مصطفى الفقي: الصراع العربي الإسرائيلي استهلك العسكرية والدبلوماسية المصرية    خطر تحت أقدامنا    التموين: انخفاض 300 سلعة بالأسواق.. ونتجه إلى أسعار ما قبل الأزمات    مفاجأة بشأن سعر الدولار في 2024.. يزيد بمعدل جنيهين كل شهر    جهاز دمياط الجديدة يشُن حملات لضبط وصلات مياه الشرب المخالفة    شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنواصل بناء قوة عسكرية هائلة    مصطفى الفقي: كثيرون ظلموا جمال عبد الناصر في معالجة القضية الفلسطينية    مصرع شخصين .. تحطم طائرة شحن نادرة النوع في أمريكا    مدافع الزمالك السابق: الأهلي قادر على حسم لقاء مازيمبي من الشوط الأول    رئيس البنك الأهلي: «الكيمياء مع اللاعبين السر وراء مغادرة حلمي طولان»    نتائج مباريات ربع نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية PSA 2024    موعد مباراة ليفربول وإيفرتون في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    إصابة العروس ووفاة صديقتها.. زفة عروسين تتحول لجنازة في كفر الشيخ    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الأربعاء 24/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    بقيادة عمرو سلامة.. المتحدة تطلق أكبر تجارب أداء لاكتشاف الوجوه الجديدة (تفاصيل)    الأزهر يجري تعديلات في مواعيد امتحانات صفوف النقل بالمرحلة الثانوية    من أمام مكتب (UN) بالمعادي.. اعتقال 16 ناشطا طالبوا بحماية نساء فلسطين والسودان    مسئول أمريكي: خطر المجاعة «شديد جدًا» في غزة خصوصًا بشمال القطاع    إعلام عبري: مخاوف من إصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال لمسؤولين بينهم نتنياهو    لازاريني: 160 مقار ل "الأونروا" بقطاع غزة دُمرت بشكل كامل    برنامج الأغذية العالمي: نصف سكان غزة يعانون من الجوع    ضابط بالجيش الأمريكي: حكومتنا لا تمتلك قلب أو ضمير.. وغزة تعيش إبادة جماعية    تونس.. قرار بإطلاق اسم غزة على جامع بكل ولاية    فريد زهران: دعوة الرئيس للحوار الوطني ساهمت في حدوث انفراجة بالعمل السياسي    بالأسماء.. محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تنقلات بين رؤساء القرى في بيلا    نشرة التوك شو| انخفاض جديد فى أسعار السلع الفترة المقبلة.. وهذا آخر موعد لمبادرة سيارات المصريين بالخارج    الدوري الإنجليزي.. مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    مهيب عبد الهادي يكشف موقف إمام عاشور من الرحيل عن الأهلي    الارتفاع يسيطر.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 24 إبريل 2024 بالمصانع والأسواق    أكبر قضية غسل أموال، حبس تشكيل عصابي لتجارة المخدرات    3 أشهر .. غلق طريق المحاجر لتنفيذ محور طلعت حرب بالقاهرة الجديدة    أداة جديدة للذكاء الاصطناعي تحول الصور والمقاطع الصوتية إلى وجه ناطق    القبض على المتهمين بإشعال منزل بأسيوط بعد شائعة بناءه كنيسة دون ترخيص    مصرع سائق سقط أسفل عجلات قطار على محطة فرشوط بقنا    مصرع شاب غرقًا أثناء محاولته السباحة في أسوان    العثور على جثة شاب طافية على سطح نهر النيل في قنا    بعد 3 أيام من المقاطعة.. مفاجأة بشأن أسعار السمك في بورسعيد    تعيين أحمد بدرة مساعدًا لرئيس حزب العدل لتنمية الصعيد    أجبروا مصور على مشاهدتها، دعوى قضائية ضد ميجان ذا ستاليون بسبب علاقة آثمة    نشرة الفن: صدي البلد يكرم رنا سماحة .. إعتذار أحمد عبد العزيز لصاحب واقعة عزاء شيرين سيف النصر    فريد زهران: الثقافة تحتاج إلى أجواء منفتحة وتتعدد فيها الأفكار والرؤى    بالأبيض.. جيسي عبدو تستعرض أناقتها في أحدث ظهور لها    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    هل يجوز طلب الرقية الشرعية من الصالحين؟.. الإفتاء تحسم الجدل    حكم تنويع طبقة الصوت والترنيم في قراءة القرآن.. دار الإفتاء ترد    رغم فوائدها.. تناول الخضروات يكون مضرا في هذه الحالات    بعد انخفاضه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024 (آخر تحديث)    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    عصام زكريا: الصوت الفلسطيني حاضر في المهرجانات المصرية    تنخفض 360 جنيهًا بالصاغة.. أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 24 إبريل 2024    قد تشكل تهديدًا للبشرية.. اكتشاف بكتيريا جديدة على متن محطة الفضاء الدولية    طريقة عمل الجبنة القديمة في المنزل.. اعرفي سر الطعم    كم مرة يمكن إعادة استخدام زجاجة المياه البلاستيكية؟.. تساعد على نمو البكتيريا    بعد تأهل العين.. موعد نهائي دوري أبطال آسيا 2024    مع ارتفاع درجات الحرارة.. دعاء الحر للاستعاذة من جهنم (ردده الآن)    الخطيب يفتح ملف صفقات الأهلي الصيفية    عاجل- هؤلاء ممنوعون من النزول..نصائح هامة لمواجهة موجة الحر الشديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمرو عبدالسميع يحاور د. مصطفى الفقى: الدراسات الأمريكية حول إنشاء دولة حاجزة قبطية أو فلسطينية فى سيناء استهداف لمصر.. حملات مرشحى الرئاسة إنتاج للعقلية المصرية التقليدية.. و تأتى بنائب برلمانى
نشر في اليوم السابع يوم 09 - 11 - 2011


نقلاً عن العدد اليومى
السياسة باتت لعبة كل يوم ما بين الحراك والاحتجاج والتظاهر والاعتصام، والوقفات والعمل الحزبى، وتصنيع الائتلافات والمشاركة والانتخابات وصوغ الدستور واختيار الرئيس والطريق إلى أى من تلك الخيارات فى لعبة كل يوم يتم عبر التوافق أو التضاغط أو الصراع، وفى مروحة واسعة من الموضوعات ترى كمّا جديدًا على مدار الساعة.
د. مصطفى الفقى أحد الراصدين المدققين لعناصر اللعبة فى مصر، وهو أيضًا أحد المشتبكين معها المستقطرين عظاتها وخبراتها.
