للمرة الثانية خلال شهرين فقط، نقل قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، الإثنين 24 يوليو 2017، رسميا 7 من كبار الدبلوماسيين المخضرمين إلى وظائف بوزارات متدنية مثل النقل والتنمية المحلية، بعدما نقل 5 آخرين في 18 مايو الماضي، في إطار "عسكرة" الخارجية، كما فعل مع المخابرات العامة، وانتزع منها أغلب اختصاصاتها. وسبق للسيسي أن أحال 114 من وكلاء جهاز المخابرات العامة إلى المعاش منذ الانقلاب، في 8 قرارات متتالية، للتخلص من العمود الفقري للجهاز وتولية أنصاره، قبل أن يقوم بتحجيم الجهاز وإبعاده عن الملفات المهمة التي تولاها جهاز المخابرات الحربية التابع للجيش. وأصدر السيسي قرارًا، وصل إلى وزارة الخارجية الإثنين 7 يوليو الجاري، باستبعاد عدد جديد من الدبلوماسيين من العمل الدبلوماسي، وإبعادهم إلى مناصب مختلفة في وزارات مهمشة، بعدما ظلوا بلا عمل منذ عودتهم من وظائفهم عقب انقلاب السيسي. ويمنح قانون السلك الدبلوماسي الحق للسيسي في نقل الدبلوماسيين للعمل بوظيفة أخرى في الجهاز الإداري للدولة؛ بدعوى مقتضيات "الصالح العام". ستة أشهر للتدرب بالكلية الحربية وضمن عسكرة الخارجية، تم الكشف عن قرار بإرسال الملحقين الدبلوماسيين الجدد للتدرب ستة أشهر في معهد التمريض بالنسبة للفتيات، والكلية الحربية بالنسبة للشباب، ما دفع بعضهم للابتعاد عن العمل الدبلوماسي. وجاء هذا في أعقاب قيام سامح شكري بعقد اتفاق يتم بموجبه ابتعاث الملحقين الدبلوماسيين فور التحاقهم بالسلك الدبلوماسي لقضاء ستة أشهر في الكلية الحربية، بالإضافة إلى مدة شهر تقريبًا يقضونها في المخابرات العامة؛ "لحرص الرئاسة على اتسام العاملين بصفات عسكرية". مقربون من الرئيس مرسي واتهمت أجهزة الانقلاب، التي وقفت وراء القرار الذي أصدره قائد الانقلاب، بعض هؤلاء الدبلوماسيين بأنهم مقربون من الرئيس محمد مرسي؛ لأنهم عملوا في مناصبهم خلال توليه الرئاسة، أو أنهم رفضوا الاستجابة لتعليمات جهات سيادية (المخابرات الحربية) عقب الانقلاب. ومن أشهر هؤلاء الذين تم عقابهم، السفير معتز أحمدين، الذي كان يتولى منصب مندوب مصر الدائم في الأممالمتحدة، خلال تولي الرئيس محمد مرسي الحكم، والذي نقله السيسي إلى وزارة النقل، وكان بلا عمل منذ إنهاء ابتعاثه لمقر المنظمة اﻷممية في نيويورك، في يوليو 2014. وشغل السفير معتز خليل منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشئون مكتب الوزير، وعمل نائبا لسفير مصر بالنمسا، ونائبا لمندوب مصر في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، كما عمل في بعثات مصر الدبلوماسية بكل من الرباطونيويورك، ومدير شئون البيئة والتنمية المستدامة في وزارة البيئة المصرية، ولقي شقيقه، قنصل مصر في كراتشي، مصرعه في هجوم بالقنابل على مبنى القنصلية. أيضا تم نقل السفير أشرف حمدي، الذي كان سفيرا لمصر في لبنان حتى نهاية 2012، إلى وزارة التنمية المحلية، الذي هاجمته صحف الانقلاب بعد حوار له مع جريدة لبنانية نسبت له تصريحات عن المصالحة مع الإخوان، ونفتها السفارة، وقيل أيضا إنه بسبب خلافه مع أجهزة السيسي السيادية حول إدارة ملف العلاقات الخارجية مع الطوائف السياسية في لبنان. كما شمل القرار الصادر مؤخرًا نقل خمسة دبلوماسيين آخرين إلى كل من وزارة الزراعة، ودواوين