دراما أشبه بأفلام الغرب عن ال «آراب نايتس» ليالى ألف ليلة وليلة لكن البطل هذه المرة شخص ذو لحية كثة متجهم الوجه يعلو جبهته وشم يشبه علامة كثرة السجود، يرتدى جلبابا قصيرا أسفله بنطال: هل يكفى هذا المظهر لأن نحسب صاحبه على الإسلام؟.. وهل يكفى أن تصرفه أن الإسلام يدعو لإحياء عادة جاهلية وطقس مجتمعى حاربه الإسلام حتى قضى عليه.. نحن نقصد.. هؤلاء الأشخاص المرضى نفسيا الذين تتاجر بهم فضائيات الفتنة حين تستضيفهم ليتحدثوا عن «ملك اليمن» ويأتى بمن يجادلهم ويزيد آراءهم سفاهة على سفاهتها. وللأسف يحدث هذا كله بشكل مرتب ظاهره فيه الرحمة وباطنه العذاب.. الظاهر أننا نحارب مثل هذه الدعوات «التافهة» والنتيجة أن يقر فى وجدان المشاهد المسلم وغير المسلم أن هذا هو الإسلام والمسلمين الذين يريدون أن يعودوا بنا إلى عصور الجاهلية الأولى! فى مناخ يشوبه الفتن والإساءة إلى الدين الإسلامى عن قصد وعن غير قصد والتلاعب بعقول البسطاء والجهلاء بصحيح الدين من بعض الجهلاء تطرق البعض إلى القول بجواز زواج ملك اليمين بحجة أن الإسلام أحلها ورغبة، إما فى تشويه الإسلام وإما الانغماس فى الغرائز والملذات بدعوى تحليل ما أحله الله، الغريب أن علماء الأمة أجمعوا على أن نسب إباحة ملك اليمين للدين الإسلامى بحجة حل مشكلة العنوسة التى انتشرت فى الفترة الأخيرة هو افتراء وتضليل وتهجم على الدين.. بل أجاز البعض إلى وجوب الحجر على من يفعل ذلك بتهمة السفه. للقضية وجوه وجوانب أخرى غير ما يتعلق بالشرع يبدأ بشرح المفهوم نفسه.. د.أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء قال ل «أكتوبر» مفسرا لمفهوم ما ملكت أيمانكم أن ملك اليمين كان موجودا فى الماضى وظل حتى جاء الإسلام فعمل على تصفية الرقيق واستخدم الإسلام عدة طرق لتجفيف منابع الرق وتحريمه سوى رق الحروب ثم جعل الكفارة طريقا لتخليص المجتمع من الرق ووسيلة من وسائل التكفير عن الآثام فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا إلى آخره من الطرق التى شجعت المسلمين على عتق الرقيق للدخول إلى منهج الدين الصحيح ثم توجه بعد ذلك الإسلام إلى صيانة حقوق من تم عتقهم، لأن الله سبحانه وتعالى خلقنا أحرارا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع «لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى» فكانت الدعوة واضحة إلى نبذ الرق والدعوة إلى إعطاء الحرية لمن خلقهم إله أحرار بالأساس. وأضاف هاشم أن هذا المفهوم انتهى ولم يعد موجود فى عصرنا ما يسمى بملك اليمين وأصبح الناس جميعا أحرارا ولا توجد أسواق ملك اليمين التى كانت توجد قديما لبيع الرقيق والجوارى قبل الإسلام، وقد صفاها الإسلام شيئا فشيئا، لأنها كانت تمثل ورقة فى التجارة وكانت التجارة، كما هو معروف مصدرا للرزق قديما فكانوا يبيعون ويسترقون فلما جاء الإسلام بخلقة السمحة دعا الناس إلى عتق الرقاب وحث على إنهاء ملك اليمن شيئا فشيئا حتى أنهى الإسلام ملك اليمين وهذا فضل للإسلام على البشرية. ردة جاهلية وشدد هاشم على أن الدعوة بأى شكل لعودة ملك اليمين هى دعوة خاطئة وبعيدة عن الإسلام وهى ردة إلى الجاهلية وأن النظام القائم الآن فى الزواج هو الزواج بولى وشهود عدل وحذر من خطورة تلك الدعوة لأن الهدف منها الإساءة للإسلام، والقرآن عندما نزل لم يمنع الناس من الاتجار بالرقيق أو الإماء لأنه كان نظام حياة وإنما تركه وتدرج فى منعة، وحث على العتق فقال الرسول عليه الصلاة والسلام «من أعتق عبدا أعتق الله عضوا من أعضائه من النار» فشجع ذلك الناس على عتق الأرقاء ومن ثم فإن للإسلام الفضل فى منع تلك العادة الدميمة. فقد جاء التشريع الإسلامى بحثِّ المجتمع المسلم الناشئ على عتق العبيد وتحريرهم، واعدًا إيَّاهم بالجزاء العظيم فى الآخرة؛ فعن أبى هريرة أن رسول الله قال: «من أعتق رقبة اعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى فرجة بفرجة»، كما شجع الرسول الكريم عتق الأماء فقد رغب الرسول الكريم فى عتق الأمة وتزوجها فعن أبى موسى الأشعرى أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران». سلعة قال د.أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إنه من المقرر شرعا أن ملك اليمين المراد به المرأة الأمة التى كانت قبل الإسلام تسبى بسبب الحروب بين القبائل وغيرها ثم سارت كسلعة تجارية تشترى، أما للخدمة أو للحرمة أو للاستمتاع وكأن من يقتنيها يملك دابة من الدواب يبيعها و يشتريها وتورث عنه وفيما يتعلق بالاستمتاع فكان هذا بحق أو بدون حق. ويقول كريمة جاء الإسلام ووجد هذا الأمر وهى أمور اقتصادية واجتماعية كانت راسخة فى ذلك الوقت فعالجها بمنهج الرفق فجعل عتق الرقاب من الصدقات المفروضة على المسلم «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عيها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم» الآية 60من سورة التوبة. وجعل عتق الرقبة من الكفارات كالإفطار فى نهار رمضان بالجماع والكفارة فى القتل والحنث باليمين إلى آخره، فالإسلام دعا إلى التوازن فلم يغلق باب الرق بالكلية ولم يبقه على وضعه القديم إلى أن جاءت الاتفاقيات الدولية بتجريم وتحريم الرق فى العالم هذا متفق مع موجز وروح الإسلام لأنها من قبيل الصالح وقال أئمة العلم «حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله» وهناك قاعدة أخرى تقول «المصالح معتبرة» ويقصد بها اعتبارا بالعرف وقال عبد الله بن مسعود «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن». ويؤكد كريمة أن الرق الآن محرم ومجرم ومن ينادى به أما متغابى أو متعامى ولا حظ له من العلوم الفقهية فهو جاهل بالشريعة الإسلامية لأن الحلول والتدابير لا تكون بالتعدى على الإسلام واستعداء العالم عليه ويقول جمهور العلماء «إن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح» وعلاج الأمر سهل وهو تخفيض تكاليف الزواج فلو أن الناس عادوا إلى الإسلام واقتدوا برسول الله عليه الصلاة والسلام عندما تزوج أو زوج بناته لوجدوا حلولا كثيرة فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان لينا سهلا فى الزواج دون مغالاة.. بل إنه يرى أن ملك اليمين سيزيد من مشكلة العنوسة فلو لا قدر الله عادت ملك اليمين، فالناس ستستسهل ملك اليمين فيشترى الشخص ما يريد دون مهر أو مؤخر أو عرس وبذلك تتفاقم المشكلة، بالإضافة إلى ما يحمله الأمر من إساءة بالغة للدين. سفه! ويتابع كريمة حديثة قائلا يقول العلماء فى باب الحجر «يحجر على السفيه وعلى الطبيب الجاهل وعلى المفتى الماجن» فاعتبر العلماء أنه لو قصد الإنسان الإفتاء الخاطئ الجاهل وأصدر فتاوى حمقاء تضر بسمعة الدين، فيجب على القاضى الحاكم الحجر عليه لذا أرى أنه يجب أن تطبق تلك المقولة على من يدعو إلى عودة ملك اليمين. أما بتهمة الفسق أو بتهمة ازدراء الدين الإسلامى. فى الحروب وفى نفس السياق يقول د.