فى انتظار قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين إلى انتخاب البرلمان القادم، وفاء للاستحقاق الثالث والأخير من خارطة الطريق، واستكمال مؤسسات الدولة المدنية القانونية التى يصطف إلى جوارها غالبية الشعب المصرى، يتوقع الجميع انتخابات نزيهة وشفافة يحسن أن تجرى تحت رقابة المؤسسات الحقوقية للمجتمع المدنى، ويحسن أيضاً أن تجرى تحت رقابة دولية، فى إشارة واضحة تترفع عن أى لبس، تؤكد أن مصر الجديدة بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو قد طلقت إلى الأبد إدمان الإدارة المصرية التدخل فى الانتخابات وتزييفها! وربما يكون لزاماً على الحكم أن يستدعى صوراً أخرى من الرقابة الدولية، تنهض بها المنظمات الإقليمية ولجان رقابة دولية من الجامعة العربية ودول عدم الانحياز والاتحاد الأفريقى، إن امتنعت الولاياتالمتحدة والدول الغربية عن مراقبة الانتخابات المصرية، كى لا يكون حضورها شاهداً قوياً على نزاهة الانتخابات يقطع جهيزة المتشككين! خاصة بعد أن لفق مركز الرئيس الأمريكى الأسبق كارتر أسباباً غير صحيحة للاعتذار عن عدم مراقبة الانتخابات المصرية بهدف التشكيك فى سلامتها قبل أن تبدأ، والأمر المؤكد أن الصحافة الأجنبية سوف تعطى للانتخابات البرلمانية القادمة أهمية كبيرة، وسوف تبعث كبريات الصحف العالمية مراسليها إلى مصر ليفتشوا عن أى عوار يطعن على صحة ونزاهة الانتخابات البرلمانية، اتساقاً مع موقفهم المتواطئ الذى لا يزال يصر كذباً على أن ما حدث فى مصر يوم 30 يونيو كان انقلاباً عسكرياً ولم يكن ثورة شعبية، خرج فيها 30 مليون مصرى إلى الشوارع والميادين يطالبون بإنهاء حكم المرشد والجماعة، بعد أن كشفت جماعة الإخوان المسلمين عن وجهها المستبد القبيح وسعارها الشديد على الاستحواذ على كل مفاتيح السلطة، ورغبتها الطاغية فى استبعاد كل القوى المنافسة! والواضح حتى الآن أن قانون تقسيم الدوائر الانتخابية الذى أعطى 420 مقعداً للدوائر الفردية و120 مقعداً لانتخابات القوائم، يلقى قبولاً عاماً من معظم فئات المجتمع المصرى، باستثناء الأحزاب السياسية التى تستشعر أن القانون ظلمها لحساب المقاعد الفردية، رغم اعتراف الجميع بأن الغالبية العظمى من المصريين لا ينتمون إلى أى حزب سياسى، وأن الانتخابات الفردية ربما تكون الأكثر قبولاً وقرباً من مزاج الشارع المصرى لأسباب عديدة تخلص فى ضعف الحركة الحزبية وفشلها فى التواصل مع معظم فئات المجتمع، وعجزها الواضح عن استيعاب حركة الشباب المصرى الذى يمارس نشاطه السياسى خارج الأوعية الحزبية، فضلاً عن الانقسامات العديدة التى تتوالد داخل الأحزاب وتقلل من مصداقيتها، كما أن معظم الأحزاب مع الأسف أحزاب كرتونية أو أسرية أو شللية تفتقد الوجود الحقيقى فى الشارع المصرى! صحيح أن وجود أحزاب قوية يشكل واحدة من الضمانات الرئيسية لقيام نظام ديمقراطى صحيح يقبل بتداول السلطة ويعتبر المعارضة جزءاً من نظام الحكم، لكن ما من طريق آخر أمام المصريين سوى ممارسة الديمقراطية مهما يكن ضعف أدواتهم الحزبية والتعلم من أخطائهم معها، لأن الديمقراطية قادرة على أن تصحح نفسها بنفسها، وأظن أن المصريين أثبتوا فى 30 يونيو قدرة فائقة على تصحيح أخطائهم الديمقراطية والتعلم من دروسها المستفادة، عندما أعلنوا بعد عام واحد رفضهم لاستمرار جماعة الإخوان المسلمين فى الحكم، وأسقطوا حكم المرشد والجماعة فى ثورة شعبية عارمة، ورسموا لأنفسهم خارطة طريق جديدة بدأت بكتابة دستور جديد حظى بوفاق وطنى واسع، أعقبه انتخابات رئاسية نزيهة حصد فيها الرئيس السيسى أعلى نسبة فى الحضور وتفوقت فيها نسبة تأييده عن جميع انتخابات واستفتاءات الرئاسة السابقة، وتشكل الانتخابات البرلمانية القادمة استحقاقها الأخير. وربما يكون واحداً من أهم الدروس المستفادة التى تعلمها المصريون من تجربتهم مع حكم جماعة الإخوان المسلمين، رفض الخلط الشائن بين السياسة والدين، ونبذ كل صور التمييز المفتعل التى تعطى لقوى الإسلام السياسى أفضلية خاصة على غيرها من القوى والأحزاب، تحت شعارات دينية من نوع (الإسلام هو