وهو - هنا - يتحدث عن المسألة فى مصر، وتقاطعات قوى التشدد الدينى الإسلامى مع الوضع الطائفى، وموقف الولايات المتحدة الأمريكية من تطورات ذلك الملف فى بلدنا، ويفرق بين «مصر الثورة» و«مصر الدولة» على نحو يفسر كثيرًا من عناصر معادلة السياسة المصرية الراهنة، ويهاجم أفكار الإقصاء والتعميم مبينًا أثرها على سلامة وصحة مستقبل البلاد، ويقرأ على نحو نقدى سلوكات شباب الثورة، ومستقبل الثورات العربية، وملف الانفلاتين الأمنى والإعلامى، ودلالات نجاح المخابرات العامة المصرية الأخير، ويحكى عن العوامل المؤثرة فى قرار الرئيس السابق المتعلق بالسياسة الخارجية أو الأمن القومى.
وهنا نص الحوار..
مؤسسة «راند» البحثية الأمريكية حين تعلن بكل ثقلها أن حل المشكلة الطائفية فى مصر لا يكون إلا بنشأة دولة مستقلة للأقباط فى شمال سيناء فإن المرء لابد أن يتوقف ويحاول سبر أغوار وخلفيات الفكرة.. كيف تقرؤها أنت؟
- يؤخذ هذا الكلام - بالطبع - فى إطار استهداف مصر فى الظروف التى تمر بها الآن، فالدولة هشة Fragile أو ضعيفة، وتمر بظروف ليست سهلة بعد الثورة، فالاستقرار محدود، والأحداث الطائفية متكررة، وبالتالى تجد تلك الأقاويل فضاءات مناسبة تتردد فيها، وحتى اختيار «راند» لمنطقة شمال سيناء له دلالات ينبغى التدقيق فيها، فهم يروجون لفكرة تصنيع دولة حاجزة Buffer- zone بين مصر وإسرائيل، ولا أظن أن هناك بين الأقباط من يتحمس لذلك أو - حتى - يقبله، فالأقباط هم أبناء هذا البلد فى كل مناطقه من أسوان إلى الإسكندرية، وفى كل محافظاته، وقراه، ولا يمكن عزلهم فى مكان واحد.
وعندما نفذت فى الهند أدت إلى فقدان البلاد جزءًا كبيرًا من مقدراتها السياسية والأمنية والاقتصادية والاستراتيجية، ومازال الهنود - حتى اللحظة الراهنة - يأسفون لأنهم نقلوا المسلمين إلى إقليم البنجاب وعزلوهم فى مناطق بعينها.
مثل ذلك المنطق لا يعود بفائدة على الأقباط، أو المسلمين، وأنا أرى فيه شكلاً من الإيحاءات الخبيثة التى تحاول تصوير مصر كما لو كانت ساحة لمجزرة دائمة، تفرض عمليات تهجير، وانتقال واسعة.
وبالطبع شهدت مصر أحداثًا مؤسفة آخرها حادث ماسبيرو، ولكن أى «نصف» مراقب لا يمكنه القول بأننا بلغنا تلك المرحلة التى تتكلم عنها منظمة «راند» وتفرض أو تفترض التهجير إلى ما يمكن اعتباره دولة مستقلة.
لماذا - فى تقديرك - شمال سيناء بالتحديد إذ تثرثر المراكز البحثية الأمريكية «وبالذات التى لها صلة بالمخابرات ودوائر صنع القرار» فيما تسميه سيناريوهات للتدفق الفلسطينى الإسلامى إلى سيناء ملمحة إلى أفكار إنشاء إمارة إسلامية فى وسط وشمال سيناء أو يطرحون - الآن - مسألة دولة قبطية مستقلة فى شمال سيناء.. لماذا - مرة أخرى - شمال سيناء بالتحديد؟!
- أنت - بهذا السؤال - وضعت يدك على النقطة المهمة فى الموضوع.. إذ تحاول مثل تلك المخططات إنشاء دولة حاجزة بين مصر «أقوى الدول العربية وأكثرها سكانًا وأقدمها جيشًا» وإسرائيل، وهم يقومون بتسويق عدة نسخ من فكرة المنطقة العازلة، إحداها فلسطينية، وثانيتها قبطية، كما فى مثل السيناريو الأهوج الذى تروجه منظمة راند، وبيقين فإن الأقباط المسيحيين لا يتحمسون لذلك، كما لا أظن أن الفلسطينيين يستطيعون ذلك.
حينما نتكلم عن حماس الأقباط للفكرة أو عدم حماسهم أرى أن ذلك ليس مربط الفرس إذ ثبت أن الإرادات الأجنبية فى كثير من الأحيان وفى هذه المنطقة من العالم - على وجه التحديد - تستطيع أن تنفذ ما تشاء، لا، بل إن البعض يرى فى إجمالى ما حدث طوال الشهور الماضية أن الإرادة الأجنبية كانت حاضرة بأكثر مما يتخيل الكثيرون؟
- لا يمكن أن يؤخذ هذا الكلام على إطلاقه إذ ينبغى ألا ننسى أن الأقباط ليسوا جالية، بحيث يمكن نقلهم إلى مكان منعزل، فكل كنائسهم وصوامعهم وأديرتهم منتشرة فى عموم الوادى، من البحر الأحمر إلى أسيوط، إلى الإسكندرية، إلى الوجه البحرى، إلى الوجه القبلى.. الأمر غير ممكن على الإطلاق.. هذا مجرد تفكير نظرى يحاول القياس على حالات أخرى لا تنطبق على الواقع المصرى.
لماذا - فى تقديرك - لا توجد مراكز بحثية أو بيوت تفكير فى مصر تقابل مثل تلك الدراسات بدراسات أخرى تطرح انعدام الجدوى السياسية أو الإمكانية المنطقية لقيام مثل هذه الدولة؟
- أنا - شخصيّا - أفكر ومعى مجموعة من المثقفين المسلمين أمثالك، وكذا المثقفين الأقباط فى إنشاء مركز بحثى Think- Tank معنى بقضية الاندماج الاجتماعى والوحدة الوطنية فى مصر، وأن يكون محايدًا بشكل كامل، وأن يرد بالأبحاث والدراسات على مثل تلك الأقوال الهوجاء، التى - ربما - يتفق مع بعضها أو يختلف، ولكن غيبة بيت التفكير أو مركز البحث المختص فى هذا الملف - حتى اللحظة - تشير إلى خلل ما فى الفكر المصرى وفى الثقافة المصرية.
فى أحد حواراتى السابقة مع قداسة البابا شنودة «وكان منذ 15 عامًا» قل لى: «إن من يتكلم عن تكوين لوبى قبطى فى الولايات المتحدة الأمريكية ينبغى أن يفهم ضرورة أن يكون ذلك اللوبى لخدمة القضية العربية والمصرية وليس لإثارة قضايا طائفية، ويجب ألاَّ يتصور أحدهم أن الولايات المتحدة ستنساق إلى تشجيع طائفة وتنسى مصالحها وسياساتها العامة فى المنطقة.. مشاكلنا الداخلية تحل - فقط - فى إطار بلادنا، وطرحها فى الخارج لا يحلها بل يعقدها أكثر».. هل تعتقد - يا دكتور مصطفى - أن هذا الكلام تجاوز تاريخ الصلاحية؟ وكيف تقيم - مثلاً - حركة كميل حليم «التجمع القبطى الأمريكى» أو حركة مايكل منير «منظمة أقباط الولايات المتحدة» ومدحت قلادة رئيس «اتحاد التنظيمات القبطية فى أوروبا»، وموريس صادق «رئيس الجمعية الوطنية القبطية فى الولايات المتحدة الأمريكية»؟
- أستطيع أن أضيف عشرات من أسماء المنظمات فى البلاد الأخرى «كندا - أوروبا - أستراليا»..
