توقّعت مراكز أبحاث دولية ومحللون سياسيون سقوط حكم العسكر ورحيل قائد الانقلاب الدموى عبد الفتاح السيسي خلال أشهر؛ بسبب فشله فى مواجهة وباء كورونا المستجد وفتك الفيروس بقطاعات كبيرة من المصريين، يأتي فى مقدمتهم الأطباء الذين تزايدت أعداد الوفيات بينهم بسبب كورونا؛ نتيجة عدم توافر المستلزمات الوقائية بالمستشفيات والإدارة الفاشلة للأزمة من جانب وزارة الصحة بحكومة الانقلاب . وقال سياسيون، إن أزمة كورونا كشفت استهتار نظام العسكر واستهانته بالمصريين وتجاهله المنظومة الصحية والحالة المتردية للمستشفيات الحكومية، معتبرين أن إعلان السيسي تخصيص 100 مليار جنيه لمواجهة كورونا أكذوبة كبيرة ومجرد شو إعلامى ليس له وجود فى الواقع . وأكدوا أن هذه الأكاذيب وهذا الاستهتار سيدفع المصريين للثورة على نظام العسكر وإسقاطه، مثلما أسقطوا نظام المخلوع حسنى مبارك فى 25 يناير 2011 . وأوضح السياسيون أن "كورونا" وعوامل خارجية أخرى، مثل تراجع أسعار النفط والحروب التجارية العالمية، ستضعف السيسي وستكشف مزاعمه التى اعتاد تقديمها للشعب المصري على أنه حامى الاستقرار الاقتصادي والسياسي، وأنه لولا العسكر لتحولت مصر إلى سوريا أو اليمن أو ليبيا جديدة . ثورة المصريين من جانبه أكد مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأمريكي “ستراتفور”، أن وباء كورونا سيضعف قبضة السيسي وقد يؤدى إلى انهيار نظام العسكر، مشيرا إلى أن فشل العسكر فى مواجهة الفيروس وتزايد أعداد المصابين والوفيات سيدفع الشعب المصري الذي يعاني من مشاعر إحباط وضغوط اقتصادية إلى الخروج للتعبير عن معارضته والمطالبة برحيل السيسي. وقال ستراتفور، إن تزايد أعداد الضباط المتقاعدين والحاليين المنخرطين في القطاع الخاص بمرور الوقت سيسهم في تسريع هذا السيناريو، موضحا أن هيمنة العسكر على الاقتصاد تؤدى إلى إثارة الخوف في صفوف المستهلكين والمستثمرين الأجانب من تأثير الدور المتنامي للجيش على فرص المنافسة بالقطاع الخاص. وأشار إلى أنه خلال الربع الأول من عام 2020، شهد الاقتصاد المصري تباطؤًا ملحوظا، ووفقًا للبيانات الصادرة عن جهاز التعبئة والإحصاء في أغسطس 2019، كان ما يقرب من ثلث سكان البلاد يعيشون في فقر مدقع، مؤكدًا استمرار تباطؤ نمو الأجور مع استمرار التضخم، وتزايد معدل البطالة مع تصاعد وباء "كورونا". وأوضح سترانفور أن هناك عدة قرارات لحكومة الانقلاب في السنوات الأخيرة أدت إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية للبلاد، وجعلت المصريين يعانون من إجراءات التقشف وتراجع القوة الشرائية، ما أدى الى شيوع ظاهرة الركود فى الأسواق . وحذر من أن إدارة "السيسي" للاقتصاد أدت إلى زيادة المشاعر المناهضة للعسكر، مؤكدا أن هذا الأسلوب فى الإدارة سيدفع المصريين الذين يعانون من ضائقة مالية ويأس وإحباط إلى الثورة على العسكر والمطالبة برحيل السيسي . معدلات