الحل)، أو بدعاوى كاذبة قسمت المجتمع ظلماً وافتراء إلى فسطاط للإيمان وفسطاط للكفر! ولهذا السبب وحده لن تنجح جماعة الإخوان المسلمين فى النفاذ إلى البرلمان القادم بعد أن اكتشف الشعب المصرى ضلال دعوتها وسوء استخدامها للدين، وخسة مواقفها فى الإصرار على معاداة القوات المسلحة، والرغبة العارمة فى الانتقام من الشعب المصرى، لأنه وقف إلى جوار جيشه يداً واحدة، ومهما حاول الإخوان المسلمون استخدام فزاعة الفلول وتخويف الشعب من عودة حكم مبارك، لن تنجح الجماعة فى أن يكون لها موطئ قدم فى البرلمان الجديد، دليلى على ذلك ما حدث فى 29 نوفمبر الماضى، عندما رفضت كل القوى السياسية أن تشارك الجماعة غضبها على حكم البراءة الذى صدر لصالح الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وامتنعوا عن المشاركة فى أى تظاهرة مشتركة مع الجماعة، وهذا ما تعرفه جيداً الجماعة التى بلغ خصامها مع الشعب المصرى درجة الفجر يأساً من كسب أصواته! وأظن أن بعضاً من رذاذ الرفض والكراهية للخلط السيئ بين الدين والسياسة الذى يسيطر على نفوس غالبية المصريين سوف يصيب الجماعة السلفية وكافة قوى الإسلام السياسى، رغم كل جهود حزب النور فى إظهار معارضته لجماعة الإخوان المسلمين والتنصل علناً من سياساتها! وربما يكون سقوط الإسلام السياسى وخسارته الضخمة من أهم نتائج فشل جماعة الإخوان المسلمين بعد عام واحد من صعودها إلى سدة الحكم! وأظن أيضاً أن مصير رموز حكم مبارك لن يكون أسعد حالاً من مصير جماعة الإخوان المسلمين، وأشك كثيراً فى أن أياً من رموز الحكم فى فترة الرئيس الأسبق مبارك يمكن أن يعاود الكرة مرة أخرى على أمل أن ينجح فى الانتخابات البرلمانية القادمة، هذا زمن مضى وانتهى ويستحيل عودته رغم حكم البراءة الذى حصل عليه مبارك الذى أدان بوضوح شديد فترة حكمه ضمن حيثيات حكم البراءة، لكن ذلك لن يمنع العصبيات التقليدية والأسر الكبيرة التى كانت تشكل جزءاً من قوام الحزب الوطنى من محاولة الوصول إلى مقاعد البرلمان القادم، وإن غيروا جلودهم وقدموا للمعركة الانتخابية وجوهاً جديدة، هذا دأب العصبيات القبلية والأسرية فى كل زمان ومكان، تسعى للحفاظ على مصالحها مع أى حكم جديد! وقد تكون أولى ميزات الانتخابات البرلمانية القادمة، زحام المرشحين وكثرتهم فى الدوائر الفردية، مع وجود فرص واسعة لدخول عناصر جديدة إلى معترك الحياة السياسية، أغلبهم مستقلون من جيل الوسط يمارسون العمل السياسى لأول مرة، ويقدمون أنفسهم لجمهور الناخبين باعتبارهم وجوهاً جديدة تنتمى إلى ثورتى يناير ويونيو، حسنة السمعة لم تتلوث بماض سياسى نهض أغلبه على اقتسام المصالح! كما تشير مؤشرات عديدة إلى أن فرص المرأة فى الوصول إلى البرلمان الجديد تتزايد بصورة ملحوظة، إذا استطاعت المنظمات النسائية تقديم وجوه طازجة نشيطة، بعد الدور الواضح الذى لعبته نساء مصر فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وألزم المجتمع أن يسقط الكثير من احترازاته السابقة على اشتغال المرأة بالعمل السياسى. وما من شك أن تخصيص مقاعد القوائم للمرأة والشباب والأقباط والعمال والفلاحين وأصحاب الاحتياجات الخاصة سوف يساعد على حسن تمثيل البرلمان القادم لكل فئات الشعب، كما يزيد من ثراء تنوعه، وربما ينجح فى علاج أوجه القصور المجتمعى التى تحول دون حسن تمثيل فئات عديدة يتحتم أن يكون لها صوت واضح فى البرلمان القادم، لكن ثمة مخاوف حقيقية من غياب تمثيل المعارضة على نحو صريح ومباشر، صحيح أن القانون الجديد يكفل لجميع الأحزاب منافسة المستقلين على المقاعد الفردية فى كل الدوائر بما يسمح بانتخاب أصوات معارضة، لكن السؤال يتعلق هنا بمدى دستورية نص قانونى يسمح للأحزاب بالترشح على المقاعد الفردية، الأمر الذى يمكن اعتباره نوعاً من الافتئات على حقوق المستقلين، وربما يشكل ذلك سبباً لتكرار ما حدث عام 2012، عندما تم حل مجلس الشعب بسبب افتئات الأحزاب على مقاعد المستقلين فى الدوائر الفردية، هذا خطر ينبغى أن نتلافاه، لأن مصر أحوج ما تكون إلى استقرار برلمانى يعزز استقرارها الأمنى والسياسى.