الاختلاف من الأمور الطبيعية، وحتى داخل الوطن نفسه لا يتفق اثنان - بصرف النظر عن الديانة - على رأى واحد، وهناك كثيرون يستمعون إلى أخبار الوطن وهم فى الخارج لا يلامسون الواقع، ويشعرون بقلق حقيقى على ما يدور، وعبارة قداسة البابا سليمة تمامًا، فالغرب - والولايات المتحدة تحديدًا - لا يعنيه أحد إلا مصالحه، بدليل أن الرئيس السادات حين أصدر قراره الغريب العجيب بسحب الاعتراف بالبابا، مما دعاه إلى الاعتكاف «أو النفى الاختيارى» فى الدير، لم يواجه أى اعتراض من الولايات المتحدة، ولم تحرك واشنطن ساكنًا، لأن السادات كان هو الأخ المدلل للولايات المتحدة الأمريكية، وكان فى عز شهر العسل بينه وبين الأمريكان.. وبالتالى فإن المصلحة هى التى تحكم.
ولماذا تذهب بعيدًا؟.. إن الولايات المتحدة تؤيد تركيا المسلمة ضد اليونان المسيحية فى القضية القبرصية.. فهل غاب ذلك عنك؟
بالطبع لا.. ولم يغب عنى كذلك أن الولايات المتحدة تحصلت فى مقابل التأييد على قواعد وتسهيلات ونشر لشبكة الصواريخ الكونية على أراضى تركيا؟
- أنا أعنى أن المعيار الدينى ليس هو الحكم حتى فى موضوع البوسنة وضرب مناطق فى صربيا منتصف التسعينيات، وبعد ذلك، فيما تنهض على تلك البقعة كنيسة أرثوذكسية كبيرة.
الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم الدين، ولكنها لا تفكر بشكل دينى، وبالتالى فإن كلام قداسة البابا صحيح، ولن يحل مشاكل المصريين إلا المصريون.
لكن هذه الجمعيات والاتحادات والهياكل «وأنا أراقبها منذ زمن طويل جدّا وبشكل مباشر» تطورت وجاوزت المدى فى دفع الخارج وأمريكا بالذات إلى التدخل، يعنى أساليب عملها تغيرت وأخذت شكلاً أكثر فاعلية؟
- هذا صحيح.. وأرى أن وزير الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون تميل إلى التفاعل مع تلك التجمعات، وإلى ذلك النوع من تطوير عمل منظمات أقباط المهجر، وهى تعمد إلى تصعيد نغمة «الظروف الصعبة للأقباط فى مصر»، نعم.. أنا واعٍ تمامًا لهذا النزوع الأمريكى، وأرجو أن يكون المسؤولون المصريون واعين أيضًا لكل ما يجرى.
«واعون» يعنى ماذا يفعلون؟!
- أنت حضرت قبل حوارنا هذا جزءًا من حوارى مع السفير البلجيكى فى القاهرة، وكنت طرفًا فيه وترى كيف كان الملف القبطى حاضرًا فى كلامه، وبهذا المعنى - ومع هذا الاهتمام الدولى والأخطار المحلية - لا يمكن الصمت على تلك التضاغطات ذات الطابع الطائفى، ولابد من اتخاذ إجراءات عاجلة، لأن تلك الإجراءات إما الآن، وإما فلن تحدث.
«ماسبيرو» كانت أكبر جرس إنذار حول خطورة الاحتقان الطائفى وفى وسط العاصمة المصرية، إذ استمعنا من قبل إلى أجراس إنذار فى الكشح وأطفيح، ونجع حمادى، واندمجنا فى التهوين والحديث عن أن تلك الأحداث تجرى بعيدًا فى قلب الصعيد، ولكننا - الآن - نتكلم عن سُرة العاصمة.
لا يجب الصمت تجاه كل ذلك، بل ينبغى اتخاذ قرارات حازمة وحادة تجاه مثل تلك التطورات.
أكرر سؤالى.. يعنى ماذا نفعل؟ فعندما تقول نأخذ مواقف حاسمة وحازمة أجدنى أمام كلام عائم وغائم؟
- واحد، إصدار قانون تنظيم بناء دور العبادة فورًا وهو قيد الانتهاء، لنحل مشكلة بناء الكنائس للإخوة المسيحيين نهائيّا، ونعطى الترخيص اللازم، لأن بناء كنيسة فى كل شارع لن يتسبب فى كارثة، ولن يؤثر على إسلام مصر.
هناك من يفهمون - خطأ - أن ذلك يضر بقوام شخصية مصر، وهذا كلام غير صحيح، فالهوية: هوية، بالثقافة وبالحضارة وليست بالمبانى فقط.
الأمر الثانى يتعلق بضرورة تغليظ العقوبة فى الجرائم الطائفية.. إن من يغتصب فتاة - وهذه جريمة نكراء - يتعرض للإعدام، فما بالك بمن يغتصب وطنًا.
ينبغى أن يكون هناك نوع من العدالة العاجلة، إذ مرت الكشح بدون أحكام رادعة، ومرت نجع حمادى بحكم تأجل التنفيذ فيه حتى صبيحة ما جرى فى ماسبيرو، وهذا أمر يدعو إلى السخرية.. إذن نحن أمام حلول موسمية ترقيعية، فيما - بيقين - نحن نحتاج إلى حلول جذرية.
ويجب أن يعلم كل مسلم «حتى السلفيون والإخوان المسلمون» أنه من جذور قبطية، إذ عندما جاء عمرو بن العاص فاتحًا لمصر، كان عدد السكان ستة ملايين نسمة، فيما كان عدد الذين جاؤوا معه أربعة آلاف جندى، عاد معظمهم إلى شبه الجزيرة العربية.
وماذا نفعل لهؤلاء كى يقتنعوا؟
- والله عليهم أن يقرأوا التاريخ.. وهذه ليست قضيتى أو مسؤوليتى.
أتحدث عن مسؤولية المجتمع؟
- يجب ألاَّ نرفع شعار المواءمة صباح مساء لتعطيل الإصلاح، فحينما نريد بناء كنيسة فى منطقة معينة يرفعون لك شعار المواءمة، وأن هناك مجموعات إسلامية معينة فى تلك المنطقة يجب عدم إغضابها، ثم نرضخ، وإذا عرفوا أنك سترضخ فسوف يخترعون فى كل حالة سببًا ويمنعون مسيرة الإصلاح، ومن ثم لابد من اتخاذ قرارات حاسمة.
