يخطئ من يظن أنه من الممكن أن تكون الحركة الوطنية فى مصر شيئًا آخر غير الهوية العربية الإسلامية. إن الحركة الوطنية فى فكر قادة الوطنية المصرية الحقيقية هى إسلامية الهوية، يقول مكرم عبيد عن نفسه: "أنا مسيحى دينًا ومسلم وطنًا"، وحتى سعد زغلول زعيم ثورة 1919 الذى يريد البعض أن يصوره على أنه علمانى وهو من تلاميذ جمال الدين الأفغانى والإمام محمد عبده، وكان عضوًا هامًّا فى "فئة المنار" التى كانت تضم أزهريين وأدباء وسياسيين ومصلحين اجتماعيين ومدافعين عن الدين، وكان أيضا من قيادات الحركة الوطنية فى مصر أمثال محمد فريد ومصطفى كامل، وهما من أنصار الهوية الإسلامية للحركة الوطنية فى مصر والعالم العربى، ومن قبلهما كان أحمد عرابى. إن الكثير من الدول الكبرى قد حاولت أن تكوِّن حركات وطنية مصرية غير إسلامية وفشلت فى ذلك بعد أن استخدمت كل الوسائل وبذلت فى تحقيق هذا كل الإمكانات.. فلقد حاولت بريطانيا فى مصر مدة ثمانين عاما وفشلت، وحاولت فرنسا "فرنسة" الجزائر وفشلت، ولقد حاول الغرب "أَوْرَبة" العالم العربى كما قال (باول شمتز) أى أن يكون العربى أوروبيًّا فى تفكيره ونظمه وأسلوب حياته، ولكنه فشل، وحاولت أمريكا "أمركة" العالم العربى من خلال ما أسموه "حرب الإرهاب" وفشلوا فى ذلك أكثر من فشل الغرب. ولقد قام مستشرقو الغرب بعملية غسيل مخ لطه حسين، فحاول من خلال موقعه بالجامعة ووزارة المعارف أن يُقنع النخب الوطنية بأن يأخذوا الثقافة الغربية بخيرها وشرها، فتمت مقاومته بقوة وفشلت محاولات الغرب من خلال طه حسين وأمثاله فى تحويل مصر إلى دولة علمانية، وفشلوا مع طه حسين نفسه، حيث عاد إلى هويته الإسلامية، وعاد فى آخر حياته يدعو العالم العربى إلى أن يتمسك بتاريخه وتراثه الإسلامى فقال: "والمستعمرون فى هذا العصر الحديث يوشكون أن يفرضوا على العرب ضروبًا من العلم قد تخرجهم من الجهل، ولكنها ستقطع الأسباب حتمًا بينهم وبين تاريخهم، وتفنيهم فى الأمم المستعمرة إفناءً"، ثم يقول أيضًا: "وسبيلهم إلى اليقظة الخصبة واحدة لا ثانية لها، وهى أن يذكروا ما نسوا من تراثهم القديم، لا ليقولوا إنهم يذكرونه، بل ليعرفوه حق معرفته، ويفقهوه جد الفقه.. والثانية أن يستدركوا ما فاتهم من العلم الحديث". راجع آخر ما كتب فى (فى مرآة الإسلام، دار المعارف 1959). يخطئ من يظن أن الأحزاب العلمانية يمكنها تحويل مصر إلى دولة علمانية تعادى تحكيم الشريعة، فما فعله العلمانيون بقيادة كمال أتاتورك من تغيير المعالم الإسلامية لتركيا كان باستخدام قوة السلطة وجناحى الدولة (المحكمة الدستورية العليا، وقوة الجيش)، وكانت هناك فئة ضعيفة تقاوم تمكين العلمانية فى كل مؤسسات تركيا وشكلت حزبا قاده الدكتور أربكان، وبدأ يقوى ويحقق بعض الانتصارات، ولكن كانت المحكمة الدستورية تقوم بحله؛ بحجة أنه حزب إسلامى وإذا وصل الحزب إلى السلطة يقوم الجيش بعمل انقلاب عليه، وبعد أن نجح حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان بدأت تركيا تعود إلى الإسلام فى كثير من نواحى الحياة، لأن دعاة العلمانية هناك لم ينجحوا فى تحويل الشعب التركى إلى العلمانية التى لا ترى الدين إلا صلاةً وصيامًا بعيدًا عن شئون الدولة، وبعد منع الحجاب بدأ الحجاب فى الجامعات والمؤسسات وبدأت تركيا تعود إلى إسلامها. إن الديمقراطية التى يتشدق بها