حرية العبادة والضمير واحدة من الحقوق الأساسية في نظام المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وذكرت أول مرة في المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، ثم نص عليها في الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وفي اتفاقيات هلسنكي، وفي الميثاق الأوروبي لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية وفي إعلان الأممالمتحدة لمحو جميع أشكال التعصب والتمييز بسبب اختلاف الدين أو المعتقد. جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وهو النص الأساسي الذي يرتكز إليه الدفاع عن حقوق الإنسان دوليا: «يولد كل الناس أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق، ومتمتعين بهبة العقل والضمير». ويبدو أن جوهر الحرية الدينية ومختبرها الأساس هو «حرية تغيير الدين»، وهذه الحرية هي التي تدعم منظومة الحريات الأساسية الأخري، فهي متصلة اتصالاً عضويا بحرية الرأي والتعبير، وحرية الاجتماع، وحق الاختلاف، وحق الخطأ أيضا. في الغرب، تتعايش الحرية الدينية وحرية الضمير وحرية تغيير الدين، كما أن هذه الحريات تعترف بها النظم القانونية وتؤكدها عقلية عامة، أو قل ثقافة عامة هي «ثقافة التسامح»، والثقافة حسب تعريف «جودنف»: «ليست ظاهرة مادية، إذ هي ليست جملة أشياء أو بشر أو سلوك أو عواطف، وإنما هي كل ذلك: إنها صور الأشياء التي في عقول البشر، وهي أنماطهم في إدراك الأشياء وعلاقاتها، وتأويلاتهم لهذه الأشياء». ومن هنا فإن قيمة التسامح لا تكون ثقافة إلا بقدر رسوخها كأخلاق عامة تسوس الناس وتصدر عنها الأفعال وحدد «إعلان مبادئ التسامح» الصادر عن اليونسكو في سنة 1995، التسامح بأنه: «ضرورة سياسية وقانونية وليس فقط مجرد التزام أخلاقي». وما أراد إعلان اليونسكو التنبيه إليه هو: أن التسامح ليس تفضلا أو نوعا من اللياقة الأدبية التي تغلف بها الاختلافات الواقعة للآراء والمعتقدات المختلفة، وإنما هو ممارسة فعلية لهذه الاختلافات في إطار تعاقدي، يزاول فيه المختلفون اختلافهم دون «عنف»، أو فرض أو قهر. إن التسامح بالمعني الحديث جاء تلبية لحاجة وجودية وتاريخية في الغرب، وهي الخروج من أتون حروب التعصب الديني «بين الكاثوليك والبروتستانت» في القرن السابع عشر، ولم يكن ذلك ممكنا «لا عن طريق الدين أو الأخلاق»، وإنما بابتكار «معادلة عقلانية» - سياسية وقانونية - أصبحت منظومة «حقوق» كاملة ومتكاملة خلال أربعة قرون. في المقابل نجد أن «التسامح» لم يكن أحد مقومات ثقافتنا العربية المعاصرة، سواء علي مستوي اللغة أو عبر أنماط التفكير التي تعمل عبر هذه اللغة، فقد لاحظ «سمير الخليل» في بحثه المعنون ب«التسامح في اللغة العربية»، أن التسامح هو الفضيلة الغائبة عن معظم الأيديولوجيات التي بهرت مخيلة الشعوب في الشرق الأوسط خلال القرن العشرين، من القومية العربية إلي الأصولية الدينية إلي نزعة معاداة الإمبريالية، إلي الشيوعية والاشتراكية العربية، والطائفية والشعوبية». إن ما نحتاج إليه اليوم، ليس المزيد من سن قوانين جديدة في مجال حرية العقيدة أو تغيير الدين، وإنما بالأحري تكريس ثقافة التسامح في البنية العقلية المصرية، وهذا هو موضوع المقال المقبل.