يشهد السوق العقارى نوعا من الفوضى والارتباك بسبب تراجع الطلب وتخفيض نسبة الفائدة فى البنوك وهو ما دفع بعض المشترين إلى العزوف عن الشراء خوفا من تراجع أسعار العقارات . كما ان إرتفاع فوائد الإقتراض من البنوك تشكل عبئا كبيراً على المطورين وعلى المشترين أيضا ، حيث ترتفع أسعار العقارات ويحذر الخبراء من حدوث "فقاعة عقارية" ترتبط بحدوث تضخم غير مبرر في أسعار العقارات، نتيجة التوسع المفرط في التمويل العقاري، كما حدث في الأزمة العالمية عام 2008 بالولايات المتحدة.
فوائد الاقتراض
من جانبه قال استشارى التخطيط العمرانى والخبير العقارى الدكتور محمد القاضي ، ان إرتفاع فوائد الإقتراض من البنوك للمطورين تشكل عبئا كبيراً على المطورين وعلى المشترين أيضا ، حيث ترتفع أسعار العقارات ، ما جعل الشركات تطيل من فترات السداد موضحا أن التمويل العقارى بالنسبة للأفراد يشكل " طوق نجاه" ، لما يدره من عوائد مربحة على المشترين ، الأمر الذى يحتاج إلى إتاحة فترات سداد طويلة الأجل دون تحميل فوائد كبيرة على المطورين. لأن دورهم ينتهى بتسليم الوحدات للمستفيدين . وأكد "القاضي" فى تصريحات صحفية أن القطاع المصرفى يتيح الفرصة للمطورين العقاريين لتمويل مشروعاتهم ، وهذا من المفترض أن يساهم فى استقرار السوق العقارى من التقلبات المتلاحقة ويعزز الإقتصاد القومى . وتوقع أن يتم اعتماد خطط توسعية جديدة فيما يتعلق بالتمويل العقارى وان تتحول الاجتهادات من المبادرات الفردية إلى البنوك والهيئات ، ما يساهم فى إعادة هيكلة السوق العقارى وتخفيف الأعباء عن المطورين والمشترين كلا على حدة . وأوضح "القاضي" : أن تكلفة الأقساط بالنسبه للمطورين العقاريين تحسب من 30 إلى 45% من قيمة المتر المربع المتفق عليه ، ورغم التكهنات بأن تنخفض الأسعار بنسب تتراوح من 5 إلى 10٪ ، إلا أن الحقيقه تؤكد أن خفض الفائده يؤدى إلى زيادة الطلب على العقارات من بعض الفئات للحفاظ على القيمة العقارية بدلا من اقتصار العوائد على ودائع البنوك . وأشار إلى أن كل هذه العوامل أدت إلى تحفظ المطورين على إجراء أى تخفيض الأسعار ، بينما سيسارع البعض إلى زيادة الأسعار فى الربع الأخير من عام 2025 .
أرباح خيالية
وأكد المهندس طارق شكري رئيس غرفة التطوير العقاري بإتحاد الصناعات المصرية أن الصورة المتداولة عن المطورين العقاريين وأنهم يحققون أرباحا خيالية غير صحيحة، مشيرا إلى أن الشركات المقيدة في البورصة – والتي تخضع لشفافية الميزانيات والضرائب – تحقق هوامش ربحية تتراوح بين 10 و15% فقط خلال مدة تنفيذ المشروعات التي تمتد من 4 إلى 6 سنوات . وعن تكلفة المشروعات العقارية وآليات التسعير ، قال شكري فى تصريحات صحفية ان المعادلة واضحة ومعروفة، وتشمل تكلفة الأرض التي تمثل نحو 30–35% من قيمة المشروع، وتكلفة المباني والمرافق واللاند سكيب التي تصل إلى 35–45%، بالإضافة إلى التسويق والبيع بنسبة تقارب 10%، والمصاريف الإدارية والهندسية من 3 إلى 5%. وأوضح أنه بهذا التوزيع تصل نسبة التكلفة الإجمالية إلى نحو 90% من قيمة الوحدة، ويتبقى هامش ربحية في حدود 10%. لافتا إلى أنه إذا كان المطور يعتمد على قروض بنكية، فإن جزءًا من هذه النسبة يذهب في صورة فوائد ولا تقل مصاريف التمويل عن 5%، وقد تنخفض الأرباح إلى 7 أو 8%، بل قد يخسر بعض المطورين في بعض الحالات. وشدد على أن السوق العقاري في مصر محسوب ومنطقي ومتوازن، بعيدًا عن أي صور غير واقعية يتم تضخيمها مؤكدا أن هذا السوق لا يحقق أرباحًا مبالغا فيها بنسب 30% أو أكثر، وإنما يعتمد على هوامش ربحية عادلة، ما يضمن استقرار السوق وعدم حدوث اختلالات أو فقاعات سعرية.
