سألنى السؤال أعلاه زميل صحفى يابانى مخضرم جاء إلى القاهرة لأول مرة الأسبوع الماضى، حاولت الإيجاز والتبسيط واختزال الرد بأمانة. ولا شك أن الاهتمام الأجنبى بالإخوان قديم، ولكنه يتزايد بعد ثورة يناير وما تلاها، وقد عرفت الإخوان شخصيا ونظريا فى منتصف السبعينيات عبر كاتب أمريكى مهنى وأمين هو ريتشارد ميتشل، واقتربت بعدها منهم باحثا ومراقبا، ثم أحد محبيهم والمشاركين معهم وداخلهم بما قدره الله، عز وجل، لى من بعض الخبرات الإعلامية والسياسية. قلت للزميل الزائر: يتخير من التحقوا بالتنظيم عددا ممن يخالطونهم ويرون فيهم استقامة وحسن خلق، يعرضون عليهم الانتظام فى صلاة الجماعة، وحضور بعض الندوات أو الفعاليات، ثم حضور مقرأة لتعلم قراءة القرآن ودراسته جنبا إلى جنب مع السيرة النبوية، ومن يلتزم بالمواظبة يعتبره الإخوان أحد المحبين، ثم المنتسبين القابلين لعضوية تمهيدية، العضوية الأولية تأخذ شكل أسرة تمهيدية، مصطلح الأسرة فى الإخوان أوجده العبقرى الحركى الشهيد حسن البنا كى ينطلق بالدعوة من المقالات والخطب إلى نطاق الحركة وسط الناس. ومن عجب -والكلام لا يزال من جانبى للزميل اليابانى- أنك تعرف أن بعض من فكروا فى إعادة بناء اليابان بعد تدميرها بالقنبلتين النوويتين آخوا بين كل خمسة أو ستة من المواطنين اليابانيين فيما يشبه الأسرة الإخوانية. وظيفة الأسرة الإخوانية -وهى أول محضن تنظيمى- خلق الترابط والتكافل بين المنتمين. ويضاف أيضًا التثقيف الدينى والسياسى ومد يد العون أو الغوث إلى المجتمع المصغر كالحى أو القرية وفى التنظيم أقسام متعددة. قسم التربية مثلا يُعِد منهجا ثقافيا وتربويا فى شكل كتب منتقاة أو محاضرات وحوارات منتظمة يلقيها عادة كبار الدعاة والمربين. تلتقى الأسرة المكونة من خمسة أشخاص أو أكثر قليلا أسبوعيا فى بيت أحدهم لمدارسة القرآن والحديث وتوثيق عرى التعارف والترابط بينهم، ويتم اختيار مسئول لكل أسرة من بين أعضائها؛ تنفيذا لحديث رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم: "إن كنتم ثلاثة فأمّروا عليكم واحدا". ولأن الإنسان جسد وروح يهتم المنهج التربوى الإخوانى اهتماما متساويا بكليهما. فيتريض أفراد كل أسرة معا أو مع باقى أفراد الأسر فى الحى أو القرية. الرياضة المنتظمة تتم كل جمعة وفى كل مخيم، والأخير يكون كل شهر وقد يكون رحلة يوم أو عدة أيام وليال، يتفانى الحاضرون فى المشاركة وخدمة الآخرين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. ويقول نبى الإسلام وصحابته: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم". ومن كثّر سواد قوم حشر معهم. ولهذا ينشأ عضو الإخوان من البداية على الاهتمام بالشأن العام فى الحى والقرية والدولة والأمة، ويأخذ الاهتمام أشكالا متنوعة كتناقل الأخبار ومناقشتها معا، والاتفاق على التحرك فى مظاهرة أو جمع تبرعات أو المشاركة فى الانتخابات العامة. أما إذا كان البلد محتلا فيهبّ الإخوان للمقاومة بعد الاستعداد التدريبى والحصول على السلاح، قاوم الإخوان من احتلوا مصر، ولأن أمن مصر يبدأ من فلسطين هبّ الإخوان لمقاومة العصابات الصهيونية بعدة آلاف من شبابهم. سألت اليابانى: هل من تعليق؟ هل ترى فيما شرحت لك شيئا غير عادى؟ أجاب: لا. أضفت: ليس هناك تمييز فى ضم أى شاب إلى الإخوان، شرط الاستقامة النسبية والرغبة، ثم يأتى لاحقا دفع الاشتراك الشهرى كأى حزب، ليس هناك سرية فى أصل فكرة الإخوان، جمعيتهم مشهرة منذ بداية تأسيسها، بدأ الاحتلال البريطانى فى مصر وفلسطين يناصبهم العداء؛ نظرا لأنهم شكلوا خطرا عمليا على الإنجليز فى مصر وعلى العصابات الصهيونية فى فلسطين. تنظيم الإخوان يصدر قراراته عبر آليات الشورى الحقيقية فى كل مستويات التنظيم من الأسر إلى الكتائب، فالمكتب الإدارى فى المحافظة، فمجلس الشورى فيها وعلى مستوى القطر، وأخيرا هناك ما يسمى مكتب الإرشاد، وعلى رأسه المرشد. لا يمارس الإخوان العنف ولم يرتكب أى منهم أيا من أشكال العنف منذ أكثر من خمسين عاما، تعرضوا لاعتقالات وتعذيب ممنهج ومصادرة أموالهم ومع ذلك لم يردوا بالعنف. لا يؤمن الإخوان بالتغيير من أعلى، أى بالانقلابات العسكرية ولا باغتيال الرؤساء أو الملوك، التغيير من أسفل هو أسلوبهم، بمعنى الانتشار الأفقى والرأسى وسط كافة شرائح المجتمع، يؤمن الإخوان بأنهم إذا وسّعوا عضويتهم سوف يخرج من الشعب الصالح قيادة صالحة. تقبّل المصريون الإخوان باعتبارهم تنظيما يفيد أعضاؤه المجتمع حيثما وجدوا. أفاد الإخوان الناس عندما فازوا بثقة التنظيمات الطلابية والنقابية والجامعية الأكاديمية مرات عديدة، والمحليات ذات مرة، وأفاد الإخوان مجتمعهم إبان كارثة زلزال 1992، شعر الإخوان بمشكلات ومعاناة الناس فى خدمات الصحة والتعليم وغيرها فاجتهدوا لحل هذه المشكلات بجهود ذاتية، حقّق الإخوان شعبية كبيرة من وراء كل ذلك. وعن شهادتى الشخصية بما رأيته وعشته مع الإخوان مراقبا سياسيا وإعلاميا قلت إن الإخوان طوال عشرتى معهم فى قلب العمل السياسى والإعلامى لم يبرموا أمر انتخابات برلمانية أو محلية أو نقابية أو طلابية دون النزول إلى قواعدهم للتشاور، وأقصد بالقواعد الأسر بأفرادها، كان ذلك فى ذاته صمام أمان دينى وسياسى حضارى ديمقراطى يجعلنى وغيرى فى غاية الاطمئنان على مثالية التنظيم وأمانته، بالطبع كان بعض العباقرة أو من يشعرون فى قرارة أنفسهم بأنهم الأذكى والأفهم والأخبر، كانوا يشاكسون ثم يتمردون ثم يفصلون أنفسهم بأنفسهم من التنظيم، ومن ثم تتلقفهم جهات ومنظمات وأجهزة داخلية معادية سرا أو علنا. البعض جرى تلميعهم وترفيعهم ومكافأتهم، وأقصد بالبعض هنا حفنة لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة. التماس العذر لهؤلاء قد يكون فى قوة الغواية أو شدة الترهيب أو حظ النفس الزائد أو كل ذلك معا. كثيرا ما كنت أسأل نفسى، ولعل بعض أجهزة القمع كانت تسأل السؤال نفسه: لو أن قيادات الإخوان التى تخرج من السجون وسلخانات التعذيب ومصادرة الأموال تريد دنيا ما استأنفت نشاطها فى الحركة، أليس هذا فى ذاته دليلا قاطعا على الإخلاص لله والوطن والأمة؟