من قبل قالوا لنا إذا اعتبرتم 7 يناير عطلة رسمية فسيثور المسلمون. ولم يحدث شىء!
وقد حكى لى البابا شنودة أن الرئيس السابق اقترح عليه أن يكون عيد القيامة عطلة رسمية، فرفض البابا قائلاً: «إن المسلمين متفقون معنا على ميلاد المسيح، ولكنهم مختلفون فى قيامته، وبالتالى فإن هذا الأمر سيفتح بابًا للمشاكل واللغط».
هذه هى حكمة البابا شنودة، رفض ميزة طائفية من أجل مصلحة وطنية، وكنت أتحدث معه - الأسبوع الماضى - وذكرته بما جرى فى ذلك الحوار.
هل تعتقد أن هناك ما يمكن تسميته «المسألة القبطية».. يعنى أريد قراءتك النقدية لموقف الأقباط إيجابًا وسلبًا منذ ثورة يناير؟
- نحمد الله أن مشاركة الأقباط فى ثورة يناير كانت فاعلة، وسقط منهم - على الأقل - 15 شهيدًا فى ميدان التحرير، الذى أقيمت الصلوات الإسلامية والمسيحية فيه، ونحن نعتقد أن الأقباط كانوا شركاء حقيقيين فى حدث الثورة، وفى الثمانية عشر يومًا الأولى للثورة، لم تحدث واقعة تحرش جنسى واحدة، ولا حادث طائفى واحد، وقلت يومها: «لو لم تعطنا ثورة يناير العظيمة إلا إنهاء المشكلة الطائفية للأبد فى مصر فذلك يكفى». ثم فوجئنا - بعد ذلك - بما جرى فى قرية صول بأطفيح ثم إمبابة، واستمر المسلسل المشبوه، وهذا أمر محزن للغاية.
نعم.. هناك «مسألة قبطية» بمعنى أن هناك مشكلة، وهناك شأن قبطى وصعوبة ينبغى عبورها، وبخاصة أننا أجلنا - لسنوات طويلة - مواجهتها، وجاء الوقت لاشتباك جاد ينهيه - من منطق المواطنة - بشكل حاسم.
نحن نتحدث فى صدر الدستور المصرى عن مبدأ المواطنة «فى المادة الأولى»، والمواطنة تعنى أننا متساوون رغم اختلافنا، أنا مسلم، وهذا مسيحى، أنا رجل، وهذه امرأة، أنا غنى وهذا فقير، وهذا الاختلاف يجب ألاَّ يؤثر على المراكز القانونية والحقوق السياسية، ويجب أن نتمسك بذلك، ولا يمكن أن تظل عضوية المسيحيين فى البرلمان بالتعيين.. هذا أمر مؤسف ومخجل.. ينبغى أن تتغير عقلية المجتمع وثقافته، وينبغى أن تبادر الأغلبية المصرية المسلمة بقيادة ذلك التغيير.
هذه «الينبغيات» التى وردت كثيرًا فى حديثك عن المجتمع والنخبة والأغلبية المسلمة، أقابلها بكل تقدير، ولكننى مازلت أتكلم عن قابليتها للتنفيذ؟
- سوف نأخذ وقتًا.. هى قضية ثقافة، قضية تعليم، ولا يمكن فى ظل وجود تعليم متعدد فى مصر أن تجد تجانسًا حقيقيّا، فلديك آلاف المعاهد الدينية، ولديك - أيضًا - نوع من الانطواء المسيحى فى الجامعات، وقال لى البابا شنودة فى آخر لقاء جمعنا «وكان معى الدكتور أحمد كمال أبو المجد»: «لابد من تعظيم الاندماج بين الشباب المسلم والمسيحى، إذ لا يمكن أن يتقوقع الشباب المسيحى داخل الكنيسة، فيما يلف الشباب المسلم فى الشوارع.. ينبغى أن توجد لدينا أماكن تجمعهم معًا، وأعلم أن هناك فى بعض الجامعات أماكن مغلقة للشباب المسيحى، وهذا لا يجوز على الإطلاق.. يجب أن نفتح الأبواب على مصاريعها من أجل الاندماج المشترك بينهم.
قلت: يجب على أجهزة الدولة مثل التعليم والثقافة والإعلام أن تتحرك فى هذا المجال.. واسمح لى بذكر ملاحظة.. فهذه الحكومة موجودة منذ شهور، وفى ظروف صعبة، ولأجل تلك الظروف صبرنا كثيرًا على أدائها المترهل وإخفاقاتها المتوالية، حتى حدث الموقف المتعلق بالمسألة القبطية، أو بالعلاقة بين المسلمين والأقباط، ومع ذلك فحين نحاول الحديث مع أى وزير حول الموضوع وممارسة وظائفنا فى تشكيل القرار السياسى والإدارى بالرأى، أو التنبيه لمخاطر هذا التوجه أو ذاك، وحتى عند الوزراء المنوط بهم مواجهة الملف، تجده يدعى أنه مشغول، أو يلقن العاملين فى مكتبه منظومة يخبرون بها الطالب عن انشغال الوزير، ومسؤولياته ومهامه الفادحة التى يقوم بها، وأنه كان بالأمس فى اجتماع استغرق ست ساعات، ولديه اجتماع اليوم سيستمر لتسع ساعات.. بماذا ينشغل الوزراء المصريون؟ وهل رأيت ما لم نره من نتائج لذلك الانشغال؟!
- والله الأوت بوت out - put أو المخرجات لا توحى بأى نتيجة لذلك الانشغال، الحكومة غير قادرة على اتخاذ قرارات، وترى نفسها حكومة استنفاد وقت أو حكومة مرحلية، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة يريد أن يتدخل بأقل قدر ممكن فى الشأن العام.. نحن فى فترة صعبة للغاية، تتزايد فيها التحديات وتقل فيها الإجراءات والقرارات، وإذا خرجت مصر سليمة من الظروف الحالية فسوف تظل سليمة إلى الأبد.
وهل أولئك الوزراء واعون بمسؤوليات من هذا النوع؟.. أنا - فى الحقيقة - أشك فى ذلك..
- يجب أن نفكر فى الوزير السياسى، وليس - فقط - فى الوزير الوطنى.
الوطنية أساس للكل، وإنما ينبغى أن يكون هناك قدر من السياسة وعملية الإقصاء لعناصر كثيرة واعية ومدربة من الكوادر السياسية تحت شعار: «مطاردة الفلول» هى مسألة خطيرة.. نحن لسنا ضد معاقبة المخطئ، ولسنا ضد محاكمة المسىء، ولسنا ضد استرداد الحقوق.. ولكن التعميم سيؤدى إلى إقصاء الكفاءات فى مصر، وسيؤدى إلى مذبحة حقيقية للمستقبل.
الشباب الجديد يبدو غير واع بتلك المسألة، يعنى هو يريد «مصر الثورة» أن تلتهم «مصر الدولة»، وهذا أخطر الأمور.
