تابعتُ، بكل أسى وحرقة قلب على صورة الإسلام المشوهة فى عيون العالمين، ما يفعله خوارج العصر «داعش» فى الفترة الماضية من جرائم باسم الإسلام. ومن أقسى ما شاهدت فى جرائم داعش «سبى النساء»، فقد عرض الأستاذ خيرى رمضان فى برنامج تليفزيونى فيديو لداعش يُعتقد أنه سوقٌ لبيع السبايا اللاتى استرقّهن المجرمون. فهل فى الإسلام رقٌّ؟ وهل أحكام الرق الموجودة فى الشريعة الإسلامية سارية إلى يوم القيامة؟! الحقيقة الواضحة التى لا لبس فيها أن القرآن والسنة لم يرد فيهما نصٌّ يُبيح الرق! بل جاء الإسلام بتكريم بنى آدم ليعيشوا أسوياء أحراراً عبيداً لله وحده وليس لأى أحد من خلقه. قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)، (الإسراء: 70). وكثيراً ما جاء لفظ «العبد» بمشتقاته فى القرآن مقروناً بأسماء الله تعالى، قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً)، (الفرقان: 63). ولم يثبت أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ضرب الرق على أسير من أسارى الحرب!! بل أطلق أرقّاء مكة وأرقّاء بنى المصطلق وأرقّاء حنين، بل ثبت عنه أنه أعتق كل ما كان عنده من رقيق فى الجاهلية، كما أعتق من أُهدى إليه منهم مثل «مارية القبطية»، أعتقها وتزوجها. لقد تعامل الإسلام مع قضية الرق بواقعية وتدرُّج للوصول إلى تحرير كل الرقاب دون فرق بين مؤمن وكافر. ووجد الإسلام جرائم الجاهلية مستحكمة بين الناس، فاشتبك معها حتى يطهر المجتمع من رجزها وضررها، منها وأد البنات، ومعاقرة الخمور، والرق. بعض هذه الجرائم استطاع المسلمون أن يقضوا عليها على الفور، وبعضها استدعت الواقعية والمصلحة تطبيق منهج التدرج والتراخى حتى يُقضى عليها دون رجعة كإنهاء مظاهر شرب الخمر. ونظراً للظروف العربية والبدوية كانت مشكلة الرق تحتاج إلى مدةٍ أطول وإلى تشريعات تُعالج المشكلة بدقة وحكمة، ليتحرر كل العبيد دون رجوع للاستعباد مرة أخرى، وهذه الأحكام ضمن الأحكام التاريخية التى ترتبط بعلة الحكم، فلا تُطبق إلا بوجود علتها، وإذا زالت علتها بقيت قراءة النصوص الخاصة بها تعبداً لا تطبيقاً. ومثال ذلك: «المكاتبة»، وهى أن يكاتب العبد سيده بدفع مال له فى مقابل العتق، وقد كاتب سلمان الفارسى رضى الله عنه وأصبح حراً بهذا الحكم، قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللهِ الَّذِى آتَاكُمْ)، (النور: 33). هذه الآية بالطبع يستحيل تطبيقها لانتفاء علة حكمها وهى وجود عبيد وإماء فى عصرنا!! وتبقى ضمن الآيات التى يقرأها الناس تعبداً دون تطبيق!! وإذا كان الخلفاء الراشدون ثبت عنهم أنهم استرقّوا بعض الأسرى فى الحروب، فهذا ليس على نصٍّ من القرآن والسنة، وإنما على أساس القاعدة الحربية المتعارَف عليها فى كل العصور أثناء الحرب «المعاملة بالمثل». وكثيراً ما يستشهد الإرهابيون بآية سورة محمد لتبرير الذبح والقتل والسبى، مع أنها خاصة بالمحاربين من المشركين فى زمن رسول الله وقت الحرب بين الوثنية والإسلام ولا تنطبق على غيرهم، وقد أُنزل فى شأنهم أحكام فى سورة التوبة لا ينبغى عرض هذه الآية دون سياقها الخاص، ورغم هذا فإن الآية تخيير للنبى صلى الله عليه وسلم بين العفو عن الأسرى أو فديتهم بمال ولم تتضمن استعباد الأسير، قال تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا* ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ* وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ)، (محمد: 4). قال ابن عباس: الكفار هم المشركون عبدة الأوثان. ولقد توسعت الشريعة فى وجوب تحرير العبيد وخاصة بتشريع كفارات اليمين والظهار وقتل الخطأ، فكل الأحكام الشرعية الخاصة بالرق أحكام لتحريرهم واستنقاذهم وليس لاستعبادهم وذلهم، كما شرعت وطء الجارية بعقد ملك اليمين لأنها إن ولدت باتت حرة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)، سورة المؤمنون. وجعلت الشريعة الإسلامية عتق الرقبة من أعظم الأعمال الصالحة، قال تعالى: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ)، سورة البلد0 كما جعل عتق الرقاب من مصارف الزكاة، فقال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقتُ لِلفُقَراءِ وَالمَسكينِ وَالعمِلينَ عَلَيها وَالمُؤَلَّفَةِ قُلوبُهُم وَفِى الرِّقابِ والغارمين وَفى سَبيلِ اللهِ وَابنِ السَّبيلِ فَريضَةً مِنَ اللهِ واللهُ عَليمٌ حَكيمٌ)، (التوبة: 60). أُطالب بحذف أبواب أحكام الرق من المناهج التعليمية لعدم حاجتنا إليها حتى لا يظن الشباب بسريانها فى كل العصور، وتبقى نصوص القرآن والسنة الخاصة بها تعبُّدية، نتعبد بقراءتها دون تطبيق، لأن استرقاق الناس جريمة ذمّها القرآن عندما قص قصة فرعون.. (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِى ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)، (سورة البقرة:49) ومن فعل ذلك يُطبق عليه حد الحرابة المذكور فى سورة المائدة قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، (آية: 33). كما أُطالب إخوتى العلماء الذين تورطوا فى إبداء آراء عبر وسائل الإعلام المرئية تفيد بسريان أحكام الرق فى الحروب فى عصرنا بتقوى الله والرجوع إلى الحق، لأن الرق لم يعد موجوداً، وبالتالى تنتفى قاعدة المعاملة بالمثل أثناء الحرب التى كان يطبقها الخلفاء، ولنا أن نعتز بشريعتنا الإسلامية التى ساهمت بتحرير الرقاب وجعل الناس أحراراً، ولا استعباد بعد ذلك!! أما ما يفعله خوارج العصر الآن فى سوريا والعراق فهو رجوع إلى الجاهلية وليس إلى الإسلام!