رغم قلة الوجوه النسائية عموما فى الأوساط السياسية، إلا أن جماعة الإخوان لديها قسم ضخم من الكوادر النسائية وزوجات الإخوة وبناتهن. وباستثناء التظاهرات الحاشدة فهن فى العادة بعيدات عن دائرة الضوء إلا من محاولات قليلة تبوح إلى حد ما بتململ بعض الأخوات وارتفاع أصواتهن بالشكوى. أثناء دراستها للطب فى جامعة القاهرة منتصف السبعينيات، كانت «الجماعات الإسلامية» فى أوج ازدهارها. تحكى أم عبدالرحمن عن ذكرياتها آنذاك: المعسكرات التى حاضر فيها محمد الغزالى وزينب الغزالى والنشاط الكبير لكوادر جيل السبعينيات فى الإخوان، دراسة كتب سيد قطب والمودودى عن الدولة الإسلامية. تقول أم عبدالرحمن: «كانت الطالبات يرجعن إلى بيوتهن بعد انتهاء أوقات المحاضرات فى المعسكرات بينما يبيت الطلبة». وتضيف: إنه فى ذلك الوقت كان الكل يعمل تحت مسمى «الجماعات الإسلامية» فى الجامعة، والطالبات كن أبعد عن التمايزات التنظيمية. زوجها الذى كان أيضا طالبا للطب فى الفترة نفسها قال لها فى الثمانينيات إنه من الإخوان. تضحك وهى تقول: «كان وقتا عصيبا. والقيادات وقتها لم يكونوا يثقون بالنساء». انتقلت مع زوجها إلى باكستان للعمل فى الإغاثة الإسلامية وقت حرب أفغانستان ثم إلى إحدى دول الخليج ومن ساعتها والأسرة تعيش بين الخليج والقاهرة. تروى: «فى حلقات النساء فى باكستان لم يكن الجانب التنظيمى واضحا عند النساء. كان الانتماء أقرب للإسلامى العام. ولم تكن هناك مسئولات حتى عن حلقات النساء، فالكثيرون كانوا يعتقدون أنه لا يجوز أن تكون المرأة أميرة أو قائدة ولو على نساء. فى الدولة الخليجية ثم فى مصر كانت هناك حلقات الأخوات التابعة للإخوان المسلمين. وأصبحت مشرفة على حلقة منهم لأننى زوجة قيادى». كان ذلك فى أوائل التسعينيات، بدأت أم عبدالرحمن الإشراف على بعض الأخوات تربية وتثقيفا عبر كتاب «رياض الجنة» المتعدد الأجزاء للمستويات المختلفة، وهو البرنامج المعتمد فى الجماعة لحلقات الأخوات. توضح أم عبدالرحمن أن «رياض الجنة» يحوى أساسيات العقائد والأخلاقيات الإسلامية والأحكام الفقهية والسيرة وغيرها، بالإضافة الجانب التطبيقى التربوى، وأنه لا يمثل إلا حدا أدنى من الثقافة الإسلامية. بعض حلقات النساء تكتفى به والبعض تزيد عليه بحسب شخصية المشرفة. وتنتقد فيه الجزء التطبيقى التربوى الذى يكون على شكل تقارير عن الحالة الإيمانية والأخلاقية لكل أخت: «هناك أشياء قلبية وأخلاقية لا يمكن اختزالها بهذا الشكل». أثناء تجربة إشرافها على حلقة نساء، بدأت تتململ من إشراف الرجال على المشرفات، بل وإحساس الأزواج والآباء أنهم فوق المشرفة على نسائهم وبناتهم: «بعض الأزواج والآباء كان يسأل الزوجة والبنت عما درسته فى الحلقة ويبدى اعتراضه على ما لا يعجبه من آراء». زاد الأمر عندما كانت أم عبدالرحمن أو غيرها تنتقدن بعض تفاصيل التنظيم، فكانت تواجههن كليشيهات «ضرورة السمع والطاعة»، كما أنها حاولت تطوير خطابها فى العام 2005 وقت خوض الإخوان للانتخابات البرلمانية الأخيرة بالتأكيد على الطابع الوسطى المنفتح للجماعة، فواجهت انتقاد بعض المسئولين فى الجماعة: «دائما التنظيميون أكثر تشددا من الباحثين والأكاديميين ومفكرى الجماعة». بدأت أم عبدالرحمن تضيق أحيانا بالجانب التنظيمى الذى رأته أقرب للميل العسكرى منه لجماعة مدنية، كما أن أعباء الإشراف على حلقة نساء بما فيه من فصل فى منازعات وحل لمشكلات اجتماعية بدأ يرهقها فاعتذرت عن ذلك وابتعدت عن حلقات النساء نهائيا. لاحظت أم عبدالرحمن تحولا فى التعامل مع «الميل السلفى» عبر مسيرتها. ففى الثمانينيات اهتم الإخوان بالتمايز عن الجماعات العنيفة ذات الطابع السلفى وكانوا لا يحبذون النقاب ويؤكدون على ضرورة كون الداعية تقدم واجهة مشرفة للإسلام الوسطى وتتواصل بكفاءة مع الجمهور. ولكن فيما بعد لاحظت أن سطوة الفضائيات السلفية تلقى بظلالها على اختيارات النساء عموما ونساء الإخوان أيضا فانتشر النقاب بينهن بعض الشىء. غيرت أم عبدالرحمن مع الوقت بعض أفكارها عن النقاب الذى ارتدته فى الجامعة ولا زالت ترتديه بحكم التعود- وأيضا التعامل مع الفنون والاختلاط مع الجنس الآخر ولكنها تلمس تراجعا فى الميل الوسطى بين قطاعات مختلفة داخل الإخوان وإن كان ذلك متفاوتا بحسب المستوى الاجتماعى والثقافى داخل الجماعة الكبيرة. ما زالت أم عبدالرحمن تقدر أهمية حلقات النساء فى جانبها الاجتماعى بين نساء الجماعة: «فى المدن بالذات تشكل تلك الحلقات مجتمعا للتواصل والتكافل لا يمكن الاستغناء عنه عند الغالبية. فى الريف من الصعب أصلا أن تخترق حلقات النساء الروابط القريبة للعائلات ولذلك هى ليست منتشرة هناك». وتقول إن ابنتها الكبرى لا تزال تقدر أهمية الحلقات فى جانبها الاجتماعى وإن كانت أكثر استقلالية فكريا، فى حين أن ابنتها الصغرى تململت من أن هذه الحلقات تجعلها دائما داخل مجتمع الإخوان بينما تريد هى أن تصادق وتعرف أناسا آخرين «عاديين». وتضيف: «ربيت أبنائى على الانفتاح على الآخر عموما ولهم أصدقاء ليسوا إخوانا، ولكن الأطفال والشباب ينفرون بطبعهم من تلك الأشياء النظامية الأقرب للمدرسة». لبنى، الابنة الكبرى، باحثة فى العلوم السياسية وتعمل صحفية فى موقع إسلامى، تخرجت مؤخرا من كلية الإعلام. تحكى أنها ظلت فترة طويلة بعيدة عن حلقات الأخوات وأى نشاط لهن. عملها فى الموقع الإسلامى فى وسط مثقف أكثر كما تقول كان مشبعا لها عن أجواء الحلقات التى لا جديد فيها فكريا وتثقيفيا. تبتسم لبنى وهى تقول: «أحيانا كنت أنقطع وأعود فأجدهم يدرسن نفس الجزء من (رياض الجنة) لأن عضوات جديدات أتين. أفكر أن ما دعانى للعودة إلى الحلقات هو الجانب الروحانى والإيمانى أكثر، البنات لا يذهبن للمساجد عادة، ولذلك قد نفتقد بعض الروحانيات التى لا يمكن الحفاظ عليها إلا بين جماعة ما». تضيف أيضا أن الجانب الاجتماعى مهم جدا إذا كنت قد نشأت فى أسرة إخوانية: «ساعتها يكون لديك مجتمع قريب وباقى الناس يظلون لفترة طويلة (أناسا عاديين) أو آخرين. عندما تنفصل عن الحلقات والأنشطة تنفصل عن هذا المجتمع القريب. عندما عدت اكتشفت أن بعضهن تزوجن وبعضهن أنجبن إلى ما غير ذلك». تتذكر لبنى أيضا أن أحد أسباب انقطاعها عن حلقات الأخوات التى تعرف فى الأدبيات الإخوانية ب«الأسرة» هو أن معظم الحلقات صباحية لأن الأخوات المسئولات لا يستطعن فى الغالب الإشراف على حلقة مسائية لكى يتمكن من رعاية أزواجهن وأسرهن. ولذلك قد تجد الأخوات العاملات صعوبة فى العثور على حلقة مسائية. تلعب الحلقات أيضا دورا مهما بالنسبة للفتيات فهى أساس ترشيحات الزواج وسط المجتمع الإخوانى الذى لا تتاح فيه فرصة للاختلاط بين الشباب والفتيات. تقول لبنى: «لا توجد أنشطة مشتركة اللهم إلا المحاضرات العامة فى جمعية أو مركز ويجلس الرجال فى جانب والنساء فى جانب». تبتسم وتضيف: «حتى فى الجامعة كنا نتعامل مع زملائنا الذكور من غير الأخوان بينما كان هناك بعض الحرج والحساسية من الزملاء الإخوان رغم أنهم أقرب إلينا فكريا. فى كلية الإعلام كانت الأخوات أكثر عددا من الإخوة، ولم نتعرف على الشباب الإخوان فى دفعتنا إلا فى نهاية العام الدراسى الأخير عندما انضموا إلينا فى مشروع التخرج». تلاحظ لبنى على خلاف ما يقال إن هناك تململا من الطابع المحافظ للإخوان بين بناتهم. وترى أنهم أبعد عن الميل السلفى: «فى الحلقة التى كنت أحضرها كانت هناك مجموعة من البنات المتمردات اللاتى كن يناقشن كل شىء ابتداء من ضوابط الزى إلى ضرورة حضور بعض اللقاءات التنظيمية». وتحكى أيضا أن مجموعة قريبة منها فى الجامعة كانت تضم أربع صديقات يسكن فى شبرا الخيمة: «التقيتهن من فترة قريبة. ثلاث منهن ارتدين النقاب وواحدة فقط ظلت بحجابها العادى الملتزم. الأخيرة فقط هى الإخوانية المنظمة. والثلاثة ملتزمات بشكل حر». ثم تضيف أن الأخوات اللاتى يتلقين مناهج فكرية وتربوية فيها رغم كل شىء إطلاع على مدراس فقهية وفكرية متنوعة يكن أبعد عن السلفية التى تضيق الخيارات. وترى أن الميل السلفى بين النساء يزداد بالفعل لكنه أقل كثيرا بين نساء الإخوان المنظمات وبين أجيالهن الجديدة المفتحة على وسائل الاتصالات الحديثة.