعية واهمون، فالشعب الذى انتخب رئيسه وأعطاه الشرعية والمشروعية، ووافق على دستوره، قادر على أن يحمى كل ذرة من تراب مصر، وليذهب من صوبوا وجهتهم ورهانهم للخارج إلى الجحيم.