لم تشهد مصر أو إحدى الدول العربية حوارا وطنيا يجمع بين كل الأطياف السياسية مثل هذه الآلية على طريق الديمقراطية الحادثة فى مصر هذه الأيام. إن الحوار الوطنى علامة مضيئة على طريق الديمقراطية، وهو آلية حضارية، حوار محوره ضمانات نزاهة وشفافية انتخابات مجلس النواب المقبل، وهو فى الوقت ذاته تأكيد من رئيس الدولة وحرص منه على خروج هذه الانتخابات بأكبر قدر من النزاهة والشفافية، إن المشاركين فى هذا الحوار هم مصريون يعرفون للوطن قيمته وقامته، وهم المؤمنون بمسيرة الديمقراطية، فهم يعملون من أجل هذا الوطن، ومن أجل المستقبل الآمن ومصلحة الوطن، ولأنهم يعرفون أننا معا قادرون على العبور الآمن نحو مستقبل مشرق، يتسع للجميع، إنه حوار وطنى بناء تحرص فيه الدول على إنجاز انتخابات برلمانية قادمة بأكبر قدر من النزاهة والشفافية، تشارك فيها وتساندها وتحميها القوات المسلحة، ووزارة الداخلية، تأمينا وحراسة للحرية والنزاهة والشفافية، وهى انتخابات تتمتع بالإشراف القضائى المستقل حتى يعتدل الميزان، وتشارك فى هذه الانتخابات -المقبلة بالخير إن شاء الله- نخبة من القائمين على حقوق الإنسان داخل الوطن وخارج الوطن ومؤسسات المجتمع المدنى، وممثلو الأحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها وأيديولوجياتها، والشخصيات العامة قوميا ودوليا. إن اللجنة العليا للانتخابات ستضع فى حساباتها ما تتوصل إليه جلسات الحوار الوطنى من توصيات ومقترحات تتعلق بنزاهة الانتخابات وشفافيتها ومصداقيتها، إن شفافية الانتخابات مرهونة فوق ذلك كله بتحديد سقف تكلفة الدعاية الانتخابية وتدقيقه، ووضع آلية غايتها تنظيم العلاقة بين الأحزاب السياسية واللجنة العليا للانتخابات، ومدارسة أهمية تطبيق الصمت الانتخابى وأحكامه أمام لجان الاقتراع، ثم إعلان أسماء مندوبى اللجان الانتخابية والسماح بالطعن عليهم، وإتاحة فرصة واسعة لتغطية وسائل الإعلام المملوكة للدولة بشكل يضمن عدالة التغطية للأحزاب المتنافسة كافة. إن هذا الحوار الوطنى يمتد أيضا إلى التشاور مع جميع القوى السياسية حول الملفات الاقتصادية، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، ومطالب الأقباط المواطنين الشركاء فى هذا الوطن الذى يتسع ليحتضن الجميع. إننا لا ننكر جدلا واسعا بين من يهتمون بمصلحة الوطن وتقدمه واستقراره، ومن يهتمون بمصالح فئوية ومصالح شخصية ومصالح أحزابهم التى لا تحظى بتأييد شعبى فى الشارع السياسى، حيث انحصروا فى الحوار بين النخبة تاركين أصحاب المصالح الحقيقية من أبناء مصر الثورة دونما اهتمام أو التفات؛ لأنهم كما يعتقدون أنهم من الطبقة الدنيا التى يقدرها ويعظم قدرها غيرهم من الأحزاب الجماهيرية الشعبية الحقيقية، بل إنهم لا يقدرون أن مصر تعيش وضعا حرجا غير عادى، وأن مصر تمر بمرحلة دقيقة وعصيبة تتطلب العمل معا من أجل مصلحة الوطن، إن سلوك الانعزال وعدم المشاركة يعبر بصدق عن غياب دلالة الديمقراطية وتقاليدها العتيقة، خاصة أن الدولة تقر وتعمل دوما من أجل توفير كل الضمانات اللازمة لحريتها ونزاهتها وحيدتها، وبأنها خطوة إلى الأمام، وقد نسى هؤلاء الفرقاء أن الانتخابات وسيلة للتعبير عن الإرادة الشعبية الحقة، وليست غاية فى حد ذاتها أو أداة لإعادة إنتاج سلطة معينة. إن شباب مصر وشيوخها، بل أطفالها أصحاب الثورة الحقيقيون ينتظرون مشاركة فاعلة فى انتخابات مجلس النواب القادمة، متسلحين بإرادة قوية وطنية، ويقفون بحزم وحسم أمام الذين ركبوا قطار الفوضى السريع، وراحوا يتحدثون باسم الثورة أمام الكاميرات بابتساماتهم المزيفة التى يغلفون بها تصريحاتهم، وهى غير قابلة للإقناع. إن الانتخابات البرلمانية قد تكون فرصة ذهبية أمام المعارضة لإحداث التغيير السياسى إذا أدركت ووعت وأحسنت وخططت جيدا، ذلك أن المقاطعة فعل سلبى وخطأ إستراتيجى من شأنه أن يبقى الأوضاع على ما هى عليه، وفى المحصلة النهائية فإن مصر تخطو خطوات واسعة على طريق الديمقراطية من أجل مستقبل آمن، ومن أجل المزيد من الحرية والرخاء والاستقرار.