الفقر وقال كارنيجي: إن هذا الضعف المتزايد للقطاعات الحيوية في مصر مثل الصحة والضمان الاجتماعي يمكن عزوه إلى إعطاء حكومة الانقلاب أولوية كبيرة منذ عام 2015 للإنفاق العسكري، وقيامها بتبديد الأموال على المشروعات الضخمة التى لا تحثث عائدا على المواطنين. وأشار إلى أن ما تسميه حكومة الانقلاب خطة الإصلاح الاقتصادي بالشراكة مع صندوق النقد الدولي منذ عام 2016، لم تُسهم إلا في زيادة الأمور سوءا بالنسبة للمصريين، مؤكدا أن خفض الإنفاق الحكومي على الدعم والخدمات تسبّب فى زيادة معدلات الفقر إلى 30% وفق الأرقام الرسمية، و50% بحسب البيانات غير الرسمية، وهو ما أدّى إلى تراجع الطلب المحلي وانخفاض الاستهلاك، وتسبّب بالتبعية في الحد من آفاق نمو القطاع الخاص وجعله أكثر عرضة للصدمات. وحذر المعهد من أن القطاع الخاص (يوظّف نحو 23 مليون شخص) لا يبدو مؤهلا للتعامل مع الأزمة في غياب الدعم الحكومي، مشيرا إلى أن الكثير من الشركات اضطرت إلى إغلاق أبوابها، فيما لجأت بعض الشركات إلى تسريح جزء كبير من القوى العاملة أو تخفيض رواتب الموظفين بنسب مؤثرة. ولفت إلى أن معظم العاملين في القطاع الخاص لا يتمتعون بأي مستوى من الرعاية الاجتماعية مع كونهم مُدرجين على قوة القطاع الخاص غير النظامي، بما يعني أنهم غير مشتركين في منظومة التأمين الاجتماعي . أيام صعبة وأكد محمد السعيد، الباحث السياسي، أن كل المؤشرات الخاصة بوباء كورونا تخبرنا أن نظام السيسي سيواجه أياما صعبة بسبب الفيروس، موضحا أنه مع استمرار انتشار الوباء وفي ظل تقارير تتحدث عن أن ذروة الإصابات في مصر ربما تكون خلال أواخر شهر مايو الجاري وشهر يونيو المقبل، وفي ظل معدلات الإصابة المرعبة في صفوف الطواقم الطبية والإغلاق المتتالي للمستشفيات بسبب الإصابات في صفوف الأطباء وطواقم التمريض ليس من المستبعد أن تخرج الأمور عن السيطرة خلال الأسابيع المقبلة، خاصة في ظل الهشاشة الشديدة للنظام الصحي المصري والنقص المزمن في تمويل هذا القطاع. وقال السعيد، فى تصريحات صحفية: على سبيل المثال، سجلت معدلات الإنفاق على الصحة في مصر تراجعا مستمرا من نسبة 6.7% في عام 2000 إلى 4.2% في عام 2016، وفي العام المالي 2018-2019، بلغ نصيب الفرد من الإنفاق على الرعاية الصحية 25 دولارا فقط لكل مواطن، وهو رقم هزيل جدا مقارنة بالمعدل العالمي الذي يُقدَّر ب1000 دولار لكل مواطن، بجانب النقص الحاد في أعداد أَسِرَّة "العناية المركزة" وأَسِرَّة المشافي بشكل عام حيث يتوفر في مصر بالكاد سرير واحد لكل 813 مواطنا، مقارنة بسرير لكل 363 مواطنا في إيطاليا التي انهارت منظومتها الصحية بشكل تام في مواجهة الفيروس. وأضاف أن الأخبار السيئة لا تقتصر عند هذا الحد، فبالتزامن مع النقص الحاد في الإمكانات اللوجستية للقطاع الطبي، تواجه دولة العسكر عجزا لا يقل خطورة في أعداد الطواقم الطبية، فمن أصل 220 ألف طبيب حصلوا