سعر الدولار
واعتبر شكرى أن الحديث المتكرر حول أسعار مبالغ فيها لعقارات في مصر، مثل فيلا تُسعر ب500 مليون جنيه على البحر، لا يعكس واقع السوق ولا يمكن اعتباره ظاهرة عامة ، وانما تعتبر حالات استثنائية وتقتصر على وحدات قليلة في الصف الأول بالساحل الشمالي داخل ثلاثة أو أربعة مشروعات فقط، أي ما يقارب 50 إلى 100 وحدة لسوق بتعداد 110 ملايين مواطن. وأضاف أن جزءًا من هذه الأرقام يتم استخدامه في إطار التسويق، حيث تعلن بعض الشركات عن طرح فيلات بأسعار مرتفعة جدًا لجذب الانتباه، بينما في الواقع توفر وحدات أخرى بأسعار مختلفة وأكثر تناسبًا مع القدرة الشرائية للعملاء وأوضح شكرى أن ما شهده السوق العقاري في عام 2024 من مبيعات ضخمة كان نتيجة ظروف استثنائية، وليس نمطًا متكررًا أو قاعدة يمكن البناء عليها وذلك نتيجة قرارات التعويم التي رفعت سعر الدولار من 30 إلى ما بين 55 و70 جنيهًا في بعض الفترات، وهو ما أحدث حالة من الارتباك الشديد ودفع المواطنين للبحث عن وعاء آمن يحافظ على قيمة مدخراتهم، فكان العقار هو الخيار الطبيعي. وأضاف: لا يمكن أن نقارن السوق فى عام استثنائى بعام آخر وإنما نقيس على متوسط عدة سنوات. وإذا استبعدنا 2024، سنجد أن معدلات المبيعات خلال 2020 وحتى 2023 متقاربة، وفي 2025 عادت لمستويات متوازنة تشبه هذه المعدلات بل تزيد قليلًا. وأشار شكرى إلى أن القطاع العقاري بطبيعته استثمار طويل الأجل، وليس مجالًا للمضاربة السريعة، موضحًا أن المستثمر الحقيقي هو من يدخل في مشروعات تتراوح فترة استثماره بين 3 و5 سنوات أو أكثر، وليس من يسعى لتحقيق مكاسب آنية خلال عام أو اثنين.
فقاعة عقارية
وأكد أنه لا توجد فقاعة عقارية في مصر، مشددًا على أن هذا التساؤل يُثار منذ أكثر من 25 عامًا دون أن تثبت صحته، لافتا إلي إنه منذ عام 2000 وحتى اليوم، يتكرر سؤال: هل هناك فقاعة عقارية في السوق المصري؟ وفي كل مرة يثبت الواقع أن السوق قوي ومستقر ولا يشهد مثل هذه الظاهرة. وأوضح شكري أن مفهوم "الفقاعة العقارية" يرتبط بحدوث تضخم غير مبرر في أسعار العقارات، غالبًا نتيجة التوسع المفرط في التمويل العقاري، كما حدث في الأزمة العالمية عام 2008 بالولايات المتحدة. مضيفا انه في ذلك الوقت وصل التمويل العقاري إلى 105% من قيمة الوحدة، أي أن المواطن كان يحصل من البنك على قيمة الشقة كاملة بل ومبلغ إضافي، ما أدى إلى انفجار الأزمة لاحقًا بعد تحويل هذه القروض إلى أوراق مالية متداولة بشكل مبالغ فيه. وأشار إلى أن الوضع في مصر يختلف تمامًا، فحجم التمويل العقاري لا يتجاوز 3 – 4% من حجم السوق، و 2.5% منه موجه للإسكان الاجتماعي موضحا أن المطورين العقاريين تحولوا في السنوات الأخيرة إلى دور أشبه بالبنوك من خلال منح فترات سداد طويلة تصل إلى 10 و12 سنة وأحياناً أكثر، إلا أن جوهر المشكلة يظل مرتبطاً بقيمة القسط الشهري وأوضح شكري أن الحل الجذري يتمثل في تفعيل نظام تمويل عقاري بفائدة مخفضة كاشفاً عن تقدمه بمقترح يتمثل فى منح تمويل عقاري تستفيد منه الاسرة مرة واحدة بفائدة بين 8 الى 12 % . واضاف آن المقترح يحدد الفائدة بحسب مساحة الوحدة كالاتى : للوحدات حتى 100 متر: فائدة 8% من 100 إلى 150 متراً: فائدة 10% أكثر من 150 متراً: فائدة 12% وأشار إلى أن هذا المقترح يراعي البعد الاجتماعي، فالمواطن الذي يشتري وحدة صغيرة بقدرات محدودة يجب أن يحصل على فائدة أقل، لأن هدفه السكن وليس الاستثمار. وبالتالي ندعم احتياجات حقيقية وليس مضاربات تجارية. وأكد شكري أن مقترحه يستهدف بالأساس دعم الطبقة المتوسطة، التي وصفها بأنها "العمود الفقري للمجتمع المصري"، قائلاً: هذه الطبقة تعرضت لضغوط كبيرة في السنوات الماضية، وهي طبقة كريمة لا تعبر عن معاناتها بالصوت العالي. لذلك آن الأوان أن نوفر لها حلاً عملياً للسكن بفايدة منطقية تحفظ استقرارها. ولفت إلى أن القطاع العقاري يمثل أحد أعمدة الاقتصاد المصري، حيث يعمل به نحو ربع المصريين في مستويات وظيفية مختلفة، تبدأ من المهندس والمحاسب ورئيس الشركة وصولاً إلى العامل البسيط الذي يعتمد على يوميته مشددا على أن هذا القطاع هو مصدر رزق لفئة واسعة ومهمة من المجتمع، ويسهم بأكثر من 20% من الناتج القومي المحلي، ويقود خلفه أكثر من 100 صناعة مباشرة وغير مباشرة. وقال شكري أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين قوة القطاع العقاري واستقرار الاقتصاد في أي دولة، موضحاً أنه إذا كان القطاع قوياً ومستقراً، انعكس ذلك على الاقتصاد الكلي والعكس صحيح محذرا من أن المعلومات غير الدقيقة تؤدي إلى إرباك السوق.