بمناسبة ما اسفر عنه الاستفتاء الذي جري مؤخرا في سويسرا بشأن حظر بناء مآذن المساجد هناك فإنه يثور التساؤل عن المسئولية القانونية الدولية لسويسرا . ازاء رفض بناء المآذن في ظل ميثاق الاممالمتحدة لحقوق الانسان علي المستوي الدولي من ناحية والاتفاقية الاوروبية لحماية حقوق الانسان من ناحية اخري. الجدير بالذكر ان ميثاق الاممالمتحدة يعد الدستور الاسمي والشريعة العامة الواجبة التطبيق في مجال حقوق الانسان عالميا, ومن ثم يجب علي جميع الدول الاعضاء الالتزام بنصوص هذا الميثاق فهو يتضمن التزاما عاما يخاطب جميع الشعوب وجميع الامم, فإذا ما قامت احدي الدول بخرق احكامه وقواعده اثيرت مسئوليتها القانونية الدولية في هذا الشأن.. وهذا ما اكدته وحرصت عليه الاتفاقية الاوروبية لحماية حقوق الانسان. وفي هذا المجال اصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة1948 الاعلان العالمي لحقوق الانسان. وقد نصت المادة الاولي من ذلك الاعلان علي جميع الناس يولدون احرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم ان يعاملوا بعضهم بعضا بروح الاخاء كما نصت المادة الثانية من الميثاق المذكور علي انه لكل انسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الاعلان دونما تمييز من اي نوع ولاسيما التمييز بسبب العنصر او اللون او الجنس او اللغة او الدين او الرأي سياسيا او غير سياسي او الاصل الوطني او الاجتماعي او الثروة او المولد او اي وضع آخر, وفضلا عن ذلك لا يجوز التمييز علي اساس الوضع السياسي او القانوني او الدولي للبلد او الاقليم الذي ينتمي اليه الشخص, سواء اكان مستقلا او موضوعا تحت الوصاية او غير متمتع بالحكم الذاتي ام خاضعا لاي قيد آخر علي سيادته. وفضلا عن ذلك فان الاتفاقية الاوروبية لحماية حقوق الانسان وحرياته الاساسية التي وقعت عليها دول مجلس اوروبا وأضحت في حيز النفاذ اعتبارا من1953/9/3 كفلت حرية التعبير والحق في حريةالفكر والعقيدة والديانة وممارسة مظاهرها وعلي هدي معطيات النصوص الدولية سابقة الذكر, فإن ما اسفر عنه الاستفتاء السويسري من حظر اقامة مآذن المساجد للمسلمين في سويسرا انما يخالف ميثاق الاممالمتحدة في مادته الاولي والثانية, كما يخالف ايضا نصوص الاتفاقية الاوروبية لحماية حقوق الانسان ذاتها, وهو بهذه المثابة يتعارض مع روح الاخاء الانساني ويعد تمييزا دينيا عنصريا منهيا عنه بموجب الميثاق الدولي للامم المتحدة, وكذا الاتفاقية الاوروبية سالفة الذكر واسرافا الي حد المغالاة والتطرف ويتخذ من حرية العقيدة المزعومة لديه وسيلة للطعن في عقيدة اخري بما يثير النفوس ويحفز الصدور ويمثل ايضا خروجا علي المألوف من الاسس الدنيوية والاوضاع الشرعية المسموح بها في ظل القانون الدولي وحقوق الانسان, وقد غاب عن سويسرا ان بناء المسلمين المآذن قائمة في بيئة محترمة تتفق مع وقار الشعائر الدينية وطهارتها وتحول دون الاحتكاك بين الطوائف الدينية المختلفة هناك. ومن ثم فإن تعطيل ممارستها يقصد به اقامة عقبات لا مبرر لها ويكون نفاذ ما اسفر عنه ذلك الاستفتاء العنصري في شأن ديني لا يتفق مع مباديء الحرية الانسانية, ولا مع مبدأ المساواة وهو المباديء الدستورية الاصيلة في مختلف دساتير العالم ويكشف بجلاء عن روح التعصب الديني هناك. ومن ناحية اخري فانه لا يسوغ ان يتخذ من اسلوب الاستفتاء السويسري كأحد الحقوق المقررة للشعب مجرد سلاح لتحقيق الرغبة في الخروج عن الحدود التي رسمتها قواعد القانون الدولي, ذلك ان المستقر عليه وفقا لدساتير العالم ان حرية العقيدة واداء الشعائر الدينية وما يتعلق بها من مظاهر امر مباح للانسانية جمعاء فلا يجوز لدولة ما مخالفته او تعطيله مادام ذلك لا يخل بالنظام العام ولا يتنافي مع الاداب العامة وهي الافكار المرنة النسبية. وصفوة القول اذن ان سويسرا استخدمت حقا دستوريا مشروعا هو الاستفتاء لتحقيق غايات غير مشروعة تنال من حقوق المسلمين علي اساس ديني وهو ما لا يجوز بما يكشف بجلاء عن التمييز الديني العنصري الذي هو صنوان للديكتاتورية الفكرية في الشأن الديني رغم تشدقهم باصول الديمقراطية.