مصر الثورة ولدت فى 25 يناير، ومصر الدولة ولدت منذ آلاف السنين، وتراكم الخبرات يقع فى كفة الدولة.
أنا أرى شخصيات أكثر قدرة من أى وزير موجود فى الوزارة، ولكن لا يتاح لهم الوجود بحجة أنهم كانوا شركاء فى نظام سابق.. كل الناس كانوا شركاء فى نظام سابق استمر لمدة ثلاثين عامًا من الحكم، فكيف يمكن أن نقصى كل الناس وكل الكفاءات.
أى نظام يستقطب - بالضرورة - الكفاءات الموجودة فى الدولة، فهل نطيح بهم أجمعين؟.. علينا أن نبحث عمن كان فاسدًا وعمن لم يكن كذلك.
التعميم ضار جدّا بمستقبل مصر، وكذلك الاجتزاء!!
هناك من يسعى إلى الوقيعة بين الجيش والأقباط، فهل تأثر موقف الأقباط المسحيين فى تقديرك بذلك المسعى، بالذات فى أحداث ماسبيرو؟
- لا أستطيع إنكار أن حادث ماسبيرو ترك خدوشًا فى العلاقة بين الجيش والأقباط.
أنا ممن يثقون فى أن القوات المسلحة ليست هى التى قتلت المتظاهرين الأقباط، ولكن هناك عناصر أخرى اندست وقامت بذلك، وفى نفس الوقت لا يقتنع كل الأقباط بذلك، وكنت ألقى سلسلة من المحاضرات مؤخرًا، وجاءتنى أسئلة كثيرة من الحضور تشكك - تمامًا - فى براءة القوات المسلحة مما جرى، مع أننى أرى أنها لم تكن طرفًا فى ذلك، ولكنها لم تتمكن من حماية الأقباط، إذ لم تكن هناك قوات كافية لحماية المكان، وكانت هناك مفاجأة، ضرب نار من جانب طرف ثالث فى أعلى الكوبرى، هى التى أثارت كل ما جرى، كما مات عدد كبير من الأقباط بالسلاح الأبيض، بما يعنى أنها ليست القوات المسلحة.. وقضية دهس السيارات تتعلق بقيام أحد الدخلاء بركوب السيارة وارتكاب تلك الجريمة، وبعض السيارات الأخرى صدمت المتظاهرين وهى تحاول الهروب من النيران المشتعلة فى كل اتجاه، وعلى كل حال ففى خضم مثل تلك النوعية من الأحداث الدامية لا نستطيع أن نعرف الحقيقة مائة فى المائة.
يبدو المشهد السياسى المصرى الحالى مختلطًا بين أحزاب تقليدية وبين أخرى جديدة وائتلافات لشباب الثورة وجماعات فكرية وقوى احتجاج اجتماعى وفئوى ومؤسسات مجتمع مدنى.. هل استفادت مصر من كل ذلك التعدد والتضاغط البينى الذى نراه، أم أن ذلك ساهم فى تشظى الصورة العامة وإضعاف البلد؟
- أدى إلى ما ذكرت فى آخر سؤالك.. وأنا لا أستطيع استكمال ملامح الخريطة وفهم المشهد القائم.. الثورة اندلعت معتمدة على الأجهزة الحديثة للاتصال والروابط الاجتماعية «فيس بوك وتويتر» واستطاع الشباب - عبرها - عمل حشد، وهذا يمكن أن يأتى لك بمليون، ولكنه لا يخلق قيادة، ولم يتمكن الثوار الشباب من خلق ميكانزم أو آلية سياسية ليتقدموا بها إلى المجتمع، فاستطاع الآخرون أن يسرقوا جزءًا كبيرًا من الثورة، ويمتطوا هذه الجهود، وهذه الدماء الطاهرة الزكية التى سالت، ولذلك فأنا أقف فى صف الشاب آسفًا وحزينًا، وأنا أرى حقهم من مصر المستقبل جرى انتزاعه لصالح قوى تقليدية حزبية أو دينية، بغض النظر عمن قاموا بالثورة، ومن دفعوا ثمنها.. وهذه هى الثورات - تاريخيّا - إذ يقوم بها الشرفاء ويحصدها الآخرون.
ما طبيعة «الآخرون» الذين حصدوها.. وصفهم لى؟
- أعتقد أنهم جماعة الإخوان المسلمين، والسلفيون والأحزاب السياسية التقليدية، إذ دخلوا على الساحة متأخرين، ليحصلوا على الغنائم، بعد أن تأكدوا أن الثورة فى طريقها إلى النجاح، يعنى بدءًا من موقعة الجمل وما بعدها.
قبل ذلك أعلن الإخوان المسلمون أنهم لن يشاركوا فى مظاهرة 25 يناير، ولم يشاركوا فيها فى اليوم الأول أو الثانى، وغيرهم من القوى السياسية الأخرى كانت ترقب الأمر عن كثب وتتصور أنها مجرد تجمع مثل كل المظاهرات السابقة، وأن البوليس سيقمعه، وبالتالى فلن يشاركوا فيها كنوع من المجاملة للنظام السابق.. وعندما تأكدوا أن الدائرة تدور، وأن الأمور تُحسم فى ميدان التحرير فيما يبدو، اندفعوا للمشاركة.
- تكلمنى عن تجمعات أو كيانات أو هياكل كبيرة فكرية أو سياسية، ولكن ما أتكلم عنه - فى الحقيقة - يصب فى خانة ما أسميه: «وجهاء الثورة المصرية» وهم متمولون واقتصاديون وأفراد لا نعرف من أين جاؤوا.
- طبعًا هناك قيادات طلعت من تحت الأرض.. أناس جاؤوا من الخارج، وآخرون من الداخل، وعناصر ذات طبيعة سلفية لم تكن واضحة فى المشهد السياسى.. قيادات كانت تتحدث بصوت ناعم، وطريقة رقيقة، ثم باتت تتحدث - الآن - بجبروت وعنفوان يتجاوز - كثيرًا - لغة الحزب الوطنى السابقة، يعنى أنا أرى أن بعض القوى السياسية التى حاولت حيازة الأغلبية تسعى - من دون أن تشعر - إلى إعادة إنتاج طغيان الحزب الوطنى على الحياة السياسية المصرية.
يتمتع الجيش بوزن معنوى كبير جدّا لدى المصريين، ولكن بعض القوى السياسية تستهدفه - الآن - مطالبة بتسليمه السلطة إلى مجلس مدنى.. فى تقديرك من الذين تمثلهم تلك القوى وما شرعية أو مشروعية ذلك المجلس المدنى؟ ولماذا تكثيف مثل هذه المطالبات قبيل إطلاق العملية الانتخابية متنوعة الدرجة والمستوى «برلمانية/رئاسية»؟
- واضح - طبعًا - أننا متجهون إلى دولة رئاسية.. وأنا من أشد المتحمسين للدولة البرلمانية، ولكننى أعلم أنها لن تجىء بين عشية وضحاها، وتحتاج إلى عدد من السنوات تقوى فيها الأحزاب، ويصبح البرلمان صاحب القرار والتأثير الحقيقى فى الدولة، وهو ما يستغرق تقريبًا من عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة، ولكن دعنا نبدأ الطريق للانتقال من النظام الرئاسى إلى النظام البرلمانى.
