جاءت تصريحات وزير الري بحكومة العسكر الدكتور محمد عبد العاطي، اليوم، لتؤكد الفشل المتواصل في إدارة ملف المفاوضات مع إثيوبيا حول كارثة سد النهضة، مُعترفًا بأن المفاوضات تتعرض ل«عثرات» وأساليب مختلفة للتفاوض، معترفًا كذلك بأن السد بُني وله أضرار، وأننا نحاول ألا تكون تلك الأضرار جسيمة!. وبحسب خبراء ومحللين، فإن عجز نظام 30 يونيو عن وضع حد لأطماع أديس أبابا وإيقافها عند حدها، يعكس تراجع دور مصر الإفريقي. وزعم الوزير وجود بدائل كثيرة، لكنه لم يكشف عن هذه البدائل المزعومة، مضيفًا على هامش زيارته لمحافظة الدقهلية، أنه لا يمكن الاستغناء عن مياه النيل والاعتماد فقط على تحلية مياه البحر أو منع إقامة السدود، قائلًا: "هذا أمر مستحيل والحل يتمثل في التفاوض، وإثيوبيا لم تبدأ في ملء السد حتى الآن". وكشف عبد العاطي، عن أن مصر أرسلت خطابًا للبنك الدولي نيابة عن مصر والسودان وإثيوبيا، لتمويل أول دراسة جدوى تفصيلية لإنشاء سد على النيل الأزرق، وفي 2011 أعلنت إثيوبيا عن إنشاء السد بمواصفات مختلفة، ما استدعى رئيس وزارء مصر الأسبق عصام شرف لزيارة إثيوبيا، ولقاء رئيس الوزراء "زيناوي"، واتفقا على تشكيل لجنة دولية انتهت إلى وجود نقص في الدراسات، وبناء على توصيات اللجنة الدولية حدثت تعديلات في إنشاء السد. وأوضح الوزير أن مصر بدأت تشعر بوجود تأثير سلبي للسد على دول المصب، منذ مايو 2013، وحدث تفاوض على الشروط المرجعية لاختيار الشركة المنفذة وأسلوب الدول في التعامل معها، وأن تجلس الدول "مصر والسودان وإثيوبيا" لبيان ملحوظاتها حول إنشاء السد. مؤشر على تراجع دور مصر الإفريقي وبحسب صحيفة "الحياة" السعودية، في تقرير لها اليوم السبت 2 ديسمبر 2017م، فإن الإعلان عن تعثر مفاوضات «سد النهضة» الإثيوبي مع إثيوبيا والسودان، يعتبر مؤشرًا على تراجع دور مصر الإفريقي. ويؤكد التقرير أن الغياب المصري عن إفريقيا كان له تأثير سلبي واضح على مواقف وتوجهات بعض الدول المؤثرة في ملف مياه النيل، وخصوصا السودان. ففي أواخر عهد الرئيس مبارك تم إهمال إفريقيا لمصلحة قضايا فلسطين والعراق ولبنان، بينما تصاعد الدور الإثيوبي سياسيا من خلال الوساطة في الأزمتين السياسيتين في كينيا وزيمبابوي عقب الانتخابات الرئاسية في البلدين في 2007- 2008. كذلك لعبت إثيوبيا دورًا إيجابيًا في النزاع الحدودي بين شمال السودان وجنوبه على منطقة "أبيي" الغنية بالنفط، من خلال إرسال قوات حفظ السلام الإثيوبية كحل موقت حتى قيام استفتاء أبيي. وتعاظم الدور الإثيوبي في إفريقيا أكثر من خلال التدخل العسكري لمكافحة الإرهاب في الصومال من 2006 إلى 2009، ثم إرسال قوات حفظ السلام في 2014. وكذلك لعبت دول إفريقية أخرى دورًا فعالا في القارة على حساب تهميش الدور المصري– الوساطة الليبية، ثم الوساطة النيجيرية في أزمة دارفور مثالا. ووفقًا لصحيفة الحياة، فإنه يمكن استجلاء التحول الواضح في موقف إفريقيا من القاهرة خلال عقد مقارنة بين عامي 1995 (حين وقعت 27 دولة إفريقية على بيان يدين السودان ويتهمه بتدبير محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا)، وعام 2013 حيث قرر مجلس الأمن والسلم الإفريقيين تعليق عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي قبل أن يُلغى التجميد في 2014. لماذا انحاز السودان لإثيوبيا؟ ويشير التقرير إلى أن العلاقات السودانية الإثيوبية لا تقتصر على الجانب السياسي فقط، بل تشمل أيضا الجانب الاقتصادي، إذ أن حجم الاستثمارات السودانية في إثيوبيا بلغ في عام 2015 نحو 2.5 بليون دولار والشركات التجارية السودانية، أصبحت ثاني أكبر المستثمرين الأجانب في إثيوبيا بعد الصين. وفي المقابل تستغل إثيوبيا ذات الاقتصاد المتسارع، الموانئ السودانية كمخرج لتجارتها الخارجية. وينتهي التقرير إلى أن هذه العوامل السياسية والاقتصادية أدت إلى دعم السودان لإنشاء السد. ولعل تصريح وزير الخارجية السوداني أخيرا بأن السد سيحفظ للسودان مياهه التي كانت تمضي لمصر في وقت الفيضان، ويُفيد السودان من الطاقة الكهرومائية الرخيصة، يؤكد سعي الخرطوم وراء مصالحها على حساب حليفتها التاريخية القاهرة. "إسرائيل" وراء الأزمة وبعد تأكيد التقرير على تراجع دور مصر إفريقيًّا لحساب إثيوبيا، يشير مراقبون إلى ضلوع إسرائيل في تصعيد أزمة السد واللعب بورقة مياه النيل، ما يهدد الأمن المائي في مصر. وفي هذا الإطار قامت إسرائيل بدعم متمردي جنوب السودان، وتعميق الفجوة بين الأطراف المتحاربة من أجل تقسيم السودان، ما يساهم في زعزعة الأمن والاستقرار في العمق الاستراتيجي لمصر، وانشغال السودان بهمومه الداخلية. وفعليا قامت إسرائيل بالمشاركة في إنشاء 25 سدا من أصل 37 سدا إثيوبيا بين عامي 1989 و1990. وأسندت الحكومة الإثيوبية إلى إحدى الشركات الإسرائيلية مهمة إدارة وتوزيع ونقل الكهرباء المتوقع توليدها من سد النهضة، ما يؤكد أن إسرائيل من أكثر الأطراف دعما واستفادة من إنشاء ذلك السد. ويمكن القول إن أزمة سد النهضة تعكس تفاعلات السياسة الإقليمية والدولية وفقدان مصر لقدرتها السابقة للتأثير في محيطها الإفريقي. كما أنها كاشفة عن تخبط القرار السياسي بخصوص السد، وعدم تبلور رأي حاسم تجاهه، والذي أحسنت إثيوبيا استغلاله مِن طريق جر مصر إلى المفاوضات، ما أكسب بناء السد شرعية كان يفتقدها سابقا. وفي حال استمرار التعسف الإثيوبي وتعثر المناقشات حول استئناف المفاوضات المتعلقة بالأبعاد الفنية، والاتفاق على المكاتب الاستشارية لدراسة الآثار الناجمة عن السد، يبدو أن الاحتكام للقانون الدولي هو أكثر الخيارات ترجيحًا، سواء باللجوء لمنظمات إقليمية كالاتحاد الإفريقي، أو تدويل القضية عبر إحالتها لمحكمة العدل الدولية أو مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذا رفضت إثيوبيا الاحتكام للقوانين الدولية المتعلقة بالأنهار العابرة والاتفاقيات الثنائية والاتفاقات المبرمة بين دول الحوض.