فرضت وقائع وأحداث شارلى إيبدو الإرهابية عشرات التساؤلات عن مستقبل البشرية والعلاقات بين الشعوب فى ظل خروقات خطيرة لحريات الرأى والتعبير بلغت مستوى شعبياً لقبول السخرية من الأديان، ويقابلها من الناحية الثانية تكريس ثقافة انتهاج العنف والإرهاب فى التعبير عن رفض هذه الظاهرة. أسئلة تحتاج لإجابات، هل إهانة الديانات من حريات الرأى؟ وفى المقابل احترام حقوق الأقليات مبدأ ملزم؟ وهل يجوز اعتبار إهانة دين ما حرية رأى؟ وفى المقابل إهانة مشاعر أقلية ما اعتداء على حريات الرأى؟ وما الفارق بين 12 ضحية فى فرنسا وآلاف الضحايا فى غزة ومئات الضحايا فى مصر؟ ولماذا يطالبنا الغرب بالتزام المواثيق والعهود الدولية ولا يلتزم هو بها؟ وهل مطلوب منا احترام ثقافة الغرب وتراثه الفكرى ولا يقابل ذلك احترام من جانبه لثقافتنا وتراثنا الفكرى؟ ولعل من الطبيعى أن نتساءل عن توصيف نشر الصحيفة لرسوم تنتهك مشاعر الآخر وتعد اعتداء مباشراً على عقيدته؟؟ وهو تساؤل يتوازى فى أهميته مع ما نطرحه عن حق الآخر فى انتهاك المبدأ الأهم وهو الحق فى الحياة واللجوء للعنف والقتل وسيلة للتعبير عن الرفض. مبعث الخطر الكامن الآن فى ثقافة الغرب الذى يطل برأسه على استحياء هو قبول السخرية من الآخر وانتهاك عقائد الآخرين، بل والدفاع عن هذه الممارسات باعتبارها تمثل جزءاً من ممارسات مبدأ حرية الرأى والتعبير. وهو ما يتساوى مع الخطر الكامن فى ثقافة الشرق منذ أن انتشرت مفاهيم التعصب والتمييز والتكفير وانعكاساتها فى ممارسة العنف والإرهاب والقتل على الهوية. فالبعض يرى أن 46% من الفرنسيين لا دينيون، لكنه لا يرى أن حوالى 90% من المصريين دينيون، وهو حين يطالب الشرق باحترام ثقافة وعقائد الغرب عليه أن يحترم فى المقابل ثقافة وعقائد الشرق. لم تعد المسألة فى التنابز بالألقاب، والتلاسن بأن حكومتنا تمنع التمييز على المستوى التشريعى وحكومتكم لا تصدر تشريعات ضد التمييز، فالأمر تجاوز الأداء الرسمى للدول إلى التغلغل فى ثقافات الشعوب وهو الأخطر على مستقبل البشرية، إذا ما تحول الخلاف للتناحر الدينى والعقائدى. لقد نص العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية على مبدأ فرض القيود على حريات الرأى والتعبير فى حالات محددة ووفق آليات محددة، وهو ما يعنى أن ممارسة الحقوق لا تعد مطلقة وإنما تمارس فى إطارات محددة، كما فرض على البشر احترام حقوق الأقليات وحقها فى ممارسة شعائرها والإعلان عن عقائدها، وهو بذلك ألزم باحترام مشاعر وعقائد البشر أقلية وأغلبية على حد سواء، وذلك فى سياق نشر ثقافة التسامح والاعتدال وقبول الآخر، لتصبح حرية التعبير مقيدة بضوابط والتزامات لا يصح لأحد الخروج عليها، من أجل استمرار التعايش بين البشر فى أمان وسلام. المسألة الآن وبوضوح مطروحة على الغرب من أجل تقوية واستعادة ثقافة الاعتدال والوسطية فى الشرق.. هل يمكن فرض ثقافة طرف على الآخر وأنت لا تحترم ثقافته بل وتنتهك عقيدته؟ وهل يجوز الحديث عن الحريات بمستويين؟ وهل يمكن اعتبار أسباب الأزمة كلها فى طرف واحد أم أن العلم والعقل يؤكدان دوماً على ثنائية أطراف أى مشكلة وأزمة؟ حرية الرأى حق من حقوق الإنسان ومصادرة هذا الحق عودة لعصور الاستبداد، لكن لا يجب استخدامه فى الإساءة للأديان والشعوب؛ كما لا يجب أبداً اعتبار القتل والعنف والإرهاب وسيلة لحماية دين أو عقيدة.