أما عن سؤالك حول الذين يمثلهم المطالبون بمجلس رئاسى مدنى، فهم القوى الليبرالية.
أنا لم أصفها بالليبرالية.. ولكننى قلت قوى تدعو إلى تسليم السلطة إلى مجلس مدنى؟
- عندما تتحدث عن مجلس مدنى فأنت تتكلم - بالضرورة - عن قوى ليبرالية، لأن «مدنى» - هنا ليست رقمًا عكسيًا لكلمة «عسكرى».. ولكنها مدنى بالمعنى السياسى فى فلسفة العلوم السياسية وأنت أعلم بها منى والتى نطلقها على القوى التى تؤمن بالآخر وتعترف به، وهى قوى غير إقصائية بطبيعتها، فهم يتحدثون - والحال كذلك - عن دولة مدنية حقيقية مثل كل الدول التى نراها حولنا - كونيًا - الدولة المدنية بمعنى أن الدين للتدين ولكنه ليس للحكم؟ بهذا المنطق فإن هذه المجموعات حين تطالب فهى تستند إلى قواعد معينة، ولكنى - حتى الآن - لا أرى لها أغلبية فى الشارع المصرى.. إذ يبدو ومن الواضح أن الأغلبية تمركزت الآن فى يد التيارات الدينية .. أقول ذلك ولا أنتمى لها.
ومع ذلك هناك من يطرح أفكارًا حول أن يكون الرئيس القادم رجلاً عسكريًا ينتمى إلى المؤسسة العسكرية، أو كان يعمل فيها لفترة من الفترات، هل سيلاقى هذا الطرح - فى تقديرك أغلبية فى الشارع المصرى؟
- القلق الأمنى، والشعور بالانفلات، والرغبة فى الإحساس بالأمان تدفع الأغلبية الصامتة إلى المطالبة برئيس عسكرى.. وهذا توجه أسمعه كثيرًا ممن نسميهم حزب «الكنبة»، أولئك الجالسين فى بيوتهم خوفًا وقلقًا، وهم يمثلون الأغلبية بالضرورة، ولا يفكرون بمنطق الثورة ولكن يفكرون بمنطق الدولة المصرية الآمنة التى يركنون إليها ويفضلون العيش فيها، وهؤلاء ربما يرحبون برئيس عسكرى، لأن فى ذهنهم أن العسكرية فى النهاية هى القادرة على ضبط الأمور، ويرون أن عدم تدخل المؤسسة العسكرية حاليًا سببه أننا نمر بمرحلة مؤقتة، ولكن الجيش لو حكم بصلاحيات دستورية وتشريعية فسوف يختلف الأمر.
هذه رؤية قطاع كبير من المجتمع المصرى.
ألا تنضم إلى جوار رؤية هذا القطاع الكبير من المجتمع المصرى فكرة أن أفراده يرون فى القوات المسلحة المشروع الوطنى الأكثر وضوحًا مقارنة بتلك الكيانات المدنية الغامضة التى تحلقت حولنا منذ الثورة؟
- ربما يكون ذلك صحيحًا، لأنهم يقولون إذا كان الاختيار بين حكم السلفيين وحكم العسكريين، فسوف يعطون أصواتهم للعسكريين.
أنا لا أتحدث - هنا عن السلفيين فقط، ولكن عن بعض تلك الكيانات السياسية التى تدعى الليبرالية.
- هناك كيانات ليبرالية عليها بعض ظلال من شك، ولا نعرف من أين جاءت، وما هى مصادر تمويلها، يعنى هناك - أيضًا - قلق لدى الرأى العام ناحيتها، أما الجيش المصرى فمنبته معروف، وهو مدرسة الوطنية المصرية أيام أحمد عرابى، وأيام جمال عبدالناصر، ومنذ أن أنشأه محمد على، فالجيش المصرى لن يخون أبدًا ولن يبيع.
يحلو للبعض أن يربط بين الثورات العربية، ويعتبرها ظاهرة واحدة.. هل ترى أساسًا موضوعيًا لهذا الربط؟ وهل ترى - بعد نتائج الجمعية التأسيسية التونسية، وتصريحات مصطفى عبدالجليل فى ليبيا، والشعارات المرفوعة فى اليمن وسوريا- أن الربيع العربى كان إسلاميًا فى المقدمات وفى النتائج؟
- أميل إلى المصادقة على هذا.. فأنا أعتقد أن القوى السياسية التى سوف تلتقف، وتحصد نتائج الربيع العربى سوف تكون فى مجملها إسلامية الطابع، هذا الأمر وضح فى تونس عبر التصويت، وفى ليبيا بالتصريحات الرسمية، وبوادره تلوح فى مصر، وملامحه تتبلور فى اليمن، ونذره تتجمع فى سوريا.
فى هذا الإطار - تحديدًا - وحين جرت انتخابات المرحلة الأولى لمحليات الجزائر فى التسعينيات وفازت بها جبهة الإنقاذ، قلت لى وبشكل مباشر: «إنهم يستخدمون الديمقراطية سلمًا ليصعدوا إلى الحكم، فإذا صعدوا ركلوا السلم فلا هم نزلوا ولا غيرهم طلع.. لأنهم فى ذلك التوقيت كانوا بدأوا يستخدمون تعبيرات من طراز «جيش إسلامى» و«دولة الخلافة» يعنى يغيرون بنود الكونتراتو أو العقد الذى على أساسه دخلوا العملية السياسية، هل تتوقع أن يتكرر ذلك عندنا الآن وهل يعنى ذلك تأبيد السلطة وعدم تداولها وفقًا لمفاهيم الخلافة وغيرها؟
- الإسلاميون - بطبعهم - أحاديو التفكير، لا يقبلون الاندماج فى قوى أخرى، وحتى تحالفاتهم مع بعض تلك القوى الأخرى هى تحالفات مرحلية، وهم - بطبيعتهم كذلك - يؤمنون بأن لديهم مشروعًا متكاملاً فى الميلاد وفى الزواج، والطلاق، والميراث، والتعامل مع أهل الذمة، ومحاربة الغير والقضية الفلسطينية.. إلخ، وبالتالى فهم يرون أن هذا المشروع المتكامل قادر على أن يكون منفردا، وهذه هى الخطورة، إذ عندما لا تؤمن بالآخر، وعندما لا تعترف بتداول السلطة، وعندما لا تعترف بدوران النخبة، فأنت أحادى التفكير، والخطر يلوح عند الأفق، والحوار يبدو غير ممكن.. وهنا تبدو مخاطر التيار الإسلامى فى نظرى على الأقل.
