يلمحه أحد ضباط الشرطة فى منطقة البساتين بالقاهرة ومعه بعض الركاب، لحظات ويشق عنان الهدوء صوت مزعج لسارينة سيارة الشرطة، لمطاردة التوك توك الذى تجرأ ومر بالقرب من قسم الشرطة، استمرت المطاردة والمراوغة ساعتين، تناثر خلالها الركاب داخل التوك توك الصغير، ازدادت سرعة سيارة الشرطة واقتربت من التوك توك، والضابط لا يكف عن إصدار تعليماته إلى العريف السائق حتى لحقت سيارة الشرطة بالتوك توك وأوقفته. هذه هى إحدى قصص المطاردة التى يرويها محمود سعيد، 29 سنة، مبتور القدم اليسرى، عريض المنكبين، ذو الوجه الأسمر، واللحية الخفيفة، التى يقول إنه كثيراً ما يتعرض لها، يستكمل «محمود» قصته بقوله إن الضابط غرمه فى هذا اليوم 2300 جنيه بدون سبب، وحبسه وصادر التوك توك ولم يسترجعه إلا بعد أن دفع الغرامة التى استدانها. «الحكومة مش عاوزانا ناكل عيش، بس برده زى ما فى ظباط وحشة فى ظباط كويسة، أنا ساعات بقابل ظباط ورتب عالية بيعاملونا باحترام»، يشكو «محمود» بصوت مرتفع لا يخلو من الضيق، يعقد حاجبيه ويواصل حديثه قائلاً «الظباط اللى مش كويسة دول بتعامل الناس كلها وحش حتى المعاقين، الناس السُّلام بيعرفوا يجروا إحنا مابنعرفشى وبنتاخد فى الرجلين». يتذكر «محمود» قصة بتر قدمه التى كانت سبباً فى دخوله لعالم ذوى الاحتياجات الخاصة، فيقول إنه كان يمتلك سيارة ميكروباص فى عام 2005، كان يعمل عليها سائقاً، وبعد شهر من شرائه لها وقع حادث تسبب فى حريق للسيارة وهو بداخلها «عضم رجلى اتفتت من جوه وما كانشى موجود غير القصبة بتاعت رجلى وشالوا السمانة فعملت غرغرينا، وكان مالهاش حل غير أنهم يبتروها، وساعتها أبويا قالهم أبيع هدومى بس ما تقطعوش رجليه، بس قالوا ما ينفعشى، رجلى اتبترت والعربية ولعت وهى لسه عليها أقساط ب80 ألف بنسدد فيهم». استطاع «محمود» بعد بتر رجله أن يحصل على طرف صناعى على نفقة الدولة، ليستخدمه فى الحركة «أى نعم هو تاعبنى ومش مريحنى ولو حباية فى رجلى المبتورة ممكن أقعد فى البيت ما اتحركشى أسبوع كامل، بس الحمد لله على كل حال وبحاول أنى ماستخدمشى العكاز علشان ماحدش يعطف أو يشفق عليا». رجل «محمود» المقطوعة حرمته من أن يعيش مثل باقى الشباب فى نفس عمره «كنت بحب واحدة بقالى 4 سنين بس أهلها ما رضيوش بى ومفيش واحدة رضيت بى علشان رجلى المقطوعة، وبعد ماترفضت منهم حسيت إنى تايه جداً ومشيت فى السكك الغلط لغاية ما ربنا كرمنى وأعاننى، وعرفت أحوش تمن التوك توك وجبته، وبعدين ربنا كرمنى واتجوزت واحدة عندها 45 سنة وعندها عيلين». يشير «محمود» إلى أن نظرة الشفقة والعطف التى يوجهها له الناس تسبب له الكثير من المتاعب النفسية، بالإضافة إلى نظرة الاحتقار التى ينظر بها إليه بعض الأشخاص الذين سماهم «منعدمى الرحمة»، لكن ذلك لم يثنه عن الاستمرار فى قيادة التوك توك «بقعد على طرف الكرسى ناحية الشمال، وباحط رجلى اليمين السليمة على البنزين وباسند بإيدى ناحية الشمال بس ما بحبش أبين العكاز علشان الناس تطمن وترضى تركب معايا، والمشكلة إن سواقة التوك توك لمت عيال صيع قليلة الأدب، بيقلوا أدبهم على كل الناس حتى إحنا المعاقين وعلشان إحنا مابنعرفشى نرد عليهم فبيزيدوا». يواصل «محمود» حديثه والدموع تفيض من عينيه قائلاً: «أنا لو معايا ألف جنيه مش هطلع من بيتنا، بس كل اللى طالبه من ربنا أنى أتوظف وألاقى الوظيفة اللى هتضمن لى حياة كريمة وألاقى شقة تلمنا بدل ما أنا قاعد بالإيجار اللى بيمص دمى كل شهر 500 جنيه، وإن ربنا يدينى الصحة ويخفف عنى وجعى».