محافظاتالجيزةوالقاهرة والبحيرة. ويواجه بعض هؤلاء الدبلوماسيين اتهامات من الأجهزة الأمنية ب«التعاطف مع التيار الإسلامي»، أما البعض اﻵخر فهو متهم بصورة مباشرة بالانتماء ل«شباب ثورة يناير". وشهدت أول حركة تغيير دبلوماسية عقب الانقلاب، في 26 يوليه 2014، تغيير 30 سفيرا أبرزهم "حمدي" و"أحمدين"، طالت السفراء الذين اتهمتهم أجهزة أمن السيسي بالتعاطف فكريا مع الإخوان أو الانتماء لهم. ليس الأول وسبق أن اعترفت وزارة الخارجية، في مايو الماضي، بصدور قرار جمهوري بنقل خمسة من الدبلوماسيين إلى جهات حكومية أخرى، كما أشارت ضمنا إلى تحقيقات مع سفير مصر في برلين، ولكنها نفت ما نشر عن أنه متهم بالاختلاس عبر تسجيل إحدى سيارات السفارة باسمه. ونفي بيان أصدرته الوزارة، في 19 مايو 2017، تعقيبا على ما نشرته بعض الصحف والمواقع الإخبارية بشأن تجاوزات بسفارة مصر ببرلين، وخضوعها لإجراءات رقابية دورية. ووصفت "الخارجية" المصادر التي تم النقل عنها بأنها جاءت نقلا عن "مصادر مجهولة"، ودعت الصحف ووسائل الإعلام المصرية إلى عدم "ترويج أو تداول تقارير إخبارية غير صحيحة تستند إلى مصادر مجهولة". ولكن فيما يتعلق بالقرار الجمهوري الخاص بنقل خمسة دبلوماسيين للعمل بمواقع أخرى بالجهاز الإداري للدولة، نفت الخارجية ما قيل عن الضغط عليها من قبل جهات أمنية لإبعاد هؤلاء الدبلوماسيين؛ لأسباب تتعلق بالتنصت عليهم وتسجيل أحاديث لهم تشير إلى أنهم من المتعاطفين مع الثورة أو الإخوان. وزعمت الخارجية أن إبعادهم يرجع إلى وجود "جهاز رقابي داخلي يقوم بمتابعة مدى الالتزام بمعايير وقواعد العمل الدبلوماسي الذي يقتضي وجود أقصى درجات الالتزام الوظيفي؛ اتساقا مع الطبيعة بالغة الحساسية للعمل الدبلوماسي، ونيل شرف تمثيل الدولة المصرية في الخارج". وكانت تقارير متطابقة في القاهرة، قد تحدثت عن أنباء عن الإطاحة ب10 دبلوماسيين مصريين ونقلهم، بقرار جمهوري، إلى وزارتي الزراعة والتنمية الإدارية، وأن خمسة دبلوماسيين منهم أبلغوا بالقرار بالفعل دون تحقيق. وأكدت مصادر دبلوماسية وتحقيق استقصائي نشره موقع "مدى مصر"، أن الإطاحة بالدبلوماسيين جاءت على خلفية اتهامات بالتعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين، أو شباب ثورة يناير 2011، ومجموعة 6 أبريل، أو رفض التحولات السياسية التي أعقبت الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في يوليو 2013، أو التقصير في الترويج للانقلاب على مرسي أثناء عملهم في الخارج. وقال "مصدر دبلوماسي مصري"، إن هؤلاء الدبلوماسيين الخمسة، الذين صدر قرار جمهوري بإبعادهم لوزارات أخرى ليسوا أول مجموعة يتم استبعادها من الوزارة، ولكنهم دفعة ثانية من "شباب الدبلوماسيين" أعمارهم لا تزيد عن 40 عاما. وكشف التحقيق الاستقصائي لموقع "مدى مصر"، عن أن عملية استبعاد الدفعة السابقة من الدبلوماسيين تمت "بعد عمليات تنصت، أو تسجيل آراء لهم خلال مناقشات مع زملائهم داخل مكاتب البعثات المصرية بالخارج أو في ديوان الوزارة، فيما لزمت الخارجية المصرية الصمت ولم تعقب. ووفقًا لإجراءات السلك الدبلوماسي، يتعذر على الخمسة رفض تنفيذ القرار أو الاعتذار عن تنفيذه أو التظلم الإداري بشأنه، لكنهم يحق لهم طلب الإحالة للمعاش، رغم أن أكبرهم سنًا لا يتجاوز الأربعين عامًا بكثير، وأصغرهم في العشرينات.