تكلمنى عن التيار الإسلامى وعلاقتة بالقوى السياسية أو الفكرية الأخرى.. دعنى أحاول البدء من نقطة أكثر صعوبة، وهى خريطة قوى الإسلام السياسى «حزبية أو فكرية» التى باتت اليوم أكثر وضوحًا من ذى قبل، ما هو تأثير وزن كل منها وأرجحيته على المستقبل السياسى للبلد؟
- أستطيع أن أقرر - بكل ارتياح - أن %80 من مكون الإخوان سياسى،و%20 دينى. السلفيون العكس «٪80 دين - و٪20 سياسة»، وأما الصوفيون فى أغلبهم ٪100 حركات دينية، ويقومون على طاعة ولى الأمر، وليس لهم موقف سياسى سوى إرضاء الحاكم أينما وجد من أجل فلسفة دينية، وليس من أجل دوافع انتهازية على الإطلاق.
أنا أتصور أن البرلمان القادم - من قراءتى للمشهد - سوف يتشكل من ٪25 من الإخوان، و٪15 إلى ٪20 من السلفيين «بسبب نقص خبراتهم السياسية»، ليكتمل العدد إلى نصف البرلمان - تقريبًا - من التيار الدينى، والنصف الآخر محصور ما بين القوى الليبرالية، والأحزاب التقليدية «اليسار - الوفد.. مع الأقباط والمرأة وبعض عناصر الحزب الوطنى السابق التى ستنجح - رغم أنف الجميع - وخصوصا فى صعيد مصر، فالمقاعد متوارثة هناك منذ مجلس شورى القوانين حتى الآن، فلا يجب أن نكون بلهاء ونتحدث عن إقصائهم بالكامل، فالعائلات تحكم، وليست المبادئ ولا الانتماءات، أو الأفكار.
وماذا كان الحزب الوطنى؟.. كان تجمعًا بشريًا للمصالح له غطاء أمنى وليس له فلسفة فكرية، إذ ليس هو الإخوان المسلمين، وليس هو الحزب الشيوعى، ولا هو - حتى - حزب البعث الذى يجب عليك اجتثاث جذوره حتى لا يعود.
كان يكفى أن تقول للحزب الوطنى «فركش» فلا تجده، ولكم عبرة فى حزب «مصر» عندما قرر السادات أن يسميه الحزب الوطنى، فتحركت الأوتوبيسات تحمل الأعضاء من حزب مصر، إلى الحزب الوطنى فى اليوم نفسه.
إذن لا ينبغى أن نضخم من أيديولوجية ما يسمى بالحزب الوطنى، إذ ليست له أيديولوجية، وإنما هو تجمع عفوى مثل الاتحاد الاشتراكى، لا، بل - على العكس - كان للاتحاد الاشتراكى مضمون فكرى وكان أكثر تنظيما، الحزب الوطنى لم يكن إلا «رصة تنظيمية» فوقية وارتباطات مع الحكومة فى الشارع، والقرية، والمراكز، ولذلك لا يجب أن نتكلم عنه بوصفه كيانًا مخيفًا محكم البناء، وسوف تتسلل عناصر كثيرة منه - بحكم سطوة العائلات وبحكم احترام بعض الأفراد الذين تحترمهم دوائرهم - إلى البرلمان المقبل.
على الرغم من كل ما شرحت فإن ثقافة جديدة شاعت فى مصر وذيعت، تنسب كل حدث سلبى تشهده البلاد -سواء كان حادث مرور، أو سرقة بالإكراه، أو تفجير أنبوب غاز، أو فتنة طائفية أو اعتداء على ممتلكات عامة- إلى تحرك فلول الحزب الوطنى، هل تعتقد أن الإمكانية التنظيمية للحزب الوطنى تسمح بذلك؟
- أرى مثل ذلك الكلام خطيرًا، لأنه يعطى من يسميهم البعض فلول الحزب الوطنى وجودًا أكبر بكثير من حجمهم.. ربما يكون لهم حضور محدود، ليس أكثر.
الحزب الوطنى - فى عز عنفوانه - لم تكن لديه مثل هذه السطوة، لكى توجد له الآن، فلم يكن يستطيع أن يحرك مظاهرة إلا بصعوبة.
أنا مندهش لأن البعض يدعى على الحزب الوطنى بعد تسعة أشهر من الثورة أن له كل ذلك التأثير، وهذا شىء يجب أن يشعر الفلول إزاءه بشىء من الفخر إذا كانوا مهمين على هذا النحو!
الأمر الثانى الذى أريد التأكيد عليه صراحة فى هذا السياق أن هذا المشجب لو استخدمناه كثيرًا سوف يكون أداة لتعطيل الإصلاح.. كما تذهب إلى طبيب فيستعصى عليه تشخيص المرض، فيقول: «على ما يبدو هو نوع من الحساسية» ويعطيك أدوية عامة، والسياسى - أيضًا - كذلك، فعندما يستعصى عليه أمر يتحدث عن مؤامرة خارجية أو يعمد البعض -حين يستعصى عليهم اتخاذ قرارات مصيرية إصلاحية حقيقية تأخذ البلاد إلى بر الأمان- إلى الحديث عن الفلول.. وإلى متى سوف يظلون يتحدثون عنها؟.. نعم ربما يوجد بعض البلطجية، ولكن تيار الثورة كاسح.
وبعيدًا عن موضوع بقايا الحزب الوطنى المنحل، فإن هناك جماعات من البلطجية تناسلت وتكاثرت بعد الثورة، ليظهر البلطجية الجدد بأدوات ومهارات مختلفة؟
- نعم.. هناك إعادة إنتاج للبلطجية فى كل عهد، فقد يكون للحزب الوطنى بلطجيته من قبل، ولكن البلطجية الجديدة سوف تخرج من رحم العشوائيات وسوف تخرج من ظروف الانفلات الأمنى وغيرها من الظواهر التى خيمت على البلاد فى الشهور الأخيرة.
أمريكان ومخابرات
اسمح لى فإن من يراقب بعض التحركات الأمريكية، وبعض الدعم الذى قدمته واشنطن لهياكل بعينها طوال السنوات التى سبقت الثورة، يشعرنا بأنهم كانوا طرفًا فى تحريك الأحداث أحيانًا؟
- يعنى هل كانوا يساعدون السلفيين مثلاً.. لا لم يحدث.
لا.. كانوا يدفعون نحو تنظيم القوى الاحتجاجية فى مصر؟
- هم يركبون الموجة فى أى مكان، لأنهم ينظرون إلى المستقبل ويرون لمن تكون الغلبة.. يعنى عندما كنت رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية فى البرلمان المصرى كان أول ما يسأل عنه أى وفد أمريكى يجىء إلى مصر هو الإخوان، ويبدى رغبة فى لقائهم، باعتبارهم القوة الاحتجاجية الرافضة للنظام، فبينما هو مع النظام، يعرفه ويتعامل معه، إلا أنه يريد أن يبحث عن الطرف الآخر، لأنه من المحتمل «ولو بنسبة ٪1» أن يأتى للحكم فى يوم من الأيام.
