عبثاً ظن سكان «توشكى» فى الإسكندرية، وهم يتسلمون شققهم الجديدة أنهم أصبح لهم مكان يعيشون فيه بأمان، بعد أن شملتهم الدولة برعايتها، ووفرت لهم المسكن البديل عن مساكنهم المنكوبة، ليجدوا أنفسهم وسط مساكن محاطة بالجبال بلا خدمات ولا تصلح للحياة الآدمية، فى بيئة تؤوى الثعابين والحيوانات. وربما كان العراء أهون على العديد منهم، من تلك المساكن التى خصصتها المحافظة لهم بعد تشريدهم من منازلهم المنكوبة، واستنجادهم بالمسئولين بحثاً عن مأوى. مساكن توشكى تقع على بعد نحو كيلو من منطقة «العامرية» غرب الإسكندرية، وهى عبارة عن عدد من الوحدات السكنية خصصتها المحافظة كمأوى للعديد من الأسر المشردة التى فقدت مساكنها للانهيارات أو الإزالات. وكان آخر من انتقل إلى توشكى سكان منطقة الطوبجية بكرموز بعد أن أكلت النيران عششهم، حيث غمرتهم السعادة بعد الموافقة على منحهم مساكن بديلة بتوشكى، لكن فور تسلمهم تلك المساكن اختلف شعورهم عقب اكتشافهم عدم صلاحيتها للإقامة ووجودها فى منطقة جبلية بعيدة عن الخدمات. ويصف محمد أبوزيد، أحد سكان توشكى ل«الوطن» حالة المسكن البديل الذى يعيش فيه بأنه لا يصلح سوى مأوى للحيوانات وليست للبشر. ويقول: «إن كل المشاكل التى من الممكن أن يتخيلها البشر يعانى منها سكان توشكى، فالمحافظة سلمتنا تلك الشقق؛ لكنها لم تؤسس لمدينة سكنية مؤهلة لاستضافة بشر يريدون أن يعيشوا حياة آدمية. وأضاف: «إحنا شبه منعزلين عن العالم، فتلك المنطقة لا يوجد بها أى وسائل مواصلات أو مياه شرب، والمساكن تم تشييدها وسط منطقة جبلية يملؤها الحيوانات والزواحف، فضلاً عن التلوث الذى يعانى منه أهل المنطقة نتيجة وجودها بجوار مجمع البترول بالعامرية. وتابع: «حتى لما ضرب أحد أصدقائى بالرصاص فى مشاجرة بسبب الخبز، لم تصل إلينا أى سيارة إسعاف لنقله، فقمنا بنقله للمستشفى بتوك توك». وكانت توشكى قد شهدت مقتل شاب فى مشاجرة بسبب الخبز، إذ قام عامل بالمخبز الوحيد فى المنطقة بإطلاق الرصاص عليه، عقاباً له على محاولته الدخول للمخبز للحصول على الخبز لأولاده. ويستطرد محمد، من سكان المنطقة: «هانى مات وهو يشترى خبز والطلقة التى قتلته كادت تقتل طفلتى أسماء التى كانت فى طابور العيش مع أمها». وتقول الحاجة أم أحمد: «الناس هنا مش لاقية لقمة العيش، وبتموت عشان تجيبها، ومفيش غير فرن واحد، وبنتعذب عشان نلاقى مواصلات نستخدمها عشان نجيب عيش من خارج المساكن». وأضافت: «مش عارفة المسئولين سيبنا كده ليه، هما المفروض أدونا الشقق دى عشان نعيش فيها ولا عشان نموت». ويقول محمود القاضى (60 سنة) أحد سكان توشكى، إننا نعيش هنا فى جحيم حقيقى، فتلك المنطقة غير آمنة بشكل تام، وجميعنا معرضون بشكل يومى لحوادث البلطجة والسرقة بالإكراه على يد الهجامة والبلطجية الذين يعتبروننا فريسة لهم. وأضاف: «السلاح المنتشر فى توشكى يكفى كتيبة كاملة، فهنا