على طريقة العسكر في استلاب وعي الشعب، وجره نحو وعي مزيف، ركز ا المنقلب السفيه لسيسي في مكلمته المتكررة، في احتفالات وزارة الداخلية بمجازرها في حق الشعب المصري، على أزمة الدولار ، في محاولة لنفي اتهام تسببه في أزمة انهيار الجنيه وشح الدولار بمصر، ونسب المشكلة إلى سابقيه، على خلاف الثابت تاريخيا واقتصاديا. وكان عبد الفتاح السيسي قد تطرق إلى أزمة نقص الدولار، في كلمته بمأدبة غداء أقامها بمناسبة عيد الشرطة، الأربعاء، قائلاً: "معركة الدولة ليست ضد الدولار، وإنما ضد نقص الدولار، وهذه هي الحكاية ببساطة في مصر، كل من يتحدث عن الاقتصاد، ويقول إن لديه الروشتة للحل والأفكار مرحب به معنا، وأي حل أو مقترح سننظر فيه بجدية، لأننا أصحاب المصلحة لحل أي مسألة". وأضاف السيسي: "نحن خرجنا من 2011 و2012 و2013 في محنة كبيرة، واقتتال وفوضى وتخريب وتدمير لهدم الدولة المصرية، حتى استطعنا القضاء على الإرهاب في عام 2022، وهذا معناه أن الإنفاق كان كبيراً للقضاء على الإرهاب، وبلغ نحو 130 مليار جنيه (نحو 2.57 مليار دولار)، حيث كان أمامنا أحد مسارين: إما بقاء الوضع كما هو عليه، أو الخيار الآخر الذي اتخذناه". وتابع متسائلاً: "هل المصريون كانوا على استعداد لانقطاع الكهرباء عن منازلهم لمدة سبع ساعات يومياً دون توقف؟ الدولة تحتاج إلى 20 مليار دولار أو أكثر سنوياً لتوفير المنتجات البترولية، في وقت تبيع فيه المحروقات والكهرباء للمواطنين بالجنيه (العملة المحلية)، وبقيمة أقل من التكلفة الفعلية". وذلك على الرغم من تضمن موازنات مصر منذ ثلاثة سنوات الرقم صفر، أمام دعم الطاقة، أي إن الطاقة تباع سعر التكلفة العالمية. وزاد: "كلامي هذا لا بد أن يدرّس في الجامعات، حتى يعرف الطلاب ما معنى كلمة الدولة، ولو أننا سعرنا الوقود بقيمته الحقيقية سيكون سعره مختلفاً كثيراً عن سعره الحالي، والحل هو أن يتساوى إنفاقنا من الدولار مع مواردنا التي تأتي منه، سواء كانت من تحويلات المصريين في الخارج أو من إيرادات قناة السويس والسياحة". واستطرد السيسي: "حل المشكلة الاقتصادية وارتفاع الأسعار يتطلب تعاون الجميع حتى تكون مواردنا من الدولار أكبر من إنفاقنا، فالدولار عملة حرة تعكس قدرة الدولة على تلبية مطالب الشعب بشكل مستقر، وأتمنى أن يتوقف الاقتراض من الخارج، ولكن كيف؟ نحن في حاجة إلى استيراد ملايين الأطنان من الأقماح والذرة سنوياً بسبب عدد السكان الكبير، وحتى عام 1970 لم تكن هناك ديون على مصر، ثم قفزت إلى أكثر من 100 مليار دولار بحلول عام 1989". وحسب بيانات البنك الدولي، لم تصل ديون مصر الخارجية إلى 100 مليار دولار إلا في عهد السيسي، إذ بلغ إجمالي الدين لمصر نحو 45.7 مليار دولار في 1989، ثم تراجع إلى نحو 33 مليار دولار في 1990، على خلفية مشاركة مصر في حرب تحرير الكويت من الغزو العراقي. ومنذ تولي السيسي الحكم عام 2014، قفز الدين الخارجي بمعدلات غير مسبوقة من نحو 41.8 مليار دولار إلى 155.2 ملياراً، في نهاية ديسمبر الماضي، كما تراجع سعر صرف الجنيه مقابل الدولار من نحو سبعة جنيهات إلى أكثر من 50 جنيهاً حالياً. حلول عسكرية وجاءت حلول الحكومة لأزمة الدولار أكثر من مرة، برفع قرض صندوق النقد الدولي إلى 8 مليارات دولار، وبيع أرض رأس الحكمة ب 35 مليار دولار. بالإضافة لمنح ومساعدات شرقية وغربية أخرى، أدت إلى انخفاض ديون مصر من 168 مليار دولار إلى 152 مليار دولار، ثم زادت الديون مرة أخرى إلى 155.3 مليار دولار دون مبرر، في سبتمبر 2024. الحديث عن الدولار فتح شهية السيسي لذكر ديون مصر، لكن تصريحاته كانت غير دقيقة بالمرة. هذا الكلام غير دقيق إذ بلغ إجمالي الدين الخارجي لمصر للعام 1970 "1.80 مليار دولار"، غير أن إجمالي الدين الخارجي لمصر في 1989 بلغ 45.7 مليار دولار، ولم تصل إلى 100 مليار دولار إلا في 2018 بعهد السيسي. قروض جديدة وبيع أصول مثلت تصريحات البنك الدولي في أحدث تقاريره بأنه يتعين على حكومة مصر سداد 43.2 مليار دولار التزامات ديونا خارجية بأول 9 أشهر من 2025، صدمة كبيرة لدى كثير من الاقتصاديين المصريين، وعن مدى قدرتها على السداد. ويشمل المبلغ المشار إليه سداد قروض، وودائع، واتفاقيات مبادلة عملة للبنك المركزي، والبنوك التجارية، وجميعها عبارة عن 