على تصريح مزاولة المهنة، غادر 120 ألفا منهم للعمل في الخارج (منهم 65 ألف طبيب يعملون في السعودية وحدها)، فيما لا يعمل نحو 40 ألف طبيب آخرين على قوة المنظومة الصحية الرسمية في مصر، ويُفضِّلون العمل في المستشفيات والعيادات الخاصة، ونتيجة لذلك، يبلغ عدد الأطباء العاملين في قطاعات وزارة الصحة 57 ألف طبيب فقط، وهو رقم يكفي بالكاد لتلبية احتياجات القطاع المتزايدة. وأوضح السعيد أن مصر تمتلك معدلا متدنيا جدا لعدد الأطباء بالمقارنة بالمعدلات العالمية، حيث تمتلك 10 أطباء فقط لكل 10 آلاف مواطن، بالمقارنة مع 32 طبيبا لكل 10 آلاف مواطن عالميا، أي أن معدل عدد الأطباء في مصر يبلغ بالكاد ثلث المعدل العالمي، مؤكدا أن مصر صارت تعاني عجزا كبيرا في أعداد الأطباء، خاصة في التخصصات الحرجة مثل الطوارئ والعناية الفائقة والتخدير، ما يُنذر بخطر كبير حال زيادة عدد الحالات الخطيرة . ولفت إلى أن الصعوبات التي تواجهها مصر في زمان كورونا لا تقتصر على القصور المتوقّع في مستوى الرعاية الصحية فحسب، فمع فرض إجراءات إغلاق جزئي لمواجهة تفشي الفيروس، فإن حكومة الانقلاب مطالبة باتخاذ حزمة إجراءات اقتصادية لتعويض الفئات الأكثر تضررا وتنشيط الاستهلاك ومنع الاقتصاد من الدخول في حالة ركود، أزمة الشرعية وأكد أمجد أحمد جبريل، المحلل السياسي، أن تداعيات جائحة كورونا تُنذر باحتمال أن تواجه الدولة المصرية، في الشهور المقبلة، تحدياتٍ غير مسبوقة، منها تعميّق أزمة الشرعية التي يعانيها نظام السيسي، مع ترجيح فقدانه بعضا من مصادر الدعم السياسي والمالي الخارجي. وتوقع جبريل، فى تصريحات صحفية، تزايد تعقيد المشهد المصري بسبب ثلاثة عوامل: تفاقم حالة عدم اليقين والقلق بشأن المستقبل، احتمالات حصول كساد اقتصادي عالمي، تداعيات تراجع أسعار النفط، على اقتصاديات مصر وإقليم الشرق الأوسط عموما. وأشار إلى محاولات العسكر "توظيف" الانشغال العالمي بالجائحة فى زيادة قدرة نظام السيسي، على بسط سيطرته وسطوته على البلاد، موضحا أن ذلك ظهر في مؤشّرين: موافقة برلمان الدم على تعديل أحكام قانون الطوارئ، بما يمنح السيسى مزيداً من الصلاحيات، في مواجهة تداعيات فيروس كورونا. وقرار السيسي رقم 168 لسنة 2020، بشأن إعلان حالة الطوارئ، للمرة الثالثة عشرة في جميع أنحاء البلاد، ثلاثة أشهر جديدة، تنتهي في 28 يوليو المقبل. وأضاف جبريل أن إعلاميي العسكر انتهجوا "استراتيجية الإلهاء والتضليل المتعمّد"، وعمدوا إلى تشتيت أذهان المصريين بعيدا عن موضوع الفيروس، مع محاولة التركيز على موضوعاتٍ أخرى، والاستدعاء التقليدي لخطاب "المؤامرة الخارجية" على مصر، بيد أن إدارة النظام الأزمة بقيت تتسم بالارتباك، والعشوائية، وغياب الاستراتيجية، وغياب الشفافية، ومحاولة الإنكار، وتبسيط الأمور، وهيمنة النظرة الأمنية الاقتصادية على القرار السياسي، ولو على حساب صحة المصريين وسلامة المجتمع.