كانت السماء وما زالت داكنة مثل أيام الخماسين؛ فقد جاء «أبوكرتونة» من بعيد إلى مجلس الإدارة، العصابة ارتأت أن تأتى به لأن مهران وزكى الفاسدين أراداه هناك لتمرَّر الأجندات وتباع أرض المصنع لتعيش رابطة «تخزين المستقبل»، فالرابطة التى يمثلها «عايش السعيد» الشهير ب«أبوكرتونة» لا تعترف بالبناء، فقط تحركها الرغبة فى عبادة غرض «عيّشنى النهارده وموّتنى بكرة»؛ لأنها تتفق مع «الشككك» ومنهج «القطاعى» عند جمع حساب الحلوى والسجائر «الفرط». «أبوكرتونة» اصطنع لنفسه، بسذاجته المفرطة وجهله الواضح ومراهقته الفذة، أداءً كوميدياً يتفق مع شاربه وهندامه، ف«الدهولة» و«الهرتلة» سلاحاه للعيش فى دنيا المصنع الكبير بصراعاته وتعقيداته وفساده؛ فالارتجال قد يكون حلاً لغياب الرؤية وانعدام الخيال. «أبوكرتونة» يتحدث إلى زملائه فى المصنع فينفجرون ضحكاً من طريقته فى التفكير وسطحيته النادرة، لكن أراد أن يتناسب موقفهم منه مع موقعه فى مجلس الإدارة، فراح ينبه عليهم بأنه «عايش السعيد» عضو مجلس الإدارة وليس «أبوكرتونة»، ويردد على أسماعهم أن «براستيجه» -من البرستيج- يحتِّم عليهم احترامه والحديث معه بلهجة مختلفة بعيداً عن ماضيه فى بيع السجائر والحلوى وأعمال المخازن. «أبوكرتونة» فى أيامه الأولى لم يصدق ما يحدث، فقط كان يذكِّر نفسه بذاته الجديدة، مردداً: «لقد نجحت.. بكم بكم بكم بكم»، التكرار للتأكيد مثلما يتحدث خطباء المساجد، ف«أبوكرتونة» لا يرغب فى ترك الميكروفون فى اجتماعات مجلس الإدارة؛ فبينهما علاقة خاصة، خاصة إذا كان وسط السيدة «جمعيات» وشخصيات قائمته الانتخابية الجاهلة الذين يرغبون فقط فى العطايا وأمتار القماش من إنتاج المصنع الخرب. «أبوكرتونة» بعدما كان يحلم بالكليم الأحمر ليطرّى على «جتّته» فى حرّ الصيف، سكن غرف الفنادق الفاخرة، وتلذذ بسهراتها، لكن غاب عنه أن خياله المشدود بأوتار الطاعة وعقله المحكوم بأسقف غرفها الضيقة، لن يذهب به بعيداً؛ لأن السيد إذا أراد أن يعيش فعليه أن يكون حراً، «أبوكرتونة» لم تنفعه سذاجته المسماة «طيبة»؛ فالمرسوم خط متعرج يذهب بالمستقبل إلى الجحيم، والطيبة محلها مصطبة أو قهوة أو جلسة عربى!! «أبوكرتونة» لم يخرج من بئر السذاجة رغم مرور الأيام، فقد سكر بخمر الاجتماعات والاستقبالات، وبقدر قلة الخبرة فى البداية أصبحت الرعونة وغياب الحيلة متلازمتين فى الحياة الجديدة، واستسلم «أبوكرتونة» ل«زكى» و«مهران» الفاسدين، ولم يستيقظ مثلما حدث مع محمود عبدالعزيز فى فيلمه «أبوكرتونة»؛ لأنه صورة وليس أصلاً، ومن ثم استكمل دور «العبيط» باقتدار، ولم يفق من الوهم، لينتشل المصنع من براثن سارقيه وينقذه من الخصخصة وتشريد عماله. «أبوكرتونة».. نَمْ جيداً فالغطاء ينسلت يوماً بعد يوم، فالعراء أقرب إليك من حبل الوريد. كلمة أخيرة: عزيزى القارئ.. إذا ذهب بك عقلك إلى أننى أتحدث عن شخوص موجودة فى الواقع فإنك مسئول عن تصوراتك، فما ذكرته ليس إلا خيالاً من مريض وطنى.