الأزمة الحقيقية التي تعانيها مصر منذ إندلاع ثورة الغضب يوم 25 يناير 2011 ، أن هناك " عصابة " وضعت بفعل فاعل على أعينها لتخفي الحقيقة عن الجميع ، وبدأت القوى السياسية في ممارسة ألاعيب السياسة على جثة المطحونين في هذا البلد وما اكثرهم . لم يلفت نظر البعض أو لفت نظرهم وتجاهلوا الحقيقة أن مصر مرت ب 12 حادثة كبيرة ومروعة على مدار عام كامل بداية من كنيسة أطفيح ، وحتى كارثة إستاد بورسعيد ، ولم يكشف أو يعلن عن المجرم الحقيقي وراء تلك الجرائم ، وتاهت الحقيقة وسط الصراع السياسي ، وضاع حق كل من أستشهدوا في ميادين مصر ، ولو عرف متسبب واحد في كل الأحداث ال 11 التي سبقت كارثة بورسعيد وتمت محاكمته ما وصلنا إليها ، وسيحاسب التاريخ من تقاعس عن كشف الحقائق ، ولن يغفر لهم المجتمع ذلك التقاعس . لعبت بعض وسائل الإعلام دورا كبيرا في وضع العصابة على أعين المجتمع ، مستغلين في ذلك البحث عن الإستقرار والامن الغائبين ، وهما أكثر ما يشغل بال المصريين في الشهورالأخيرة ، ولكن لم يقل لنا أحد من المسؤول عن غياب الأمن والإستقرار ، ورسخت تلك وسائل الإعلام في ذهن الغلابة أن الثورة هى السبب في ذلك ، وهى برئية من ذلك . الثورة لم تكن مسؤولة عن حوادث السطو على البنوك في عز الظهر ، كما إنها لم تكن مسؤولة عن إختطاف الناس في الشوارع وسرقة السيارات ، وكارثة بورسعيد ، وكلها جرائم لم يعرفها المجتمع المصري المسالم بطبعه ، ومن يحكم عليه تحمل مسؤولياته ، فالناس في مصر مغلوب على أمرها ، بدليل إنها تحملت نظام حكم مبارك ل 30 عاما ، وكل ما فعلته هو " مصمصة الشفايف " واللجوء إلى الله لينقذها مما هى فيه ، حتى تم لهم ما أرادوا يوم 25 يناير . الثورة لم تكن مسؤولة عن محاولات تقسيم مصر إلى مسلمين ومسيحيين ، أو إسلاميين وليبراليين ، وأخيرا بورسعيدية ومصريين ، على خلفية أحداث بورسعيد المأساوية ، كما إنها لم تكن مسؤولة عن سحق الأمن للمصريين في الشوارع ، ولم تكن مسؤولة عن بقاء الأوضاع السيئة على مدار عام كامل من الفترة الإنتقالية التي لها نموذج معروف ومحدد في العالم ، لكن البعض حاول التلاعب واللعب على الحبال لتحقيق مأرب شخصية . أقتلوا الثوار في الميادين ، إذا كانوا مسؤولين عن تراجع الإقتصاد المنهار أساسا منذ سنوات طويلة ، وأكثر ما يثير الأعصاب هو الحديث المكرر عن ما يسمى ب " عجلة الإنتاج " وكأن مصر كانت اليابان أو ألمانيا قبل الثورة ، أقتلوهم إذا كانوا هم السبب في حالة الإنفلات الأمني المتعمد ، واسلخوهم إذا ثبت عليهم تهمة تربح العديد من المسؤولين السابقين من المال العام ، وحاكموهم بلا رحمة وبلا قانون عقوبات لو أثبت أحد عليهم إنهم كانوا وراء الفتنة الطائفية التي إشتعلت في مصر لسنوات طويلة مضت ، إسجنوهم إذا أكد القانون براءة مبارك مما هو منسوب إليه، وإنه بريء من تهمة إفساد مصر ومحاولة تحقيرها أمام العالم ، وتراجع دورها الإقليمي ، ومحاولة تحويلها إلى عزبة هو عمدتها . الثورة ياسادة ، هى من أخرجت الخوف من المصريين الذين ظلوا سجنائه طوال عقود طويلة إمتدت إلى 6 عقود كاملة إن لم تكن أكثر ، وهى من قتلت في المصريين التربية بمنطق " إمشي جنب الحيط " و " الباب اللي يجيلك منه الريح سده وإستريح " وغيرها من الأمثلة الشعبية التي تكرس للخنوع ، ولم تكن مسؤولة عن المظاهرات الفئوية ، ولم تكن مسؤولة عن مساويء الفترة الإنتقالية ، الثورة أخرجت أفضل ما في المصريين ، ومن أداروا الفترة الإنتقالية أخرجوا أسوء ما المجتمع المصري . أقول للطيبين من أهل مصر، لا تصدقوا لابسي المزيكة ممن يخرجون عليكم في العديد من وسائل الإعلام ليقنعوكم أن الثورة والثوار هما سبب أزمتكم وخوفكم على مستقبلكم ، ولا تصدقوهم حينما يقولون لكم أن الثورة سبب البلاء الحالي في البلاد ، ولكن صدقوا انفسكم ، وصدقوا الشواهد التي ترونها كل يوم ، فلولا الثورة والثوار ما تمت محاكمة الفاسدين ، ولا إقترب مبارك من الوصول إلى سجن طرة ليضاف إلى قائمة طويلة هناك من أصدقائه، ولا تم تحديد موعد لنقل السلطة وإجراء إنتخابات الرئاسة ، ولا تمت إنتخابات نزيهة لمجلس الشعب ، ولا حصل الإسلام السياسي على الأغلبية فيه ، ولا أجبرت وزارة الداخلية على إعادة هيكلة نفسها من جديد بحسب المسؤولين فيها ، ولا تم إلغاء التوقيت الصيفي والشتوي الذي ظللنا فيه بدون سبب محدد . الثورة أي ثورة لها مطالب لو لم تتحقق فستستمر المظاهرات ، وهذا طبيعي لأن الثورة تحمل طابع التغيير وإبعاد كل من شارك في المرحلة التي سبقتها ، وستستمر المظاهرات في حال إنتخاب رئيس جديد لا ينفذ مطالب الثورة ، وعلى الرئيس الجديد أن يحتمي بالشارع والجماهير لإنهما أقوى من أي مؤسسة تدعي القوة ، وأثبت ذلك الشارع المصري على مدار الشهور الماضية .