نجحت سلسلة الإنجازات الدبلوماسية والعسكرية التي حققها الرئيس رجب أردوغان، في جعل تركيا أقوى كأيام الإمبراطورية العثمانية، بينما تجري الآن انتخابات رئاسية تتزامن مع الذكرى المئوية لدولة تركيا الأتاتوركية. ويؤكد المراقبون أن أوروبا لن تستسلم أبدا أمام اكتساح أردوغان في كل انتخابات، ولن تتقبل نجاته عند كل أزمة ولا حكمته عند كل مفترق طرق ، ولن يقف فرسان المعبد مكتوفي الأيدي قليلي الحيلة، بينما تركيا تنمو وتتقدم وتتطور وأردوغان يتسيّد المشهد. الانقلاب الفاشل تقول الكاتبة الصحفية إحسان الفقيه :" ساذج من يظن أن أوروبا وأمريكا اطمئنت للأتراك يوما، وما الانقلاب العسكري الفاشل ببعيد وما الانقلاب الاقتصادي والتلاعب بالليرة التركية إلا مؤشرات". وتضيف "أوروبا والغرب يعلمون يقينا، أن الأتراك إن ملكوا طعامهم وسلاحهم فأول عمل لهم هو البحث عن الذات وعن الجذور وعن مجد قديم ما يلبثوا أن يجدوه لو قرروا وأرادوا ، وعسى أن يكون قد اقترب". وتختم بالقول :"أوروبا تعلم أن الحد الفاصل بين الدولة التركية العلمانية وبين عودة الامبراطورية العثمانية هو بقاء أردوغان باني النهضة الحديثة". ومنحت الأحداث العسكرية والسياسية العاصفة التي ألمت بالعالم خلال العامين الفائتين أردوغان فرصة ذهبية، ومن بينها صفقة الحبوب التي توسط فيها بين أوكرانيا وروسيا، بالإضافة إلى حملاته العسكرية ضد المجموعات المسلحة الإرهابية في سوريا والعراق، وذلك دليل على مؤهلاته القيادية، وفي ملف اليونان اتهمها بنهب حقوق تركيا الإقليمية في بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط، تلك أوراق كثيرة جمعها أردوغان في كفه كونه في مركز السلطة بالفعل، فهل تكفي تلك الأوراق في إعادة تنصيبه رئيسا في الانتخابات الجارية؟ نقلت رويترز عن مسؤول في حزب العدالة والتنمية، قوله: "الناخبون يدركون فوائد الدبلوماسية، في بعض الأحيان يشتكون من الاقتصاد أو اللاجئين، لكنهم سيصوتون لأردوغان من أجل استمرار تركيا الفعالة". يقول السياسي التركي "خليل جليك" :"هناك نجاحات بارزة في السياسة الخارجية من ليبيا إلى أوكرانيا، مرورا بترميم العلاقات مع السعودية والإمارات، ولا يحتاج أردوغان إلى سياسة التصعيد". المشكلة الأساسية أمام أردوغان في الانتخابات، هي الأزمات الاقتصادية والتضخم على نحو خاص، والرئيس التركي يعي هذه المشكلات وأعتقد بأننا سنرى مشروعات اقتصادية جديدة من قبل الحكومة لتحسين ظروف المواطن خلال أشهر عدة، يضيف خليل جليك. وبالإضافة إلى كمال كليشدار أوغلو، مرشح تحالف الطاولة السداسية المعارض، والذي يُنظر إليه على أنه أقوى منافسي إردوغان، ويحمل برنامجه إلغاء جميع التغييرات الدستورية التي قام بها أردوغان، والعودة بالبلاد إلى النظام البرلماني، عوضا عن النظام الرئاسي، يتنافس أمام أردوغان محرم إنجه مرشح حزب الشعب الجمهوري وهو حزب يميني، وسنان أوغان المحسوب أيضا على اليمين، وكلاهما ليسا من ذوي الحظوظ العالية في المنافسة، لكن لهما اعتبار في تفتيت أصوات مرشح المعارضة الأبرز كليشدار، ويستخدمان ورقة معاداة اللاجئين بقوة في خطابيهما الانتخابي. فضيحة الكاسيت تخبط المعارضة وارتباك مواقفها جعل رئيس تحرير قناة "Fox haber" الإخبارية التركية، إحدى أكبر القنوات الإعلامية المعارضة لحزب العدالة والتنمية، توقع فوز أردوغان، حتى أنه تعجل إنتهاء التصويت، موجها اللوم للمعارضة قائلا: "دفنوا الآمال المعلقة عليهم تحت أنقاض خلافاتهم، كما دفن الزلزال أرواح الآلاف من مواطنينا مؤخرا". ومنذ أحداث الزلزال الأخير عاش الشارع التركي تقلبات درامية، وكأنما الدراما التركية انتقلت إلى أرض الواقع، وخسرت المعارضة مساحات واسعة من أصوات الناخبين بسبب الجدال والصراع بين أحزابها، الذي وصل إلى ذروته مع إعلان زعيمة حزب الجيد ميرال أكشنار، انسحابها من التحالف السداسي المعارض، رفضا لترشيح رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليشدار أوغلو، إلى منصب الرئاسة في مواجهة أردوغان، علماً بأن حزب أوغلو هو الأكبر بين أحزاب المعارضة التركية. رأب صدع المعارضة كان على عاتق زيارات مكوكية قام بها رئيسا بلديتي إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وأنقرة منصور يافاش، لتقريب وجهات النظر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فيما سخر أردوغان مما يحصل رافضا أي فكرة لانضمام أكشنار إلى تحالف الجمهور العدالة والتنمية والحزب القومي، بقوله "لسنا مهتمين بجمع الحصى المتساقطة". توقيت خلافات المعارضة وظهورها إلى العلن وعدم استغلال ما يمكن وصفه بالفرصة الذهبية لإسقاط أردوغان، بعد 20 عاما من الحكم، خاصة بعد كارثة الزلزال التي كانت قادرة بدورها على تغيير توجهات الناخبين وتحديدا بعد التقصير الحكومي في معالجة الأزمة، تفتح باب الشكوك حول إمكانية تحقيق المعارضة نصرا على أردوغان. فيما يعاني أردوغان من تبعات الأزمة الاقتصادية التركية، وكذلك حمل ما خلفه الزلزال، إلا أنه في السنوات العشر الأولى له في السلطة تمكن مع حزبه العدالة والتنمية من الحفاظ على قاعدة الناخبين المؤيدة لهما، المكونة أساسا من الأتراك ذوي الدخل المنخفض والمحافظين، عبر تسجيل نمو اقتصادي قوي. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا قضية بعنوان الكاسيت، بطلها المرشح الرئاسي المعارض كمال كليتشدار أوغلو، وتناقلتها الحسابات من كافة التوجهات السياسية. بدأ الأمر بحديث كليتشدار أوغلو في لقاء تلفزيوني، عن احتمال نشر تسجيلات صوتية له، مؤكدا أنها مفبركة، وبعد حديث زعيم المعارضة، تحدث الرئيس رجب طيب أردوغان عن اجتماعات أجراها منافسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولاياتالمتحدة. ويدور حديث في الأوساط السياسية التركية عن وجود تسجيلات مسربة قد تنشر قريبا عن وعود قدمها كليتشدار أوغلو لجهات خارجية وأخرى مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية.