تؤكد المواقف والمشاعر الجماعية لمعظم شرائح الشعب المصرى ان ما أعلنه الدكتور الجنزورى تحت قبة مجلس الشعب بأنه مسئول سياسياً عن مجزرة ستاد بورسعيد فى مُباراة كرة القدم بين الأهلى والمصرى لا يكفى . . ولن يرضى الشعب بانتظار نتيجة أعمال لجان تحقيقات وتقصى حقائق ، لأن الألم الجماعى فادح ، وعدد القتلى والمُصابين من شباب مصر كبير ، والتراكمات الذهنية فى عقل الأمة منذ سقوط شهداء ثورة 25 يناير 2011 تجعل الشعب يفقد صبره ، إضافة الى ان ذاكرة الأمة لم تنس سلوك سياسات حكومة المخلوع " مبارك " وأحد كبار بطانته " فتحى سرور " رئيس مجلس الشعب لسنوات طويلة الذى كان أحد أهم عناصر إفساد الحياة النيابية فى مصر . أفرزت الاحداث أكثر من رأى واتجاه بينها اختلافات وتباينات..التوجه الاول ويمثله شيوخ السياسة وعلوم الاجتماع والقانون " كبار السن " وهم يطالبون بتوخى الحذر ، وعدم إطلاق التهم الجزافية خشية إصابة أبرياء بسهام العاطفة ، فى الوقت الذى لم ينف هؤلاء ان العواطف المصرية المتألمة هى مشاعر حقيقية ، لكن بالعواطف الحزينة لن يتم حل الأزمة الشعبية القائمة ، جراء ما حدث فى مجزرة بور سعيد . التوجه الثانى وهؤلاء يتمثلون فى شباب تتراوح أعمارهم ما بين 15 سنة الى 35 سنة ومنهم جماهير النادى الأهلى ، الذين تم الاعتداء عليهم فى ستاد النادى المصرى فى مدينة بورسعيد ، شاهدوا بأعينهم المصابين والجرحى " حوالى 1000 مصاب " ، وأعداد القتلى الذى وصل الى 77 قتيلاً ، أضيف اليهم مصابون جدد فى مظاهرات الشباب فى محيط وزارة الداخلية ومدينة السويس ، حيث أعلنت وزارة الصحة ان عدد الوفيات 12 و2532 مصابا، وذلك حتى لحظة كتابة هذا التحليل. ومن المتوقع أن يتزايد هذا العدد مع تصاعد المظاهرات الاحتجاجية فى مدن أخرى بمصر ، وتلك الفئة جميعها تنادى بالقصاص منهم من يرفع مطالبه فى محيط وزارة الداخلية بالقاهرة ومنهم من يصرخ بها فى ميادين أخرى. ومطلب القصاص مبعثه الضرر الجسدي والنفسي جراء تلك المجزرة التى ترقى لمصاف الجرائم الإنسانية وإبادة الجنس البشرى ، وسواء كانت الحقائق تؤكد أن موت الشباب تم بتأثير فعل ( الدفع المقصود - أو التدافع بفعل الهروب والخوف - أو عمليات قتل فردية أو جماعية متعمدة ) إلا أن الواقع يؤكد أن الحدث يمثل جريمة حقيقية : ( مجرمون رصدتهم كاميرات القنوات التليفزيونية – أسلحة بيضاء من سيوف وسكاكين – عصى غليظة – تقاعس أمنى تمثل فى قلة عدد الجنود والضباط المفروض أن يقوموا بحماية وتأمين كافة جوانب مسيرة مُباراة كُرة القدم فى ستاد المصرى ببورسعيد ) كل ذلك يدفع شباب الالتراس " مُشجعى النادى الأهلى " ممن كانوا مصاحبين لفريق الأهلى فى بورسعيد ، الى الثورة ومُطالبة وزير الداخلية بالإستقالة الفورية ، وسُرعة رصد ومُحاسبة المسئول الحقيقى عن حدوث المجزرة ، وتقديم المُجرمين للعدالة الناجزة ، وليس على غرار مسار أساليب وسلوكيات محاكمة المخلوع " مبارك " وأعوانه ، ممن يشاهدون بالبدل الأنيقة فى قفص الاتهام ، وبعضهم يطلق ابتسامات وكأنه يخرج لسانه للشعب ، أضف الى ذلك تكلفة نقل مبارك بالطائرة من مشفاه المترف الى قاعة المحكمة ، والتى تصل الى نصف مليون جنيه فى كل جلسة. من هنا يفهم قلة صبر الشباب وفقدانهم الثقة فيمن يدير شئون البلاد ، هؤلاء الشباب الذين عبروا عن آرائهم الغاضبة عبر شاشات التلفاز ، ليس فقط بسبب فاجعة كارثة بورسعيد ، ولكن مطالبهم أيضا سرعة تسليم السلطة لحكومة مدنية،وإجراء الانتخابات الرئاسية ، والانتهاء من الدستور . مما لا شك فيه أهالى قتلى ومُصابي كارثة ستاد بورسعيد ، وداعمو التظاهر حول