في خطابه بالندوة التثقيفية للقوات المسلحة عنف الفرعون أذرعه الإعلامية ووبخهم بالقول: "انتوا بتعذبوني علشان أنا بقيت رئيس؟.. أنا مشتكي للشعب منكم"، كان هذا ردًّا على تناول بعض الإعلاميين غرق الإسكندرية، لكن نبرة الفرعون تبدلت 180 درجة في اتجاه الشمال عند زيارته إلى كليه "كلاب الشرطة" كما وصفتها صحيفة المصري اليوم. العشم الأبوي! أوصل السيسي رسالة عسكرية حادة إلى الإعلام الذي وقف معه سواء قبل الانقلاب وبعده، وقال "ما يصحش كدا، هذا أمر لا يليق"، بينما قال لطلاب كلية الشرطة قبيل حلول الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير: "انتو بتقوموا بدور عظيم جدا في ظروف صعبة، إن احنا نوفر الأمن والاستقرار والسلام للناس، والمواطن الماسري لا يروّع في بلدنا، انتو ليكو فضل كبير أوي في ده، وأنا باقول الكلام ده عشان عايز الشعار اللي أطلقناه، لما قلنا الجيش والشرطة والشعب إيد واحدة، نعيشه ونفضل مُصرّين عليه؛ لأن دي ملحمة عظيمة". لم تظهر "الحنيّة" من فراغ في نبرات صوت عبد الفتاح السيسي، وهو يخاطب رجال شرطته بهذه الكلمات، ولم تفارقه تلك "الحنيّة" حين تحدث في خطابه الحميم عن "تجاوزات فردية بسيطة للشرطة"، دون حتى أن يشخط أو يرفع نبرة صوته قليلا، على سبيل فرض الهيبة أو من باب العشم الأبوي، كما فعل ذلك من قبل، حين تحدث عن تجاوزات أذرعه الإعلامية. ولم تكن صدفة أبدا، ألا تخرج منه طيلة خطابه، عبارة عتاب من طراز "ما يصحش كده" أو "أنا حاشتكي للشعب منكم"، لأن السيسي يدرك أن الحفاظ على معنويات رجال شرطته، شرط ضروري لدوام احتفاظه بكرسيه الذي حلم به طويلا. عتاب مؤجل وبرأي مراقبين أنه حتى إذا كان عاتبًا على ضباطه، بسبب المشاكل التي قاموا بتوريطه فيها من الأقصر إلى الإسماعيلية، فعليه أن يؤجل ذلك العتاب، أو يوجّهه بلطف لقادة الشرطة في الجلسات المغلقة، ليحتفظ بتماسك آلته القمعية، ولكي لا يتردد رجال الشرطة في القتل من أجله مجددًا، لو استلزم الأمر قمع أي تظاهرات غاضبة في المستقبل القريب. وقال مراقبون: إن السيسي يفضل أن يخذل مؤيديه من الكتّاب أو الإعلاميين أو حتى أهالي الضحايا، الذين توقعوا منه اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف السُّعار القمعي، الذي انتاب جهاز الشرطة في الفترة الأخيرة، لكن السيسي قرر أن يعلن انحيازه لجهاز الشرطة على الملأ، لأنه وببساطة "يا روح ما بعدك روح". التعذيب مستمر من جانبها رصدت منظمة هيومان رايتس مونيتور، تعرض المعتقلين في مِصْر إلى معاملاتٍ قاسية، من الضرب المبرح والتعذيب لمحاولة انتزاع اعترافات، والذي راح ضحيته ما يزيد عن 200 معتقل منذ أحداث 30 يونيو 2013، إضافة إلى احتجاز في أماكن غير آدمية، والإهمال الطبي وتردّي الخدمات الصحية المقدمة داخل السجون للمعتقلين المرضى بأمراض مختلفة كالقلب والسرطان وأمراض أخرى خطيرة، ما تسبب في وقوع عشرات الموتى ضحية لذلك. ووصلت عدة استغاثات متكررة للمنظمة من داخل سجن العقرب ومن أهالي المعتقلين بالسجن تروي تفاصيل الانتهاكات الممارسة ضدهم، ومنها ما تعانيه الأسر خلال الزيارات من منع إدخال الطعام والدواء والمستلزمات الخاصة، والطوابير الطويلة والإهانات المتكررة والتفتيش الشبيه بالتحرش، والحرمان من التواصل مع المعتقل؛ حيث يحول بينهم لوح زجاجي وتكون الزيارة من خلال سماعة هاتف مراقبة، فضلًا عن منع إدارة السجن لزيارة عدد كبير من أهالي المعتقلين مرات عديدة دون سبب"، حسب التقرير. ومات العشرات في سجن العقرب شديد الحراسة، آخرهم كان محمد السعيد، المتهم في قضية أنصار بيت المقدس، الذي توفي في زنزانته في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي نتيجة القتل الطبي الممنهج، وسبقه القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، فريد إسماعيل ورئيس مجلس شورى الجماعة، وعصام دربالة، والقياديان السابقان بجماعة الجهاد الإسلامي مرجان سالم ونبيل المغربي، وعضو جماعة الإخوان عماد حسن. وأشارت تقارير حقوقية مصرية إلى نقل عدد من السجناء في العقرب، إلى مستشفى السجن خلال الأشهر القليلة الماضية؛ حيث كان كل منهم في وضع صحي حرج، ومنهم، نائب رئيس محكمة النقض الأسبق محمود الخضيري، والقياديان بحزب الاستقلال مجدي قرقر ومجدي حسين، وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان رشاد البيومي. أما المجلس القومي لحقوق الإنسان المِصْري -منظمة حكومية- فقد نظم زيارة لسجن العقرب شديد الحراسة في أغسطس الماضي، وخرج بتقرير وفيديو مصور، ظهر فيه أعضاء وفد المجلس يتناولون وجبات غذاء فندقية، وأعلنوا خلو السجن من التعذيب، ووجود ساحات رياضية وكافة الخدمات الاجتماعية والصحية والعلاجية، وهو التقرير الذي انسحب على إثره بعض أعضاء المجلس من حضور جلساته اللاحقة، اعتراضا عليه، وتوالت عليه أيضا ردود أفعال محلية ودولية غاضبة، وصدرت ضده عشرات التقارير التي تكذّب ما ورد به.