محمود مهنى عضو هيئة كبار العلماء ونائب رئيس جامعة الأزهر بفرع أسيوط إن هذا الأمر كان منتشرا فى الزمن الأول فى الحروب بين الدول جميعا فكانت الحروب إذا دارت بين طائفتين أسر الفريق الأول من النساء، وكذلك الفريق الثانى فجاء الإسلام ووجد هذا النظام معمولا به فاعتبر الإسلام ملك اليمين أقل من الزوجة بصفة أو صفتين ثم بدأ الإسلام يحرم ملك اليمين رويدا رويدا فجعل الله عز وجل فى كفارة عتق رقبة وفى كفارة القتل الخطأ وعتق رقيق طرق لتخليص المجتمع من هذه العادة الجاهلية ومازال الإسلام يحرمه حتى يومنا هذا وسيظل محرما إلى يوم القيامة و يعود الفضل إلى الإسلام فى إبطال تلك العادة السيئة وفى العصر الحديث وفى ظل النظم السياسية الحديثة ظهر نظام الأسر وتعامل العالم به وانتهى ملك اليمين إلى الأبد ومن أفتى بجواز عودته لأى سبب فهم طلاب علم غير فقهيين وبعيدين عن الملة بعدا تاما ويزجوا بالإسلام فى معركة لا شأن له بها وهذا غير جائز فى العرف الشرعى أو فى عرف القانون. وتطرق مهنى إلى مكانة المرأة فى الإسلام فقال إن للمرأة مكانة كبيرة فى الإسلام لم تعط لها فى أى أمة من الأمم، فقد كرمها الله وشدد على أعطائها حقوقها كاملة غير منقوصة ففى الزواج الذى طالب الزوج بأن يعطى للمرأة حقها فى أن يكون لها مهر وتأسيس شقة وإعطاء حقها من المال والطعام والكسوة والعلاج وأن يكون لها جميع الحقوق ما عدا الحج فإنه يكون تكريما من الزوج. أما من يفتح باب ملك اليمين كطريق لحل مشكلة العنوسة فهذا أمر ليس جائزا.. بل على المجتمع أن يجد حلولا أخرى لا تؤدى إلى إثارة الفتن وتشويه ديننا السمح. الترويج ومن جانبه انتقد فضيلة الشيخ فؤاد عبد العظيم وكيل وزارة الأوقاف لشئون المساجد الترويج لعودة ملك اليمين، ويرى أنه ما هو إلا تحايل على الدين فهو يحل حراما وخصوصا فى موضوع النكاح، فملك اليمين حرام حرام حرام شرعا لأن ملك اليمين هم أرقاء العين الذين كانوا ملك اليمين والإسلام حينما أقر الرق أقره لوجوده فكان قبل الإسلام السيد يمتلك آلاف العبيد ولما جاء الإسلام فتح أبواب العتق على مصراعيها. وكانت قبل الإسلام ملك اليمين تحل لسيدها بشرط أن يكون حرا. أما بعد الإسلام فليس هناك ملك يمين أو رق لأن الإسلام أظهر للبشرية أن الله خلقنا أحرارا.. لذا فلا ملك يمين أو رقيق بعد الإسلام ولما جاء الإسلام بدأ فى القضاء على نظام الرقيق والجوارى تدريجيا والذين يدعون الآن إلى عودة ملك اليمين هم يتحايلون على الدين ويشوهون الإسلام الذى جاء، مؤكدا أن الله خلقنا جميعا أحرارا والجميع هو عباد الله ولا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى. وطالب عبد العظيم وسائل الإعلام والدعاة ورجال الدين التصدى لمثل هذه الدعوات تصحيح المفاهيم الخاطئة، مؤكدا أن هناك حلولا أخرى خلاف لتلك الحلول التى تشوه الإسلام وتسئ له. قبل الإسلام وأخيرا تقول د.سعاد صالح أستاذ الفقه بجامعة الأزهر إن الإسلام جاء وكانت ظاهرة ملك اليمين واستعباد الأحرار رجالا ونساء منتشرة فى الدول السابقة والجاهلية قبل الإسلام والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان مكرما وحرا لقوله تعالى «ولقد كرمنا بنى آدم وحملناه فى البر والبحر ورزقناه من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا» وحرم الإسلام بيع الحر أو الحرة، ولكن ظاهرة ملك اليمين فى الإسلام مشروطة بشروط أولها أن تكون الحرب التى يترتب عليها الأسرى وهو لا يعرفون بملك اليمين تكون مشروعة للدفاع عن العقيدة أو الأرض. وأضافت أن الإسلام حث على الدعوة لإطلاق الحرائر وحبذ فك العتق لملك اليمين بمجرد أن تتزوج وتنجب ولدا كما جعل الإسلام عتق الرقبة كفارة للقتل الخطأ وللظهار وللحنث باليمين وفتح الإسلام أبواب العتق، ومن هنا فإن الإسلام قد قيد ظاهرة ملك اليمين وحبب القضاء عليها بهذه الأحكام الشرعية وما نراه الآن من دعوى لإحياء هذه الظاهرة مخالفا تماما لنصوص الكتاب والسنة وإن كان القرآن الكريم قد أبقى على لفظ ملك اليمين إلا أنه مقيد للحرب المشروعة فقط.