5.9 مليار دولار فوائد، و37.3 مليار دولار أصل قروض. رقم مرعب ما أعلنه البنك الدولي عن ديون 2025، خاصة مع احتياطي نقدي لا يتعدى 47.109 مليار دولار، دفع البعض لوصف الرقم بالمرعب، وبالتكهن بأنها مقدمات للإفلاس، والقول إن مصر تحتاج معجزة للسداد، أو أنها ستفرط فيما هو أكبر من "رأس الحكمة"، لإنقاذ اقتصاد يعاني أزمات هيكلية مزمنة، وشعب يصل 107 ملايين نسمة، ويعاني أغلبه الفقر وضعف القدرة على توفير المستلزمات الأساسية. وبحسب ما نقلته "العربية بيزنس"، يتوزع سداد تلك الالتزامات على الحكومة المصرية بنحو 10.4 مليار دولار، والبنك المركزي المصري نحو 21.2 مليار دولار، والبنوك التجارية نحو 8.1 مليار دولار، والقطاعات الأخرى نحو 3.5 مليار دولار. وتتوزع الالتزامات بين قروض بقيمة 17.1 مليار دولار، و20.5 مليار دولار ودائع واتفاقيات مبادلة عملة يتعين على البنك المركزي سدادها، بخلاف 272 مليون دولار ودائع وعملات مُستحقة على البنوك، ونحو 3.1 مليار دولار أوراق دين، ونحو 2.1 مليار دولار تسهيلات تجارة. بيع رأس الحكمة لسداد ديون 2024 وفي 25 ديسمبر الماضي، أكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أن مصر سددت 38.7 مليار دولار من الديون المستحقة عليها في 2024. ومثلت صفقة بيع أرض "رأس الحكمة" في الساحل الشمالي الغربي، لدولة الإمارات في مارس 2024، طوق نجاة للحكومة من أزمة مستحقات الدين الخارجي العام الماضي، ما يدفع للتساؤل عن حلول القاهرة لمواجهة أزمة العام الجديد مع ديون وفوائد ومتأخرات مستحقة بأكثر من 43 مليار دولار، وفق آخر بيانات البنك الدولي. والأحد الماضي، قال وزير المالية أحمد كوجك، إن الحكومة استخدمت حصيلة صفقة "رأس الحكمة" -35 مليار دولار- بكفاءة، وأنها أسهمت بتراجع قيمته 3 مليارات دولار بحجم الدين الخارجي الذي سجل 155.3 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي. قروض متواصلة وفي الوقت الذي تعاني فيه مصر من حجم القروض، أقر لها الاتحاد الأوروبي في مارس الماضي، حزمة تمويلية بإجمالي 7.4 مليار يورو على شكل منح وقروض حتى نهاية عام 2027، حصلت منها الحكومة المصرية على مليار يورو نهاية ديسمبر الماضي. وأعلنت وزيرة التخطيط رانيا المشاط، الثلاثاء، عن بدء مصر مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، للحصول على تمويل ب4 مليارات يورو، في يونيو المقبل، لدعم الموازنة المحلية. ومنذ مارس 2024، تواصل حكومة السيسي الحصول على دفعات قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات بعد رفع قيمته من 3 مليارات لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي، والذي يتبقى له 4 شرائح في ربيع وخريف 2025 و2026، كل منها تبلغ نحو 1.2 مليار دولار. وبلغ إجمالي التزامات مصر تجاه صندوق النقد الدولي 13.2 مليار دولار، ما يتجاوز مجموع ديون 8 دول عربية للصندوق، وهي: الأردن والسودان وتونس والمغرب وموريتانيا والصومال وجيبوتي وجزر القمر، بمقدار 7.2 مليار دولار حتى 5 نوفمبر الماضي، وفقا لبيانات الصندوق. كيف ستسدد مصر ديون 2025؟ الخبيرة والأكاديمية الدكتورة علياء المهدي قالت في تصريحات صحفية، حول قراءتها للموقف المصري في ملف الديون: إنه "كما ساهمت صفقة رأس الحكمة مع تمويل أوروبي ومن صندوق النقد في حل أزمة مستحقات دين 2024، فإن الحكومة المصرية كي تحل أزمة أقساط وخدمة ديون العام الجديد، ستواصل ذات التوجه". وأضافت: "أعتقد أن مواصلة بيع الأصول العامة والحكومية سيبقى كحل مستمر للأزمة المالية الحالية وتبعات الدين الخارجي، من وجهة نظر حكومية". واتفق معها الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى شاهين، معربا عن أسفه من أن "إجمالي هذا الاحتياطي النقدي لا يكفي لسداد كامل الديون؛ فلهذا فإن الحكومة المصرية ستكون مضطرة في إحدى الحلول المتاحة أمامها للاقتراض الخارجي مرة أخرى"، ملمحا إلى تبعات هذا التوجه والاستمرار فيه. ويبدو أنه على غرار تحويل الإمارات نحو 11 مليار قيمة ودائعها بالبنك المركزي المصري إلى صفقة "رأس الحكمة"، تتجه دول عربية كالسعودية إلى حذو حذوها وتحويل ودائعها إلى استثمارات، فيما تبلغ قيمة الودائع العربية قصيرة الأجل 11.7 مليار دولار، وتصل متوسطة الأجل ل9.3 مليار دولار.