حدثنى د. سعد الكتاتنى الأمين العام لحزب الحرية والعدالة ورئيس الكتلة البرلمانية السابقة للإخوان عن ذلك، وكتبت مقالة فى الأهرام عن هذا الحوار، ثم كتبت - حضرتك - عن لقاءات الإخوان بالأمريكان والغريب أن المقالين كانا بعنوان واحد هو: «الإخوان والأمريكان» هل تعتقد أن الأمريكان يقصرون حديثهم على الإخوان المسلمين باعتبارهم القوة الأكثر وزنًا أم أنهم ينفتحون - كذلك - على القوى الهامشية؟
- هم يعتقدون أن الإخوان ليسوا بقوتهم فحسب، ولكن بقيادتهم للتيار الإسلامى فى نهاية المطاف، يعنى أنا سمعت كثيرًا من الأحاديث فى العالم الإسلامى، تقول أن الإخوان المسلمين هم فكر وعقل الإسلام السياسى على امتداد 83 عامًا مضت، أما الجماعات الأخرى التى ظهرت فى باكستان والجزيرة العربية والتى ظهرت - حتى - فى مصر فهى أقل وزنًا بالقطع.
أنجزت المخابرات العامة المصرية صفقتين مهمتين مع إسرائيل - مؤخرًا - أولاهما تتعلق بمبادلة جلعاد شاليط بأكثر من ألف أسير فلسطينى، وثانيتهما تتعلق بمبادلة جاسوس ميدان التحرير إيلان جرابيل بخمسة وعشرين سجينًا مصريًا.. كيف تقيم ذلك النجاح فى ضوء تصورات مختلفة ومتعارضة عن شكل الدور المصرى فى المنطقة بعد تسعة أشهر من نشوب الثورة؟
- هذا يعنى أن جهاز المخابرات العامة أصبح يعمل دون حواجز، يعنى ربما وصل اللواء عمر سليمان الوزير السابق للمخابرات إلى هذه النتائج، ولكن الرئيس السابق مبارك كان لديه الفرامل دائمًا!!
لماذا؟
- لأنه كان حذرًا بشدة، وقلقا بشدة، ولأنه كانه يعتقد أن الصراع الإسرائيلى / الفلسطينى هو أحد أسباب الدور المصرى، كما فهّمه أحد ممن يحيطونه، ولذلك كان - دائمًا - معنيًا بتأجيل القرارات.
من هو ذلك الواحد الذى فهّمه ذلك؟
- بعض المحيطين به.. بعض أصدقائه، بعض أقاربه.. بعض وزرائه.
من كان الأكثر تأثيرًا فى مثل ذلك الموضوع؟
- أسرته الصغيرة بالدرجة الأولى!!
أكرر.. هل كانت أسرته الصغيرة تتدخل فى السياسة الخارجية والأمن القومى؟
- إلى حد كبير.. كانت لهم آراء فى كل شىء عبر حديث الأسرة، أو ثرثرة المائدة، وقد لاحظت شيئًا من ذلك فى عمل مع الرئيس السابق الذى لم يكن يقبل من العاملين معه أى اختلاف، فكنت أحتمى بهامش من الاختلاف خارج مؤسسة الرئاسة، ولكن داخلها كان الجو قمعيًا إلى حد بعيد.
تتابع - بالقطع - تحركات مرشحى الرئاسة المحتملين فى مصر، كما تتابع حملات الأحزاب والمستقلين للانتخابات البرلمانية.. فهل ترى أنها تلامست مع هموم شعبية حقيقية أم أنها مازالت نخبوية تراوح مكانها فى العواصم وتدير ظهرها للأرياف؟
- أرى تلك الحملات مسألة دعائية - مازالت - وإعادة إنتاج للعقلية المصرية التقليدية، إذ يشرب المرشح كوبًا من الشاى هنا، ويتناول العشاء مع الفلاحين هناك، ويحضر ندوة ويثرثر فى الصحف، وهذا الكلام لا يأتى برئيس، ولكن من الممكن أن يأتى بنائب برلمانى لدائرة فى مجلس الشعب.
مرشحو الرئاسة يتبعون فى برامجهم لانتخابات الرئاسة ما يتبع فى برامج انتخابات البرلمان، فيما الفارق كبير.
كنت أريد من أحد مرشحى الرئاسة أن يقدم لنا برنامجًا سياسيًا حقيقيا، وكنت أتصور من مرشح محتمل مثل عمرو موسى - بخبراته - أن يجوب دول حوض النيل، ويصل إلى مشروع اتفاق يضمنه برنامجه.
وكنت أتصور أن مرشحًا محتملاً مثل الدكتور سليم العوا يبحث فى العلاقة الإسلامية / المسيحية، بحيث يصل مع الكنيسة والأقباط إلى تصور عام يقود له التيارات الإسلامية والسلفية عبر برنامج كذلك.
وكنت أتمنى أن يحدثنا مرشح محتمل مثل الدكتور محمد البرادعى عن إمكانية حدوث تعاون دولى لنزع الألغام فى الصحراء الغربية، أو تعمير سيناء.
كنت أرغب أن يأتينا كل منهم بمشروع وليس بحزمة من الخطب يتكلم فيها كل واحد عن تاريخه.. هذا لا ينفع.. الرئاسة قضية كبيرة.
مصر دولة كبيرة جدًا فى التاريخ، وفى العقل الإنسانى، ولا يجلس على أريكتها التى جلس عليها جمال عبدالناصر، وأنور السادات، ومحمد على، وسيف الدين قطز إلا ذو دراية وخبرة.. ولكننى - مع الأسف - أرى استخفافًا شديدًا بالترشح لمنصب الرئيس.
لماذا تغير موقف الناس فى مصر من ائتلافات الشباب؟ ولماذا تردد- الآن - نغمة أن تلك «الإئتلافات» تحولت إلى «اختلافات»؟
- عندما تعطلت عجلة الإنتاج ضج الكثيرون.. فهناك من يقتاتون من عملهم اليومى، سواء فى قطاع السياحة، أو فى بعض الأعمال التجارية اليومية، وهؤلاء تعطلت أرزاقهم فأصبحوا قوة مضادة شئت أم لم تشأ.
وثانيًا.. توقفت برامج الحياة كلها إلى حد كبير جدًا فى البلد، ويكفى أن تضع فى اعتبارك أن ثلاث سلطات فى البلد معطلة، فالسلطة التنفيذية انهار جزء كبير منها بعد الثورة، خصوصًا المؤسسة الأمنية التى هى قلب السلطة التنفيذية وأداتها وذراعها الطولى، والسلطة التشريعية معطلة، والسلطة القضائية بدأت فى التعطل هى الأخرى عبر خلاف المحامين والقضاة وتعطيل العدالة.
وهذه السلطة الأخيرة «القضائية» عندما تتعثر تكون علامة على بداية الانهيار.
عندما دخل ديجول إلى فرنسا بعد الحرب سأل سوالاً واحدا: «كيف حال القضاء؟» فقالوا له: بخير، وقال: إذن فرنسا بخير!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.