العلمانيون هى التى جاءت بالإسلاميين إلى مجلسى الشعب والشورى ورئاسة الجمهورية، فلماذا لا يرحبون بحكم الديمقراطية؟! فهم يزعمون أنهم يحبون الديمقراطية ولكنهم يكرهونها إذا جاءت بالإسلاميين وحكم الشريعة الإسلامية! إن أكبر قيادات المسيحية فى مصر مثل الأنبا شنودة سمعناه كثيرا وهو يردد ومعه قيادات مسيحية أخرى أنهم ليسوا ضد المادة الثانية من الدستور. لقد كتب المستشرق اليهودى برنارد لويس مبينًا أن الإسلام ليس دين إيمان وعبادة فقط، بل هو مصدر للتشريعات المدنية والجنائية والدستورية، أى أنه ليس دينا علمانيا يصلح للعبادة ولا يصلح كنظام حياة، قائلا: "تعاليم الإسلام تضم بالإضافة إلى الإيمان والعبادة تشريعات يمكن أن نسميها بلغة الغرب الحقوق المدنية والحقوق الجنائية وحتى الحقوق الدستورية، فكل مؤمن يعتقد أن هذه التشريعات الإسلامية جاءت من النبع نفسه ولها سلطة وقوة التشريعات الاعتقادية والعبادية" (الغرب والشرق الأوسط، برنارد لويس ص 15). إن المجامع العلمية فى الغرب قد أشادت بالجانب القانونى فى الثقافة الإسلامية، حيث عُقد عام 1938 فى لاهاى مؤتمر "القانون المقارن"، وتقرر فيه اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرا مهما من مصادر التشريع، كما عقدت فرنسا عام 1951 بجامعة باريس بالمجمع الدولى للقانون المقارن بكلية الحقوق مؤتمرا للبحث فى الفقه الإسلامى جمع هذا المؤتمر الكثير من المستشرقين ورجال القانون، وأشادوا بالفقه الإسلامى وأنه صالح لكل زمان ومكان (راجع عناوين الموضوعات وتعليقات نقيب المحامين فى فرنسا عن الفقة الإسلامى خلال المؤتمر فى كتاب "ظلام من الغرب" للشيخ محمد الغزالى. دار الاعتصام). وفى كتاب "من يبيع مصر" وضح المفكر القبطى رفيق صموئيل حبيب، وكشف حقيقة تاريخ بداية العلمانية، وبخاصة مع دخول الاستعمار إلى العالم الإسلامى، حيث تكونت هذه النخب وذكر "أنهم ينتمون إلى الاستعمار أكثر من انتمائهم للأمة.. وهم الفئة التى تبنت النموذج الغربى وساعدت على نشره، وتصورت وما زالت أنه الحل الأمثل لمستقبل الوطن"، ثم تحدث عن الأضرار التى لحقت بالعقل العربى الذى تبنى هذا التصور مثل "فقدانه لذاته التاريخية والحضارية، وأنه لم يعد عقلا عربيا بقدر ما أصبح عقلا للإيجار تستأجره أو تستعبده أفكار ليست منه ولا تعبر عنه". أيها العلمانيون واليساريون العرب اسمعوا ما كتبه الرئيس الأمريكى نيكسون وانضموا للتيار الوطنى الإسلامى: "إن الإسلام ليس دينا فقط وإنما هو أساس حضارة رئيسية" (كتابه انتهزوا الفرصة). واسمعوا إلى ما قاله المستشرق البريطانى برنارد لويس "فى الغرب يعنى الدين بصفة رئيسية نظام إيمان وعبادة يتميز عن الولاء الوطنى والسياسة، أما بالنسبة للمسلمين فالدين يعنى أكثر من ذلك بكثير، فالإسلام يشمل فى معناه ما نعنيه فى الغرب من كلمة الحضارة وكلمة الدين مجتمعتين"، فشيخ المستشرقين برنارد لويس يرى أن الإسلام هو دين، ولكنه قادر على صناعة الحضارة. ليت أصحاب الأحزاب والفضائيات والصحافة ذات التوجه العلمانى أو اليسارى يدركون أن جهودهم مهما وحدوها ووسائلهم مهما طوروها لن تنجح فى أن تحكم العلمانية مصر. دعوا الإسلام ينير عقول الشعوب العربية بشعائره وشرائعه وقيمه الرائعة كالعدالة والرحمة والحرية والتعاون والاحترام المتبادل، إن الإسلام هو "ثقافة الإنسانية العليا".