بعد شهور من الصمت والتواطؤ، خرج نظام المنقلب السفاح عبد الفتاح السيسي ليُعلن في مشهد استعراضي فج بدء "تدفق" الشاحنات المحمّلة بالمساعدات إلى غزة، في محاولة لتجميل صورته المشوّهة بفعل الغضب الشعبي الواسع، والتظاهرات الحاشدة أمام السفارات المصرية بالخارج، احتجاجًا على مشاركته الفعلية في تجويع الفلسطينيين إرضاءً لتل أبيب وواشنطن. وبينما هلّلت أبواق النظام لدخول "أكثر من 130 شاحنة"، تجاهل الإعلام الرسمي أن غزة تحتاج فعليًا إلى 600 شاحنة يوميًا كحدٍّ أدنى لتلبية احتياجات السكان المحاصرين، بينما لا تغطي الكميات التي دخلت تحت أعين الاحتلال الإسرائيلي وتفتيشه سوى نسبة هزيلة من الاحتياجات لا تتجاوز 5% فقط، وفقًا لتقديرات أممية.
وتأتي هذه الخطوة بعد كارثة إنسانية امتدت لأكثر من خمسة أشهر من الحصار الكامل، منذ 2 مارس/آذار، تحولت فيها المساعدات المتكدسة في المعابر إلى مواد تالفة وغير صالحة للاستخدام بسبب طول الانتظار، وسط صمت مصري مخزٍ عن جرائم الاحتلال، ورفض مستمر لفتح معبر رفح بشكل مباشر دون المرور عبر معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي.
ورغم الادعاءات الحكومية، أكدت مصادر ميدانية أن الاحتلال لا يزال يتحكم في طبيعة المساعدات المسموح بدخولها، حيث رُفضت شاحنات محمّلة بالطحين، في وقت يعاني فيه أطفال غزة من سوء تغذية حاد أودى بحياة العشرات، بحسب بيانات وزارة الصحة في القطاع، التي أكدت وفاة 127 شخصاً، بينهم 85 طفلاً، بسبب الجوع.
استعراض فارغ.. وإعلام احتفالي على أطلال المجاعة
وسط هذه الكارثة، احتفل إعلام النظام المصري بما وصفه ب"نجاح القاهرة في إدخال مساعدات إنسانية"، مصوّراً المشهد وكأنه نصر دبلوماسي، بينما الواقع أن المساعدات دخلت تحت رقابة إسرائيلية مشددة، وضمن شروط إهانة، بعضها يحمل علم الإمارات ومشاريع إغاثية بتمويل خليجي.
وفي مقابل استعراض الشاحنات، احتشد مئات المتظاهرين أمام السفارات المصرية في عدد من العواصمالغربية، خاصة لندن وباريس وبرلين، رافعين شعارات تتهم السيسي ب"التواطؤ في تجويع غزة"، ومطالبين بفتح معبر رفح بشكل دائم ومن دون وصاية إسرائيلية.
كما اضطرّت بعض السفارات المصرية إلى الإغلاق المؤقت بعد تصاعد الغضب الشعبي، وتكثف التواجد الأمني حولها، في وقت تراجعت فيه سمعة القاهرة كوسيط تقليدي في القضية الفلسطينية، لتتحول إلى شريك في حصار 2.2 مليون إنسان داخل سجن كبير.
أكاذيب "التدفق" أمام مشهد مجاعة جماعية
في ظل ما تصفه الأممالمتحدة ب"المجاعة الجماعية المتسارعة"، حذّرت أكثر من 100 وكالة إغاثة دولية من أن غزة تشهد واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية المعاصرة، حيث تنفد المخزونات الغذائية والدوائية، ولا تزال آلاف الشاحنات (تقدّر ب6 آلاف) عالقة في الأردن ومصر بانتظار "الضوء الأخضر" من تل أبيب.
وفي حين يستمر التحالف الأميركي الإسرائيلي في حرب الإبادة عبر القصف والتجويع والتهجير، لا يزال السيسي يصرّ على لعب دور "البوّاب الإسرائيلي"، مانعًا دخول المساعدات أو السماح بمرورها إلا بموافقة تل أبيب، وسط تواطؤ إقليمي مفضوح.
السيسي.. حارس بوابة الحصار لا وسيط سلام
السؤال الذي يتردد اليوم في ساحات التظاهر وعناوين الصحف العالمية: لماذا يصرّ النظام المصري على تجويع غزة؟ الجواب الأكثر وضوحًا: من أجل عيون نتنياهو. فمنذ انقلاب يوليو 2013، والنظام العسكري في القاهرة لم يتوقف عن خدمة المشروع الصهيوني سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، وها هو اليوم يكمّل مهمته بإغلاق المعابر وحصار الفلسطينيين، تاركًا أطفالهم يموتون جوعًا.
إن إدخال عشرات الشاحنات اليوم، لا يُغني من جوع، ولا يُكفّر عن شهور من التجويع المُمنهج، ولا يُغيّر من حقيقة أن السيسي يقف على الجانب الخطأ من التاريخ، كتفًا بكتف مع من يشنّ حرب إبادة ضد شعب أعزل، لا يملك إلا صموده وإرادته.