كالجراد يحومون حولها، يشتهون دخولها، تجذبهم آثارها التي زودتها آلاف السنين عراقة، لتجعل أيديهم تتعطش هدمها تحت تكبيرات تتبرأ منهم يوم لا يشفع فيه إيمانهم، يقتربون منها أكثر فتزداد صيحات القلق تناشد بحماية تراث وثقافة مدينة تدمر الأثرية بسوريا، من السقوط في هوة تنظيم "داعش"، الذي سيسويها أرضا في حال طالها. "تدمر" التي تبعد ما يقرب من 210 كيلومتر شمال شرق دمشق، كانت نقطة عبور للقوافل بين الخليج والبحر المتوسط وإحدى محطات طريق التحرير، وهو ما كان السبب في ظهور اسمها لأول مرة على مخطوطة تاريخية تعود للقرن التاسع عشر قبل الميلاد، ومع الغزو الروماني لها شهدت تدمر ازدهارا خلال قرون طويلة، واشتهرت بخصوبتها وسط الصحراء، لذا سميت ب"عروس الصحراء"، نظرا لازدهار التجارة بها. عرفت "تدمر" باسم "بالميرا" بعد أن منحها الإمبراطور الروماني أدريان وضع "المدينة الحرة" عام 129، وخلال هذه الفترة تم بناء عدة معابد من أهم آثار المدينة، التي ظهر اسمها في المخطوطات البابلية التي وجدت في مملكة ماري السورية، وارتفع اسمها أكثر حينما أصبحت عاصمة لمملكة "تدمر"، أحد أهم ممالك الشرق، ونافست روما وازدهرت تجاريا أكثر. وباتت "تدمر" مقصدا سياحيا هاما بآثارها من أعمدة رومانية ومعابد ومتاحف وتماثيل ومقابر برجية مزخرفة، يستقبل ما يقرب من 150 ألف سائح سنويا، إلا أنها ومع احتدام الأوضاع في سوريا منذ 2011، أصبحت تتعرض للنهب، كما انهارت بعض الأعمدة ذات التيجان إبان اشتباكات بين النظام والمعارضة خلال عام 2013. وهاهي "تدمر" الآن على مشارف سقطة جديدة بينما يحاول تنظيم "داعش" دخولها، حيث وصلوا لمسافة كيلومتر من آثار المدينة التي تقع بجنوبها، بينما يعاني سكانها الذي يباغ عددهم أكثر من 35 ألف نسمة، بينهم 9 آلاف نزحوا لها منذ بدء الأزمة السورية، في حين يشير المرصد السوري أن ما يقرب من 100 ألف سوري يقطنونها. ونظرا لأهمية "تدمر" الأثرية المدرجة آثارها على لائحة التراث العالمي بأعمدتها مدافنها ومعابدها، فقد أرسل الجيش تعزيزات إضافية لها، ويواصل الطيران الحربي قصف محيط المدينة، في الوقت الذي تعرب في منظمة اليونسكو عن قلقها، معتبرة أن محو الذاكرة الجماعية ليس مقبولا، وحماية التراث والثقافة هو الرد الأمثل على المتطرفين، على أن يتخذ مجلس الأمن الدولي قرارات قوية تحميها من التدمير الذي ينتظرها.