فى هذه الحلقة من حوار الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل مع الإعلامية لميس الحديدى «مصر أين؟ ومصر إلى أين؟» يعرج الكاتب الكبير إلى الشأن الداخلى بكامل تداعياته، حيث أجاب عن تساؤلات فارقة تخص الشأن المحلى، فالانتخابات البرلمانية التى دارت عجلتها منذ أيام، وربما يولد هذا البرلمان قبل نهاية العام والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ودائرة الرئيس وملف الشباب كان ذلك أبرز ما تناوله الكاتب الكبير، وأخرج من جعبته تحليلات دقيقة، ربما تكون ضوءاً فى نفق طويل فى رحلة وطن صوب المستقبل.. وإلى نص الحوار. «هيكل»: العقد القائم بيننا وبين «السيسى» حتى هذه اللحظة أننا «معجبون» بما فعله.. لكن المستقبل يحتاج إلى «تصور» ■ نبدأ بالمشهد الانتخابى، فمنذ أيام أعلنت «العليا للانتخابات» أن نسبة المشاركة فى التصويت 26% كيف ترى هذه المشاهد وهذه الأرقام؟ - بعض الناس ربما يقولون إن هناك قلة اهتمام من الناس، وهذا ليس صحيحاً فى اعتقادى، والصحيح أننا أمام مشهد مربك فى العالم كله وليس فى مصر فقط والمنطقة، ونحن فى ارتباك على اعتبار أن هناك حقائق مطلة على العالم، وفى اعتقادى، مع احترامى لكافة القواعد الديمقراطية، فقد كان المشهد الانتخابى جانبياً. ■ مشهد جانبى بالنسبة لماذا؟ - المشهد الجانبى يدور بين القوى الكبرى، وأنا أعتقد وأنا شخص أتمنى الديمقراطية ولكنها ليست سلعة يتم شراؤها لكن هى ضرورة يجب أن تتوفر امكانياتها وأنت لديك مشكلة كبيرة جداً، فأنت أمام انتخابات تجرى فى ظل مؤثرات النظر إلى مستقبل الإسلام. ■ هل هذا يعنى أن السلطة لم تكن راغبة أو مهتمة بهذه الانتخابات؟ - دائماً فى مراحل السيولة متى تكون الانتخابات معبرة عن حالة المجتمع؟ عندما يكون فى حالة ثبات، لكن وقت الحركة الاختيارات فى منتهى الصعوبة ويكون تأثيرها عاطفياً أو مزاجياً باللحظة الراهنة وليس المستقبل، أيضاً كثير من القيادات السياسية الموجودة حالياً لم تستطع أن تفهم ما حولها أو ما يجرى فى العالم أو المنطقة، لا تزال السياسة فى مصر مقصرة جداً عن اللحاق بالحقائق. ■ ما تقييمك لحجم الإقبال على التصويت فى العملية الانتخابية؟ - ضعيف جداً، لكن يؤكد أن هناك حيرة للناخب فى عالمه وبلده، فهو ناخب مصرى مثل أى ناخب فى العالم فلو نظرنا للدول الديمقراطية لن نجد حزباً غالباً فى منطقة، ومن يحصل على أكثر الأصوات يحاول عمل تحالفات، الخيارات فى العالم تفرض على الناخب صعوبة فى الاختيار مع حيرة والعالم يتغير. ■ ما سبب ضعف الإقبال وقد رأينا حيرة الناخب حول من ينتخب؟ - هذا يعود لعدة أسباب، أولها أنه لم يقدم أحد أشياء مقنعة حول المستقبل، وأنا أعذرهم لأن المستقبل دخلت فيه عناصر مختلفة ساهمت فى تشكيله، فليس مثل الماضى فى عهد الوفد والاستقلال أو وقت عبدالناصر أو الاتجاه للاشتراكية، حتى معنى العدالة الاجتماعية تغير، وهناك أشياء كثيرة تغيرت، فالحلول الجاهزة والمنطقية لم تعد تجدى، فنحن أمام عالم أكثر تعقيداً ويحتاج لحلول أكثر خيالاً. ■ هل الشعب لم يعد يملك جرأة الاختيار الجديد أو تجربة أشخاص جدد وهذه أحد أسباب الحيرة بعد تعب أربع سنوات؟ أتمنى تمثيلاً حقيقياً فى البرلمان من رجال أعمال وشباب وقادة سياسيين - صحيح الناس تعبت على مدار أربع سنوات لكن هناك أشياء مزعجة وهى تقلقنى جداً، إذ لا توجد قوة سياسية استطاعت أن تقدم للناخب ورقة تصور لهذا العالم الجديد. ■ قلت إن الإقبال ضعيف، نريد أن نعرف هل هذا جيد أم سيئ؟ - أريد أن نتخلص من هذه الفكرة لأنها أوصاف، لكننا نريد أن نستخلص حقائق الموقف مما جرى، وهو أن هناك شعباً غير قادر أن يبقى هنا أو هنا ويبحث فقط عن ثقة. ■ ومن سيعطيه هذه الثقة؟ - ما حصل الآن أن الرئيس السيسى يحاول، وأعتقد أنه فى مثل هذه الظروف هناك آمال كبيرة معقودة عليه، ويجب أن نضع أمامه قدراً أكبر من الخيارات، وأعتقد أن مكتبه يحتاج لإعادة تنظيمه بأمانة، بحيث يكون قادراً على أن يصل، أريد مركز قيادة فى هذه اللحظة، والقيادة مهمة جداً الآن فى لحظة التغيير والبحار المضطربة، وهو محتاج أن يضع أمامه كل الحقائق وهو يكلم الناس. ■ هل تعتقد أن هذه الانتخابات تعكس شعبية الرئيس السيسى كما ذكرت بعض الصحف الأجنبية؟ - أعتقد أنها تعكس حيرة الخيارات وحيرة الشعب المصرى بشأن مستقبله، وفى اعتقادى فى مصر أن السيسى جاء فى وقت الإدارة فيه صعبة، فهناك نظام سابق فشل، ومن قاموا بالثورة لم يستطيعوا القيام بنظام بديل، واضطررنا لإدخال عناصر أخرى: الإخوان ثم القوات المسلحة، وتحول السيسى من عسكرى إلى سياسى، والوضع مختلف الآن عن دول أخرى، ففى مصر لم تظهر القوى الجديدة وتأخر ظهورها، والموجود فى هذه اللحظة، فى الانتقال بين اللحظة الراهنة والمستقبل هذا الفراغ وهو مشكلتنا. ■ كيف تقرأ نتائج هذا البرلمان؟ هل هو معبر عن بلد بعد ثورتين؟ - لا، لكنى أعتقد أنه قد تظهر منه تعبيرات المستقبل وأقول «قد»، وأنا فى هذه اللحظة أنظّر وأقرأ قوائم المرشحين، وكلهم تقريباً ينتمون إلى الماضى، لكن هناك بعض الطلائع، سواء فى المرشحين أو غيرهم سنجد أن هناك بلداً يغلى، وأنا أعتقد أن هذا كله صحى، طالما أن هناك دولة قادرة على صد التدخلات الخارجية وهذا حاصل. الديمقراطية ليست سلعة لكنها ضرورة يجب أن تتوفر إمكاناتها.. ونحن أمام انتخابات تجرى فى ظل النظر إلى مستقبل الإسلام ■ تحدثت عن الصمت السياسى لكننا حولنا الكثير من الصخب هل هو صخب بلا طحن؟ - صخب انتظار الصوت الموجه لأى جمع فى الشارع، زيطة الناس مستمرة حتى دخول أحدهم بهيبته، أو بما يقوله أو يفعله حتى يهدأ الناس ويفكروا. ■ هل هذا الأحد هو الرئيس السيسى؟ - ليس لدينا سواه، وأنا واحد من الناس أتمنى وقلت له، وأسمح لنفسى أن أقول إننى قلت له إنه لا بد أن يكون لديه تصور عام أو برنامج يطرحه، ما هو العقد الذى بينى وبين الرئيس السيسى؟ حتى هذه اللحظة العقد القائم بيننا وبينه أنه إعجاب بما فعله، فقد أزال شيئاً لكن ماذا ينوى أن يفعل فى المستقبل؟ والمستقبل يحتاج لتصور ورؤية يضعها للناس، ولا انتخابات أو غيره، هى الشىء الأساسى، كلها أشياء فرعية، أعتقد أن البلد فى حاجة فى هذه اللحظة إلى هذه القيادة التى دفعتها الظروف لأن تكون فى المقدمة فى لحظة تطور لهذا البلد، وهو مهم جداً وفى حاجة لأن يقدم للبلد رؤية، لا نريد تصوراً يوماً بيوم، وهذه هى المشكلة الحالية فى مصر. ■ هل نحن فى مأزق؟ - ليس مأزقاً واحداً بل فى مَآزِقُ، وأول مأزق أن الرئيس بلا حزب. ■ هل هذا مأزق؟ - نعم، فأمامنا سؤال: ما وسائل الرئيس للوصول إلى الناس، ليست ميكرفونات الإذاعة أو التليفزيون، لا بد أن نسلم أن أهمية التنظيم الواصل بين المركز والفروع مسألة مهمة جداً، الرئيس لديه التليفزيون والراديو ويستطيع أن يتحدث، لكن مسألة الوصول الحقيقى تقتضى الاتصال مباشرة وبوسائل مباشرة بالناس والأرض والقواعد، ولا بد فى حقيقة الأمر أن يكون للرئيس أناس حوله، من خلال جبهة وطنية أو تحالف يقوده، لأنه إذا بقى وحده يقود، سواء من خلال مقر القيادة العامة للقوات المسلحة أو القصر الجمهورى، أعتقد أن هذا غير كاف. هذا زمن الشباب.. والعواجيز «مش عايزين يمشوا» ■ ما ملامح هذا التجمع؟ - بصراحة لا بد على الأقل من جبهة وطنية تسانده، وتعنى تحالف قوى الشعب، أتمنى أن يكون هناك تمثيل حقيقى للقوى فى المجتمع من رجال أعمال وشباب وغيرهما، لا بد أن يكون هناك تمثيل، وهذه أهمية الوصول إلى برلمان ممثل للشعب وليس برلماناً يتم إنشاؤه تحت ضغط جماعة الإخوان المسلمين، وأخشى أن يكون البرلمان المقبل الجزء المهم فيه أن نتصدى للغارات. ■ غارات الإسلام السياسى؟ - الإسلام السياسى وغارات الاستغلال والانتهازية والمصالح التى كانت لديها امتيازات بلا حدود فى وقت معين، والأن نقول لا يمكن أن يتم ذلك، وأنا أعلم أن هناك بعض القوى موجودة ومتنفذة فى بعض وسائل الإعلام وغيرها. ■ لكن فكرة حزب الرئيس أزعجت المصريين على مدار ثلاثين عاماً؟ - أخشى جداً من حزب الرئيس، لأنه قد يتحول إلى حزب سلطة. ■ بعض القوائم خرجت تتحدث وكأنها ممثلة للرئيس؟ - الرئيس يجب أن يضع شروط دعمه، بمعنى أنا أمثل كذا وعلى من يمثل هذا ويؤكد ذلك أهلاً وسهلاً به، أما ترك الأمور بهذا الشكل وأن نقول للناس تعالوا إلى حزب الرئيس فكل الناس سوف تأتى وفى طليعتهم المنافقون. ■ إذا كنا نتحدث عن تأييد الرئيس فماذا عن معارضته؟ - نحن لا ننشئها معارضة من أجل المعارضة لكنها تنشأ بشكل أصيل وحقيقى عندما تدخل فى إطار الحوار العام. ■ لكن أعود لمخاوفك من عودة الوجوه القديمة؟ - الشباب أخطأ فى بعض الأشياء، لكن نحن لم نكن لدينا سعة صدر أن نعرف أن هذه طبائع الشباب، فلم نتحاور وحصل صد، والنتيجة أنه حدث شبه فراق، أعتقد أن لدىَّ أزمة وأنا قلق منها وهى الشباب والنظام، واضح أمامى أنهم أكثر عزوفاً عن الانتخابات وهذا يقلقنى. ■ لكن الرئيس يتحدث أن الشباب دعامة له؟ - والشواهد الحقيقية أنه لا يوجد تخاطب معهم، ونحن تركنا الشباب وفى مرات كثيرة أتعجب من أن نظاماً بهذا الحجم لا يخاطب الشباب، وأعرف أن البعض ممن يذهبون للجامعات لمحاورة الشباب رغم الاختراقات قد يتعرضون لما لا يرضونه فى بعض الأحيان، لكن علينا أن نتحمل ونتحدث فهناك حالة من عدم الثقة تسيطر على البلد. ■ كيف نستعيد الشباب أو كيف يستعيد النظام ثقة الشباب وأن نزيل هذا الصد؟ - ليس بالكلام، لكن ينبغى أن يشعر الشباب أننا نفسح لهم مجالاً أو طريقاً للمشاركة فى العمل العام، هذا زمن شباب، والعواجيز موش عاوزين يمشوا. ■ أنت تقول إن ثمة توتراً بين الطرفين وهناك من أطراف رأس المال من يدعى أنه يقترب بشكل أو بآخر من الرئيس؟ - كان لا بد أن يقولوا إنه اقتراب على مضض من الرئيس السيسى بالتحديد، أعتقد أن علاقة السلطة برأس المال يجب ألا تكون كما كانت فى السابق، سواء فى عهد عبدالناصر أو بشكلها فى عهد السادات ولا فى وقت مبارك، نحن نحتاج صيغة علاقات جديدة، وهذا يتأتى عندما يطرح الرئيس السيسى برنامجاً أو رؤية أو تصوراً للمستقبل، وهذا مالم يفعله حتى الآن. القيادات السياسية الحالية لم تستطع فهم ما يجرى فى العالم أو المنطقة.. والسياسة فى مصر لا تزال مقصرة عن اللحاق بالحقائق ■ ربما من المزعج للبعض ظهور بعض الوجوه القديمة، ومنهم من يقول إنه سيذهب للبرلمان لمساندة الرئيس؟ - ما يدعو هؤلاء للدخول وجود فراغات فى العمل السياسى، ضعوا فى اعتباركم أن الرئيس السيسى منذ عام أو عامين كان فى الجيش ثم بدأ يهتم بالشأن السياسى ثم أصبح فى قلب العمل السياسى، وبالتالى هناك انتقالات سريعة حدثت. ■ هل الإعلام فى مأزق؟ - أعتقد أنه فى حاجة إلى نظرة شاملة، ولا أريد أن أُغضب منى الصحفيين، لأنه لا يزال أمامى إعلام شخصى أو محلى أو مصالح معينة، إلا فيما ندر، لكن أعتقد أن الإعلام بحاجة لتقييم شامل، وألا تفرضه الدولة. ■ هل هناك انفلات؟ - انفلات وابتزاز وأشياء كثيرة جداً، وعندما أرى الصورة أشعر فى كثير من الأحيان أن جزءاً كبيراً من أزمتنا أن الإعلام غلب فيه الجانب الشخصى عن العام. ■ هل لدينا كصحفيين معلومات كافية؟ - لا، وكل من يجلس أمام ميكرفون يعتقد أنه أمير مؤمنين ويحكم ولا يقول رأياً أو يناقش فكرة على طريقة «نحن زعماء». ■ يبدو أن المأزق الاقتصادى يتقدم المآزق التى تواجهها مصر حالياً، فما رأيك؟ - هذا صحيح، نحن دولة مواردها أقل من احتياجاتها، ولا بد أن يعوض هذا بوسائل أخرى سواء بالسياسة الخارجية أو بالاتصال بالعالم العربى، أو بزيادة التعاون مع العالم الثالث، لكن هناك حقيقة تحكمك، احتياجاتك أكثر بكثير من مواردك، وعليك أن تسد الثغرة بوسائل سياسية، والحقيقة أنه لا يمكن حل مشاكل الشعب المصرى بالاكتفاء بالداخل، وعندما يقال فى بعض الأحيان «إحنا مالنا ومال العرب»، أقول «على راسى كلامكم لكن هناك نحو 3-4 ملايين نسمة يعملون فى دول عربية». ■ هل النظام الحالى أعلن انحيازه الطبقى بصورة واضحة، فمثلاً عبدالناصر كان واضحاً فى انحيازاته وكذلك السادات، وحتى مبارك؟ - سأترك قصة ناصر والسادات ومبارك، وأتحدث من منطلق أن القياسات مرتبطة بعصورها، وأنت على حق والذى أعرفه أن هناك انحيازات لكن هذه الانحيازات لا يُعبر عنها بوضوح، خوفاً من قوى الأمر الواقع، ورأيت السيسى شخصياً وتكلمت كثيراً معه ولست مقرباً منه، لكنى تحدثت معه كثيراً لأعرف اتجاهاته وانحيازاته الرئيسية، وأرى أن قلبه فى طريق صحيح، ولكن حكمه معرض لضغوط، وهذه الضغوط لها امتدادات فى الخارج. ■ لكن رأس المال لديه شكاوى الآن، ويريد تذليل العقبات حتى يتحرك وينطلق؟ - أتفق مع رأيك، لكن رأس المال يريد من الدولة أن تفعل كل شىء، ويأتى هو عند المرحلة الأخيرة عشان «يقُش». ■ بخلاف الرئيس السيسى، الناس لا تعرف كيف تختار البرلمان؟ - الشعب يختار نواب مجلس الشعب، أو يعرض عن ذلك هذه رغبته، فالشعب المصرى ليس بطبيعته شعباً ثورياً، لكنه يقف أمام حاكم ويعجب به، وإذا فقد إعجابه به يعرض عنه ويعطيه ظهره ولا يثور بسهولة. ■ هل أنت قلق من أن يدير الشعب ظهره؟ - أخاف إذا حدث، ولكن حتى هذه اللحظة هناك نوع من الثقة بين النظام والشعب ولكنى أتمنى جداً أن يستمر ذلك.