كميات لا حصر لها من الأسلحة مع البلطجية والمسجلين الذين يستخدمونها فى مشاجراتهم التى لا تنتهى وسط غياب الشرطة التى لا تأتى لتلك المنطقة إلا فى الكوارث. وبجوار البلوك رقم 7 فى مساكن توشكى، تجلس الحاجة آمنة بخيت لتبيع أطباق «المكرونة» للسكان: «أنا أجلس هنا لكى أبيع المكرونة عشان أتحصل على مصروفى لأنى ليس لى أى مصدر دخل، ونعانى هنا من مشكلات الصرف الصحى، وعدم توافر العيش، تصوروا حتى العيش الحاف مش لاقيينه». ويتحدث عبدالعزيز إبراهيم، عن مشكلة الأمن فى توشكى قائلاً: «إحنا تعبنا، الناس المحترمة مش عارفة تعيش هنا، الشرطة سيبانا للبلطجية يعملوا فينا اللى هما عايزينه، هنا فى بلوكات كاملة مسروقة من البلطجية واخدنها بوضع اليد ومحدش قادر يتكلم». وقال: «الشرطة تعرف كل شىء عن ظروفنا وعن كم السلاح الكبير المنتشر فى المنطقة ولا تتحرك، وتترك البلطجية الذين تعرفهم جيداً. وبدوره، يقول اللواء خالد غرابة، مساعد وزير الداخلية مدير أمن الإسكندرية إن مديرية الأمن بدأت فى شن العديد من الحملات الأمنية التى تستهدف العديد من المناطق القريبة من ضواحى الإسكندرية، وذلك فى إطار خطة وضعتها المديرية للقضاء نهائياً على مشاكل البلطجة وانتشار السلاح. وأضاف أنه سيتم تكثيف تلك الحملات الأمنية فى مناطق غرب وفى العديد من العزب والمساكن والتى وصلت للمديرية شكاوى أمنية منها، ومن بينها توشكى، مؤكداً أن ضباط وأفراد مديرية أمن الإسكندرية يعملون الآن بروح جديدة ولن يتركوا المواطنين الآمنين ضحية للبلطجة. ويعيش سكان توشكى محاصرين بين أدخنة شركات البترول، وجبال القمامة، ويقول أحمد سمير، أحد سكان المنطقة، إننا نعانى من مشاكل صحية كثيرة نتيجة البيئة الضارة التى نعيش فيها التى لا تصلح على الإطلاق لحياة البشر. وقال: «قدمنا العديد من الشكاوى للجهات المسئولة لحل مشكلة القمامة فى توشكى لكن بلا جدوى، والكثير من أهالى الطوبجية الذين تم نقلهم إلى توشكى عقب احتراق منازلهم نادمين الآن؛ لأنهم شعروا بأنهم ذهبوا للعيش فى الجحيم حيث الجوع والفقر والبلطجة والتلوث. وتابع: «الجبال التى تحاصر المساكن مأوى للحيوانات المفترسة التى تهدد الأطفال، ولا يوجد قسم شرطة ولا مستشفى يستقبل المرضى فى حالة الطوارئ، كما يصعب على أى سيارة إسعاف أن تصل إلينا، نظراً للبعد عن طريق العامرية. وكان محافظ الإسكندرية الدكتور أسامة الفولى قد وعد بحل مشاكل أهالى توشكى، مؤكداً أنه سيقوم بتكليف مسئولى حى العامرية لحل المشكلات التى يعانى منها أهالى المنطقة والعمل على سرعة القضاء على كل معوقات الحياة فيها. ويعترف مسئولو الحى بمعاناة الأهالى فى توشكى قائلين: «للأسف أن تلك المنطقة تعانى من العديد من المشكلات المركبة من نقص الأمن، وعدم وجود مخابز تفى باحتياجات المواطنين، وشبكة مواصلات، وهى فى أمس الحاجة إلى حلول عاجلة من خلال المحافظة».