مبنى وزارة الداخلية بالقاهرة ، من أصدقاء ومعارف الضحايا هُم بمثابة " وقود مُشتعل يُهدد بثورة من نوع جديد " قد تخلق ثوارا من نوع يختلف عن ثوار 25 يناير ، جماعات ثائرة كارهة للإدارات السياسية المصرية الحالية ، فاقدة لما تبقى من ثقة وأمل فى حدوث إصلاحات سياسية واقتصادية ، ولا يمكن إغفال أن ملايين من الشعب المصرى ، الذين تابعوا على شاشات القنوات التليفزيونية ، وأقارب الضحايا والجيران هم أيضاً من داعمى الثورة والمطالبة بالقصاص ، ورجُل الشارع العادى الذى كان يشعر بالضجر جراء تبعات الثورة ، بسبب الضرر الإقتصادى وسوء أحواله ، تحول اهتمامه الان الى كارثة مجزرة بورسعيد وتبعاتها ، ليقلص هذا من صبره و استعداده لانتظار نتائج ثورة 25 يناير 2011 ، وكما حدث فى الماضى لم يخرج على المتظاهرين الغاضبين المجروحين أى مسئول سياسى أو حزبى ليطرح امامهم الحقائق أو يقدم التوضيحات أو حتى يقيم معهم الحوار ويستمع لمطالبهم ، لتحقيق التهدئة قدر المُستطاع ، وهو ما يؤكد للأسف غياب ثقافة وخبرات إدارة الأزمات فى صفوف ساسة مصر . لذا جاءت التحركات السياسية هزيلة مقارنة بالأحداث ، تحركات لم ترض غالبية الشعب المصرى سواء القرارات التى نجمت عن مجلس الشعب فى جلسته الطارئة ، فلم يستطع الدكتور " كمال الجنزورى " رئيس وزراء مصر – حكومة الإنقاذ الوطنى – إقناع الشعب ولا مُشجعى كرة القدم ولا أهالى الشُهداء والمُصابين الجُدد بأى شئ ، وعدم قناعة الشعب بما سرد على أسماعه فى مجلس الشعب ليس بالضرورة مبعثه الشكوك فى نوايا الجنزورى ، أو لعدم ثقة الناس فى " سعد الكتاتنى " رئيس برلمان الثورة ، ولا لعدم ولاء الناخبين للنواب الذين انتخبوهم وكانوا سبب وصولهم تحت قبة البرلمان ، لكن لأن تلك الجلسة أنعشت ذاكرة المواطنين ، لوجه الشبه بينها وبين مجلس الشعب فى عصر المخلوع مبارك من حماس وعواطف اتسمت بالظاهرة الصوتية لنواب الشعب ، أما محاولة الدكتور الجنزورى اجترار عواطف الجماهير ، بقوله إنه لم يخلع ملابسه على مدار يوم كامل إضافة الى قراراته بإيقاف مُدير الأمن وإقالة محافظ بورسعيد إضافة الى اتهام مجلس الشعب لوزير الداخلية بالتقصير ، كل هذه المشاهد العاطفية لم تقنع الشعب ، ولن يرضى الشعب إلا بتنفيذ مطالب أسر وأهالى القتلى والمُصابين بإصدار قرارات ثورية أكثر جرأة ، كأن يعلن فوراً إقالة وزير الداخلية من منصبه ، على اعتبار انه مسئول رئيسى فى كارثة بور سعيد . وليست ردود الافعال الهزيلة التى انطلقت من الجنزورى و مجلس الشعب هى فقط الهزيلة ولا تتلاءم مع تطلعات الشعب الجريح ، ولكن أيضا خيبة الأمل جاءت من غالبية القنوات التليفزيونية ، والتى تبارت فى نقل مشاهد وأحداث جريمة بورسعيد ، وانخرطت فى مكلمة تستضيف " الخبراء والمُحللين " ، من حيث المبدأ لا غضاضة فى ذلك ، لكنها لم تقم بدورها الاعلامى الوطنى فى طلب التهدئة والتزام الحكمة والعقل من أجل الوطن ، واذكر هنا انه فى مثل هذه الأزمات والكوارث فى الدول الأوروبية ، تتحول منابر وسائل الاعلام المسموعة والمرئية الى غرف طوارئ ، تستدعى الساسة والخبراء فى علوم الاجتماع لتوجيه نداءات للشعب ، تطالبه بالهدوء وترسم له الطريق للخروج من الأزمة ، ليس ذلك فحسب بل تنضم للشعب فى الوقوف الى جانبه وتعرض مطالبه بقوة وجرأة ، والعمل على سُرعة عودة الاستقرار الإجتماعى . اذن لابد أن تقوم حكومة الإنقاذ الوطنى باتخاذ قرارات ثورية ناجزة لوقف ضغوط الاحتقان الإجتماعى ، حتى لا تعود مصر الى المُربع صفر الذى أدى لتفجر ثورة 25 يناير ، فهل يحقن رحيل وزير الداخلية مزيدا من دماء المصريين ؟! . .